"جيش العدل".. جماعة إيرانية معارضة تسببت بأزمة دبلوماسية بين طهران وإسلام آباد
"جيش العدل" جماعة إيرانية معارضة، تأسست على أنقاض حركة "جند الله" البلوشية عقب إعدام طهران زعيمها عبد المالك ريغي في يونيو/حزيران 2010، وتؤمن الجماعة بالنضال المسلح ضد الجمهورية الإسلامية لاستعادة حقوق البلوش وأهل السنة، وتعد من أبرز التنظيمات المسلحة داخل إيران عموما وفي محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي البلاد على وجه الخصوص.
وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني يوم 16 يناير/كانون الثاني 2024 أنه استهدف مقرين لجيش العدل داخل الأراضي الباكستانية بالصواريخ والطائرات المسيرة، مما تسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين، وردت إسلام آباد بمجموعة من الهجمات بعد يومين معلنة استهداف من سمتهم "إرهابيين" في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية.
الانطلاق
عقب الهجوم الانتحاري الذي استهدف "ملتقى الوحدة بين العشائر الشيعية والسنية" في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2009 -والذي راح ضحيته نحو 30 شخصا، بينهم نائب قائد سلاح البر في الحرس الثوري الجنرال نورعلي شوشتري وعدد آخر من القيادات العليا في الحرس الثوري- اعتقلت إيران زعيم حركة جند الله عبد المالك ريغي يوم 23 فبراير/شباط 2010.
وأثناء سفر ريغي على متن رحلة جوية خارجية إلى قرغيزستان اعترضت مقاتلات إيرانية الطائرة التي كان يستقلها وأجبرتها على الهبوط في إيران، معلنة أنها ظفرت بصيد ثمين، ثم أعدمته يوم 20 يونيو/حزيران 2010.
وبعد مرور أشهر قليلة على إعدام ريغي انطلقت أول تجمعات في منطقة سيستان وبلوشستان شرقي إيران لتشكيل جماعة جيش العدل بزعامة صلاح الدين فاروقي من سكان مدينة راسك الإيرانية وأحد أبرز عناصر جماعة جند الله المنحلة.
وتوجت تلك الاجتماعات بتشكيل جماعة جيش العدل بمبايعة عبد الرحيم ريغي شقيق عبد المالك ريغي نهاية عام 2012 وعيّن عبد الرحيم ملا زاده أميرا للجماعة، وانضمت إليها خلال سنوات عدة جماعات مسلحة معارضة للنظام الإيراني.
وأكدت الجماعة الجديدة عقب تبنيها عمليات مسلحة عام 2012 أن هدفها الرئيسي هو النضال المسلح من أجل استعادة حقوق البلوش وتحقيق المساواة في حقوق أهل السنة مقارنة بالشيعة داخل إيران.
التنظيم
تتكون جماعة جيش العدل من 3 أفرع عسكرية:
- وحدة عبد الملك ملا زاده.
- وحدة الشيخ ضيائي.
- وحدة المولوي نعمت الله توحيدي.
وتعتمد الجماعة في عملياتها على السلاح الخفيف والأحزمة الناسفة ضد التجماعات العسكرية الإيرانية، ولا سيما مراكز الشرطة والحرس الثوري وحرس الحدود الذي تحول إلى هدف ثابت لعناصر جيش العدل التي تعمل في مجال تهريب السلاح من باكستان وأفغانستان إلى الأراضي الإيرانية، ويستهدف التنظيم أيضا مراكز الشرطة للسيطرة علی مخازن السلاح فيها.
ولا توجد إحصاءات رسمية عن عدد عناصر جيش العدل، لكن بعض وسائل الإعلام تقدر عدد قوات التنظيم بين ألف وألفي عنصر مسلح.
الحاضنة
ينشط تنظيم جيش العدل في محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة جنوب شرقي إيران، ويتخذ منها منطلقا لتنفيذ عملياته في المناطق الشرقية الإيرانية.
وعلى الرغم من بث التلفزيون الإيراني تقارير باستمرار بأن "أهالي هذه المنطقة ينبذون هذا التنظيم الإرهابي ويطالبون بالقضاء عليه" فإنه يتمكن بين الفينة والأخرى من مهاجمة أهداف عسكرية إيرانية في تلك المنطقة.
ويرى مراقبون أنه لولا الحاضنة الشعبية لما تمكن عناصر الجماعة من الاختباء بين السكان المحليين.
يشار إلى أن منطقة سيستان وبلوشستان حكمتها السلالات المغولية المتعاقبة، وصولا إلى اجتياحها خلال القرن الـ16 من الصفويين، وانتهاء بالاستعمار البريطاني الذي فصل المنطقة عن أفغانستان وألحقها بالأراضي الإيرانية، وهو ما أثار الكثير من النزاعات السياسية ذات الخلفية العرقية والطائفية.
وبحكم تركيبتها العرقية والمذهبية المعقدة وموقعها الجغرافي تعتبر المنطقة ذات أهمية خاصة لدى السلطات الإيرانية، ولا سيما أن السنوات الأخيرة شهدت تنامي المطالبات بالانفصال في أجزاء بلوشستان الثلاثة في كل من إيران وباكستان وأفغانستان لتأسيس الدولة البلوشية.
وقد ألحقت طهران الإقليم بأراضيها عام 1928، ويعد من أكبر المحافظات الإيرانية، فيما انضم جزء منه إلى باكستان بعد عام على قيامها عام 1947 ليصبح رابع أقاليمها.
العقيدة
ويقول التنظيم -الذي يعرّف نفسه بأنه "سني"- إنه يسعى لاستعادة حقوق الأقلية السنية في إيران وإحياء دولة البلوش التي كانت قائمة حتى 1839 حيث أخضعت للسيطرة البريطانية ثم قسّمت بين إيران وباكستان وأفغانستان.
وتتهم إيران حركة جيش العدل بالارتباط بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وتستند في ذلك إلى تعريف جيش العدل نفسه على منصة إكس بأنه "حركة جهادية في بلاد فارس تسعى إلى إسقاط الحكومة الإيرانية وتحكيم الشريعة الإسلامية".
العمليات
منذ انطلاقته رسميا عام 2012 تبنى جيش العدل سلسلة من العمليات داخل الأراضي الإيرانية، من تفجيرات وعمليات انتحارية وخطف رهائن واستهداف المقرات العسكرية، أبرزها:
- قتل 14 من حرس الحدود الإيرانيين في مدينة سراوان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2013.
- إسقاط مروحية تابعة للحرس الثوري يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
- إعدام عنصر من الحرس الثوري يوم 23 مارس/آذار 2014.
- خطف 5 من عناصر حرس الحدود الإيرانيين يوم 6 فبراير/شباط 2014 قالت طهران حينها إن التنظيم نقل الرهائن إلى باكستان.
- قتل 8 من عناصر حرس الحدود الإيرانيين بمنطقة "نغور" المحاذية لباكستان يوم 6 أبريل/نيسان 2015، تقول إيران إن الجماعة استهدفت قواتها من داخل الأراضي الباكستانية.
- تنفيذ كمين بمنطقة "مير جاوه" أسفر عن مقتل 9 من حرس الحدود الإيرانيين وإصابة اثنين آخرين على الحدود الباكستانية الإيرانية يوم 26 أبريل/نيسان 2017.
- تفجير انتحاري استهدف مدينة جابهار الساحلية في ديسمبر/كانون الأول 2018 وأسفر عن مقتل اثنين من ضباط الشرطة وإصابة 42 آخرين.
- هجوم انتحاري استهدف حافلة على طريق خاش زاهدان وعلى متنها عناصر الحرس الثوري خلف 27 قتيلا و13 جريحا في فبراير/شباط 2018.
- خطف 14 عنصرا من عناصر حرس الحدود الإيراني بمنطقة "لولكدان" في محافظة سيستان وبلوشستان يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
- قتل رئيس الاستخبارات المحلية في الحرس الثوري العقيد علي موسوي بطلق ناري خلال اشتباكات مسلحة مع عناصر جيش العدل في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
- هجوم مسلح على مقر الشرطة في مدينة راسك جنوب شرقي إيران في ديسمبر/كانون الأول 2023 خلف 11 قتيلا و7 جرحى من قوات الأمن الداخلي.
هجمات متقابلة
أعلن الحرس الثوري الإيراني يوم 16 يناير/كانون الثاني 2024 أنه استهدف مقرين لجيش العدل داخل الأراضي الباكستانية بالصواريخ والطائرات المسيرة، مما تسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين.
وأسفرت الضربات الإيرانية داخل باكستان عن تدمير قاعدتين تستخدمهما جماعة "جيش العدل" حسبما ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، في حين قالت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية ممتاز زهرة بلوش إن الهجوم "أدى إلى مقتل طفلين بريئين وإصابة 3 فتيات".
في المقابل، تبنت إسلام آباد صباح الخميس 18 يناير/كانون الثاني 2024 "سلسلة من الضربات العسكرية" وصفتها بأنها "دقيقة وعالية التنسيق والموجهة على وجه التحديد ضد مخابئ الإرهابيين في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية"، في إشارة إلى ما تسمى جماعة "جيش تحرير بلوشستان" المسلحة داخل إيران.
ونقل مراسل الجزيرة عن مصادر باكستانية قولها "إن الضربات التي استهدفت محافظة سيستان بلوشستان أصابت 6 أهداف داخل 3 مواقع بعمق 40 إلى 50 كيلومترا داخل الأراضي الإيرانية".
بالمقابل، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية أن "الهجوم الباكستاني أسفر عن مقتل 9 أشخاص"، وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن من بين القتلى 3 نساء و4 أطفال، جميعهم باكستانيون.