الطوفان والجدار: لماذا يختلق الغرب أزمة مع المهاجرين؟

مناشدات على مستوى عالمي لحل أزمة المهاجرين السريين
الكاتب: أزمة الهجرة هي "طوفان ثقافي" داخلي ناجم عن "فشل استراتيجي" ومحاولة من نظام يحتضر لإخفاء أخطائه عبر الاصطدام المباشر بالنواميس الكونية (الجزيرة)
  • الطوفان والجدار: أزمة الغرب ليست في المهاجرين.. بل في إنكار الحقيقة

"ما زالت تواجهنا مشكلة بخصوص مظهر المدن". بهذه العبارة البسيطة والمشحونة، لم يكن المستشار الألماني فريدريش ميرتس يصف مشكلة بلدية، بل كان يطلق صافرة الإنذار الأيديولوجية لحرب ثقافية. وعندما أضاف رئيس كتلته النيابية، ينس شبان، أن المشكلة تكمن في "الشباب المهاجرين، في الغالب من بلدان عربية ومسلمة"، اكتملت الصورة.

نحن هنا لا نقف أمام زلات لسان، بل أمام استراتيجية متعمّدة أصبحت العقيدة الجديدة لليمين الغربي: اتهام "الوقود" لإخفاء "عطل المحرك".

إن ما يُسمّى بـ"أزمة الهجرة"، التي تهز أركان "حصن النظام" الغربي من واشنطن إلى برلين، ليست أزمة سبّبتها الهجرة. إنها، في جوهرها، "طوفان ثقافي" داخلي ناجم عن "فشل استراتيجي" عميق، ومحاولة يائسة من نظام يحتضر لإخفاء أخطائه عبر الاصطدام المباشر بالنواميس الكونية.

الهجرة ليست مشكلة، بل "ناموس كوني" ثابت. إنها "وقود الحياة" على هذا الكوكب. فلولا الهجرات، لما انتشرت الأديان، ولما اكتُشفت القارة الأميركية، ولما أصبحت الدول الغنية غنية في المقام الأول

تسمية الأشياء بحقيقتها: "شيخوخة" النظام

قبل أن نهاجم العرض، يجب أن نشخّص المرض. إن "الخطأ" الحقيقي الذي يحاول قادة مثل ميرتس إخفاءه هو أن نموذج الدولة القومية الغربية، في شكله الحالي، يعاني "شيخوخة" قاتلة.

وهذه الشيخوخة ليست مجرد مجاز، بل حقيقة ديموغرافية واقتصادية باردة: معدلات المواليد تنهار، والمجتمعات تشيخ بوتيرة غير مسبوقة، وأنظمة الرعاية الاجتماعية والتقاعد تتحول إلى "مخطط بونزي" عملاق على وشك الانهيار لعدم وجود شباب كافٍ لتمويله. لقد فشل النظام في توفير أهم مورد على الإطلاق: الاستمرارية البشرية.

هذا هو "العطل الفادح في المحرك": دولة صُمّمت كـ"حاوية" مغلقة، تكتشف أنها تموت اختناقًا لأنها تفتقر إلى "الوقود" اللازم لتشغيلها.

وهنا نصل إلى الحقيقة التي يصرّ النظام على إنكارها. لقد نسي هذا النظام أنه، ككل شيء على هذا الكوكب، لم يُبنَ إلا بقوة "الهجرة".

إعلان

الهجرة ليست مشكلة، بل "ناموس كوني" ثابت. إنها "وقود الحياة" على هذا الكوكب. فلولا الهجرات، لما انتشرت الأديان، ولما اكتُشفت القارة الأميركية، ولما أصبحت الدول الغنية غنية في المقام الأول. الحركة قانون الحياة، والسكون هو الموت.

المشكلة الحقيقية أننا، على مدى القرنين الماضيين، بنينا نظامًا مصطنعًا (الدولة القومية بحدودها الصارمة) يحاول الوقوف في وجه هذا القانون الكوني.

إن اتهام المهاجرين بـ"تشويه مظهر المدن" محاولة يائسة لإخفاء حقيقة أن هذه المدن كانت ستصبح "مدن أشباح" من دونهم. وليست هذه مجرد عنصرية، بل سياسة انتحارية ترفض الدواء لأنها لا تحب طعمه

"الطوفان الثقافي" الحقيقي

الطوفان الحقيقي ليس تدفّق البشر عبر الحدود، بل هو الاصطدام الحتمي بين "الواقع" و"الوهم":

  1. الواقع: أن هذه الدول "الشيخة" تحتاج بشكل ماسّ إلى هذا "الوقود" البشري للاستمرار. فهي بحاجة إلى المهاجرين لملء وظائفها، ودفع ضرائبها، ورعاية كبار السن فيها.
  2. الوهم: وهم "النقاء القومي" و"الدولة المغلقة" الذي يبيعه الشعبويون لقاعدة انتخابية خائفة.

ما يفعله ميرتس، وما يفعله ترامب، وما يفعله كل قادة اليمين الشعبوي، هو الاختيار الواعي للوهم على حساب الواقع.

لماذا؟ لأن الاعتراف بالواقع اعتراف بفشلهم. الاعتراف بأن "محركهم" تعطل وأنهم بحاجة إلى "وقود" من الخارج، هو انتحار سياسي. أما الأسهل استراتيجيًا، فهو شيطنة "الوقود". إنهم يصرخون في وجه رجال الإطفاء (المهاجرين) الذين يحملون دلاء المياه، ويتهمونهم بأنهم سبب الحريق الذي أشعلوه هم أنفسهم.

وهنا يكمن "الفشل الاستراتيجي" الذي لا يمكن ترقيعه. عندما يبدأ نظام ما في مهاجمة الموارد التي يحتاجها بشدة للبقاء، فإنه يدخل مرحلة "المناعة الذاتية" المميتة.

حين تصطدم السياسة بالواقع، فإن الواقع ينتصر دائمًا. الأرقام الديموغرافية لن تكذب، والاحتياجات الاقتصادية لن تختفي. وكلما زادوا في إغماض أعينهم عن الحقائق، كان السقوط حتميًا ومدمرًا

إن اتهام المهاجرين بـ"تشويه مظهر المدن" محاولة يائسة لإخفاء حقيقة أن هذه المدن كانت ستصبح "مدن أشباح" من دونهم. وليست هذه مجرد عنصرية، بل سياسة انتحارية ترفض الدواء لأنها لا تحب طعمه.

إن "الطوفان الثقافي" الداخلي، هذا الصراع الأهلي حول الهوية، أصبح مكلفًا إلى درجة أن "حصن النظام" يفضّل أن ينهار من الداخل، وأن يأكل نفسه، على أن يعترف بالحقيقة البسيطة: إنه لا يستطيع العيش من دون العالم الذي يزعم أنه يريد الانغلاق عليه.

لقد اختاروا الاصطدام بالنواميس الكونية. وحين تصطدم السياسة بالواقع، فإن الواقع ينتصر دائمًا. الأرقام الديموغرافية لن تكذب، والاحتياجات الاقتصادية لن تختفي. وكلما زادوا في إغماض أعينهم عن الحقائق، كان السقوط حتميًا ومدمرًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان