الحل السياسي بليبيا من غدامس للصخيرات وما بعدهما

DOM105 - BENGHAZI, -, LIBYA : The new Libyan flag is raised during a parade in the eastern city of Benghazi to celebrate the second anniversary of Nato's first military operation in Libya on March 19, 2013. On 19 March 2011, Kadhafi's troops and tanks entered the city and the same day French forces began an international military intervention in Libya, later joined by coalition forces with strikes against armoured units south of Benghazi and attacks on Libyan air-defence systems, after UN Security Council Resolution 1973 called for using "all necessary means" to protect Libyan civilians and populated areas from attack by government forces. AFP PHOTO / ADBULLAH DOMA
سعت جولات التفاوض إلى إعادة الاستقرار لليبيا بعد إسقاط نظام القذافي (الفرنسية)
وقعت أطراف الأزمة الليبية اتفاقات عدة للخروج بالبلاد من دوامة العنف والتوتر السياسي الذي عاشته منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. تعددت الأطراف المشاركة كما تعددت الأمكنة والجولات والنقاط الخلافية والائتلافية.
 
وضع متأزم
شهدت ليبيا منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 توترات أمنية وسياسية خلفت قتلى وجرحى ودمارا للبنية التحتية، في حين عبرت أطراف محلية ودولية عن مخاوفها من أن استمرار التردي الأمني سيفسح المجال لتنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية بالدخول على الخط وإرباك المشهد أكثر.
 
حدث ذلك على الرغم من أن التطورات الأولى بعد إسقاط نظام القذافي بشرت بحدوث عملية انتقال سياسي سلسة، ومنها إجراء انتخابات بلدية وتشريعية، والتوافق على حكومات وطنية.
 
لكن تدخل أطراف خارجية في الملف الليبي أربك الوضع الهش أصلا، وانفلتت الأوضاع سياسيا بإعلان خليفة حفتر حلّ المؤتمر الوطني العام وتجميد العمل بالإعلان الدستوري، وإعلانه عملية الكرامة ضد خصومه، ثم إعطاء الشرعية لبرلمان طبرق. 
 
ومع وصول الصراع المسلح إلى الباب المسدود، وبفضل وساطات متعددة ورعاية أممية، انطلقت جولات للحوار الليبي كان من أبرز محطاته لقاء غدامس 1 يوم 29 سبتمبر/أيلول 2014، ثم غدامس 2 في ديسمبر/كانون الأول 2014، ولقاءا جنيف يوم 15 يناير/كانون الثاني 2015 ثم 26 من الشهر نفسه بالمدينة ذاتها.
 
واستمر الحوار بين الفرقاء الليبيين في جولة تاسعة يوم 28 أغسطس/آب 2015، وجولة عاشرة في العاشر من سبتمبر/أيلول 2015، ثم جولة رقم 11 في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2015. 
 
تلك اللقاءات، أسفرت عن توقيع اتفاقات بينها إعلان تونس واتفاق الصخيرات نهاية 2015. 
 

إعلان تونس
وقع ممثلون عن برلمان طبرق المنحل وآخرون عن المؤتمر الوطني العام بضاحية قمرت في العاصمة تونس يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2015 على إعلان مبادئ ينص على تشكيل لجنتين، إحداهما مكلفة باختيار رئيس حكومة ونائبين له، والثانية مكلفة بتعديل الدستور.

وبحسب ما جاء في الاتفاق، فإن الإعلان يقوم على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2009 الصادر بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2011 والذي يدعو لمساعدة ليبيا على تحقيق الأمن والاستقرار، وكذلك على القرار رقم 2174 الصادر بتاريخ 27 أغسطس/آب 2014 والذي ينص على فتح قنوات الحوار المباشر بين الأطراف الليبية لحل النزاع. 

وتحدثت بنوده عن التشبث بالدستور السابق كونه "الخيار الأمثل" لحل مشكلة السلطة التشريعية في انتظار تعديله، إلى جانب تشكيل لجنة تتكون من عشرة أعضاء، خمسة ينتمون لمجلس النواب ومثلهم ممثلون عن المؤتمر الوطني العام، حيث تتكلف تلك اللجنة بالمساعدة على اختيار رئيس حكومة وفاق وطني ونائبين له، يمثل أحدهما المؤتمر الوطني العام، والثاني مجلس النواب، "يشكلان مع الرئيس (رئاسة مجلس الوزراء) وذلك خلال مدة أسبوعين".

ونص إعلان المبادئ كذلك على تشكيل لجنة من عشرة أعضاء، خمسة ممثلين عن الطرفين، تتكلف بتعديل الدستور السابق "بما يتفق مع خصوصية وطبيعة المرحلة". 

اتفاق الصخيرات يوليو/تموز 2015
اتفاق الصخيرات الأول وقعه المشاركون في الحوار الليبي يوم 11 يوليو/تموز 2015 بالأحرف الأولى بمدينة الصخيرات المغربية، ونص على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة. 

والاتفاق عبارة عن مسودة رابعة معدلة اقترحتها الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية، في غياب المؤتمر الوطني العام بعد أشهر من المفاوضات.

وحضر حفل التوقيع الذي جرى بمدينة الصخيرات وفدُ مجلس النواب الليبي المنحل بطبرق ووفد يمثل النواب المقاطعين لجلساته، وآخر يمثل المستقلين، وممثلون عن عدد من البلديات منها مصراتة وطرابلس، وحضره المبعوث الأممي إلى ليبيا سابقا برناردينو ليون، إضافة إلى وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزوار. كما حضره السفراء والمبعوثون الخاصون إلى ليبيا، وممثل الاتحاد الأوروبي بليبيا.

وتضمنت المسودة الأممية ثلاث نقاط هي: تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن.

الاتفاق قضى بـ"تشكيل حكومة الوفاق الوطني على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص. وتُكلّف الحكومة بممارسة مهام السلطة التنفيذية التي تتكون من مجلس للوزراء يرأسه رئيس مجلس الوزراء، وعضوان نائبان، وعدد من الوزراء، ويكون مقرها بالعاصمة طرابلس، ومدة ولايتها عام واحد".

كما تحدث عن أن السلطة التشريعية للدولة خلال المرحلة الانتقالية -التي لم تُذكر مدتها- تضم مجلس النواب المنتخب في يونيو/حزيران 2014 (برلمان طبرق).

ويقوم المجلس الأعلى للدولة -وهو أعلى جهاز استشاري- بعمله باستقلالية، ويتولى إبداء الرأي الملزم بأغلبية في مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التي تعتزم الحكومة إحالتها إلى مجلس النواب، ويتشكل هذا المجلس من 120 عضوا.

وغاب وفد الحوار عن المؤتمر الوطني العام بطرابلس عن حفل التوقيع بعد رفضه المسودة الأممية لعدم تضمنها نقاطا جوهرية.

ويوجد في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، برلمانان وحكومتان، إحداهما بطرابلس والثانية بطبرق، وتدور يوميا بالعديد من المدن والبلدات مواجهات خلفت مئات القتلى منذ يوليو/تموز 2014.  

لقاء مالطا
وبينما كانت الاستعدادات جارية على قدم وساق لتوقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015، نقلت وسائل إعلام عن مصادر رسمية في المؤتمر الوطني العام الليبي قولها إن رئيس المؤتمر نوري بوسهمين التقى يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2015 برئيس مجلس النواب المنحل عقيلة صالح في مالطا.

ويهدف اللقاء، وهو الأول بين الرجلين، إلى مناقشة ما تم التوصل إليه في حوار تونس برعاية أممية بين وفدي المؤتمر الوطني ومجلس النواب المنحل.

وجاء اللقاء قبل يوم واحد من مؤتمر روما حول ليبيا، والذي شاركت فيه قرابة الأربعين دولة، لمناقشة ملف الحوار والتهديدات الأمنية التي تواجهها ليبيا.

ودعا المجتمعون في لقاء روما إلى تسريع تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، في حين طلبت الأمم المتحدة من الرافضين لاتفاق الحوار الليبي نسيان خلافات الماضي.

وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، إن غالبية الفصائل الليبية مستعدة للتوقيع على اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مضيفا أن الليبيين يرفضون أن يعرقل شخص أو اثنان الاتفاق، ودعا إلى بدء تنفيذ الاتفاق لفتح آفاق جديدة في ليبيا.

اتفاق الصخيرات الثاني 17 ديسمبر/كانون الأول 2015
مدينة الصخيرات المغربية شهدت مرة أخرى توقيع اتفاق بين أطرف ليبية نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، غير أن الاتفاق لم يحظ بالإجماع ورفضه رئيس المؤتمر العام في طرابلس نوري بوسهمين ورئيس مجلس النواب المنحل في طبرق عقيلة صالح، وقالا إن الموقعين لا يمثلون إلا أنفسهم. 

اتفق المجتمعون على تعيين علي القطراني وعبد السلام قاجمان نائبين لرئيس الوزراء فايز السراج. كما نص الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني تقود مرحلة انتقالية من عامين، تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية. غسان سلامة

حفل التوقيع حضره مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر ووزراء خارجية عرب وأوربيون وممثلون عن هيئات دبلوماسية ودولية، إضافة إلى أعضاء بمجلس النواب المنحل والمؤتمر الوطني الليبي العام.

مقترحات سلامة
وعرف الملف الليبي بعض الحلحلة بعد تعيين غسان سلامة مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا في يونيو/حزيران 2017. وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2017، كشف سلامة في تصريحات أن المنظمة الأممية تعدّ لاجتماع لتقديم مقترحات بشأن تعديل الاتفاق السياسي الليبي.

وتحدثت المصادر الإعلامية عن "خطة تحرك" في جعبة سلامة لتعديل اتفاق الصخيرات المبرم أواخر 2015 بالمغرب، والذي لم تتوصل الأطراف الليبية المتصارعة إلى تعديله.

وتشمل التعديلات المقترحة خفض عدد أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية إلى ثلاثة أعضاء فقط، يتولون بعد ذلك ترشيح حكومة انتقالية جديدة، وفق دبلوماسيين ومحللين.

واتفقت أطراف ليبية في العاصمة الكونغولية برازافيل في التاسع من سبتمبر/أيلول 2017 على إجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات السياسي، والبدء في حوار شامل في ختام الاجتماع الرابع للجنة الأفريقية الرفيعة المستوى المعنية بإيجاد حل للصراع في ليبيا.

وحضر الاجتماع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والمبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، فضلا عن وفد يمثل الاتحاد الأوروبي، في حين غاب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

مع العلم أنه يتعين أن يقر مجلس النواب المنعقد في طبرق شرقي ليبيا التعديلات المحتملة، لكن هذا المجلس لم يتمكن منذ أشهر طويلة من عقد جلسة لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني رغم المناشدات الدولية الكثيرة. يشار إلى أن الاتفاق السياسي تنتهي مدته يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2017.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية