السودان.. زيادة أسعار الكهرباء لأرقام فلكية تضاعف معاناة المواطنين
لم يتمالك عبد الرحمن نفسه من الصياح وهو يتسلم نصيبه الشهري من حصة الكهرباء، بعد الزيادة الكبيرة التي فرضتها الحكومة على الأسعار دون سابق إنذار، بلغت حوالي 500%، وتم تطبيقها على الفور قبل إجازة ميزانية العام الجديد.
يقول الرجل الخمسيني للجزيرة نت إنه ما زال في حالة صدمة يومية وعدم قدرة على ملاحقة أسعار السلع التي ترتفع بشكل مضطرد، فضلا عن الزيادة الكبيرة في تعرفة المواصلات جراء تحرير أسعار الوقود، لتأتي فوق كل ذلك زيادة هائلة -كما يقول- في الكهرباء.
ويشير عبد الرحمن -وهو عامل في مؤسسة حكومية- إلى أن توقف دعم الكهرباء سيكلفه الكثير في ظل وضع اقتصادي صعب، حيث كان يحصل على 200 كيلووات بمبلغ 30 جنيها -أقل من دولار- تكفيه شهرا كاملا لأنه لا يملك أجهزة تكييف ولا أي مستلزمات كهربائية، لكن بعد إلغاء الدعم فسيكون عليه توفير ما يزيد على 200 جنيه -وربما أكثر للحصول- على ما يكفيه من كهرباء.
ويعتمد السودان على التوليد الحراري في توفير الكهرباء بنسبة 50%، رغم أن سد مروي يوفر نحو 1.250 ميغاوات، إلى جانب 1800 ميغاوات من سد الرصيرص و150 ميغاوات من سد خزان ستيت على نهر عطبرة.
أزمة كهرباء
خلال السنوات الست الأخيرة تعمقت أزمة الكهرباء في السودان، حيث تعيش معظم مدن البلاد أزمات شبه مستمرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة، كما تتكرر حالات الإطفاء العام في كل أرجاء البلاد بسبب الأعطال المفاجئة.
ويعاني السودان من شح في توليد الكهرباء، خاصة إبان فصل الصيف، ولا يتجاوز حجم الكهرباء المنتجة فيه 3 آلاف ميغاوات، ويقدر العجز بنحو 40%.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن السودان سيواجه مشكلة في إنتاج الطاقة الكهربائية مستقبلا، إذا لم يتجه إلى إنشاء مشاريع بديلة لإنتاجها، في ظل تناقص معدلات الأمطار وتوسع الشبكة القومية للكهرباء.
واضطرت الحكومة السابقة في يناير/كانون الثاني 2018 لتطبيق زيادة في تعرفة الكهرباء لبعض القطاعات، تم تبريرها بارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية والتضخم والعوامل التشغيلية، حيث أدت زيادة التعرفة لانخفاض الدعم الذي تدفعه الدولة سنويا من 7.9 مليارات جنيه إلى 4.4 مليارات، كما أعلنت السلطات وقتها عن مساع لرفع الدعم التدريجي عن الكهرباء لإحداث إصلاحات جوهرية، وعمدت لإلغاء الدعم عن منظمات وسفارات واستثمارات أجنبية كانت الحكومة تدعمها بنسبة 900%، لكنها أبقت على دعم بمقدار 200 كيلووات شهريا.
ويقول مسؤول في وزارة الكهرباء تحدث للجزيرة نت إن الكهرباء كانت تباع بـ20% من تكلفتها، والناس فيها سواء، الغني والفقير، وهو ما يجعل الزيادات التي طرأت منطقية، ومع ذلك يقول إنها لا تكفي تكلفة التشغيل.
ووصف الخبير في مجال الكهرباء بشرى عبد الله -في حديثه للجزيرة نت- الزيادة الأخيرة للكهرباء بالصعبة على أوضاع المواطنين وعلى كافة مناحي الحياة، مشيرا إلى أنه بالرغم من أن التعرفة لم تعدل منذ سنوات لكن كان ينبغي زيادتها بنسبة أقل من الراهنة التي ترهق المواطنين.
وستمتد تأثيرات الزيادة الكبيرة على الأسعار لتتضاعف لأرقام فلكية، بعد أن تعمدَ المصانع المحلية لزيادة أسعار منتجاتها، لتتمكن من مواكبة تكلفة التشغيل العالية.
اعتراضات غير مسموعة
أظهرت اللجنة الاقتصادية لتحالف الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم- اعتراضها على الأرقام الخاصة بدعم الكهرباء التي وردت في موازنة 2021، والبالغة 115 مليار جنيه، وقالت إن الرقم يجافي الحقيقة وتكذّبه أرقام وزارة الطاقة التي لا تتعدى 58 مليار جنيه.
وقالت اللجنة -في بيان- إن الغرض الأساسي من هذا التضخيم هو رفع الدعم عن الكهرباء بزيادة كبيرة غير محتملة، تم تطبيقها قبل أن يفيق المواطن من صدمة الزيادة الكبيرة في أسعار المحروقات، والتي بلغت 4 أضعاف وأدت إلى ارتفاع تكلفة النقل وأسعار كافة السلع.
وتؤكد اللجنة أن الزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء لم تطرح في الموازنة، بل استبقتها، حيث تمت إجازتها وصدرت دون تشريع، وستلقي بأعباء جديدة على كاهل الأسر الفقيرة وتؤدي لزيادة في أسعار الكثير من السلع والخدمات، وتؤثر سلبا على الإنتاج الزراعي والصناعي والصادرات، وتقلل من الإيرادات، وتعتبر مخالفة لمقررات المؤتمر الاقتصادي القومي التي دعت إلى عدم رفع الدعم إلا بعد إجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة.
ويرى عضو اللجنة الاقتصادية بالتحالف التجاني حسين أن تطبيق هذه الزيادة يؤكد أن المجموعة المسيطرة على الملف الاقتصادي وصلت إلى قمة الاستهتار بالشعب وتجاهل احتجاجاته، حيث فوجئت الجماهير -في غمرة توقعاتها لأن تستجيب الحكومة لمطالبها في اتباع منهج جديد يؤدي إلى تخفيف المعاناة- بالإعلان عن "طعنة جديدة" في الظهر يوجهها من أسماهم حسين بـ"وكلاء صندوق النقد الدولي"، عبر زيادة الكهرباء إلى 5 أضعاف؛ دون أي مبرر.
ويقول حسين للجزيرة نت إن السياسات التي يصرّ "وكلاء صندوق النقد الدولي" على تطبيقها وصلت بالشعب إلى حافة التجويع، وباتت واضحة للعيان بوادر الانفجار الشعبي في مواجهة هذا الطوفان العارم من هذه السياسات، بما يستلزم اتخاذ موقف رافض لزيادات أسعار الكهرباء غير القانونية عبر كل أشكال الاحتجاج السلمي القانوني، والدعوة لإسقاطها وانتزاع الملف الاقتصادي من "وكلاء صندوق النقد الدولي" وإدارته عبر وزراء منتمين للثورة.
مرافعة حكومة الظل
لكنّ وزير الطاقة في حكومة الظل التي كونها حزب بناء السودان سعد الدين عبد الرحمن، يرى -في حديث للجزيرة نت- أن الزيادات التي طبقت هي خطوة ضرورية ومهمة لإصلاح تعرفة الكهرباء، في ظل ارتفاع تكاليف التوليد والنقل والتوزيع التي كان من الاستحالة بمكان أن تغطيها التعرفة القديمة، والتي تعتبر الأرخص على الإطلاق في العالم.
ويتابع أن تدني أسعار الكهرباء في السودان نتج عنه واقع بعيد جدا عن العدالة الاجتماعية المنشودة، حيث يستأثر 1% فقط من مستخدمي الكهرباء بما يعادل ربع استهلاك كل سكان السودان من الكهرباء، مع العلم أن 35% فقط من سكان السودان يصلهم تيار كهربائي، على علاته، كما يلفت إلى أن الأسعار المعلنة من حكومة الفترة الانتقالية تعتبر بعيدة جدا عن التكلفة الحقيقية.
وينبّه إلى أن موازنة حكومة الظل لسنة 2021 أقرت أسعارا للكهرباء مختلفة، نتيجة لتحليل علمي لاستهلاك الكهرباء في السودان، وتم الإبقاء فيها على دعم مقدر جدا ومتدرج لفئات المواطنين التي تستهلك حتى 600 كيلووات/ساعة شهريا.
ويطالب وزير الظل أن تتزامن هذه الخطوة مع مراجعة وتحسين الهيكل الإداري والتشريعي والرقابي للقطاع، حتى يكون مشجعا ومحفزا للقطاع الخاص المحلي والعالمي للاستثمار في مجالات التوليد الكهربائي بأنواعه، والنقل والتوزيع الذي يعتبر هدفا إستراتيجيا، في ظل عجز الاقتصاد السوداني الحالي.