خجل النساء من سن اليأس.. معاناة لا يشعر بها المحيطون

مشكلة المرأة الذكية، بحسب أخصائي نفسي
دراسات أشارت إلى أن بعض مواقف وبيئات العمل تزيد من شدة أعراض سن اليأس (شترستوك)

لا يزال هناك وعي ضئيل بالتأثير الذي يضفيه انقطاع الطمث على حياة النساء بين سن 45 و55، رغم حقيقة أن ما يقرب من نصف سكان العالم مررن -أو ما زلن- بهذا التحول البيولوجي، ليضرب الفئة العمرية التي من المرجح أن تنتقل خلالها النساء إلى مناصب قيادية عليا ضربة قاتلة في صمت منهن، خشية الوصم والسخرية في بيئة العمل.

كيف الحال مع انقطاع الطمث؟

يشير انقطاع الطمث عمليا إلى مرور 12 شهرا من دون دورة شهرية، لكنه في الحقيقة عملية تدريجية تتطور على مدى أشهر أو حتى سنوات، تقل خلالها خصوبة المرأة، ويبدأ الأمر بتراجع عدد البويضات في المبايض؛ فبعدما كان هناك حوالي 200 ألف بويضة متنافسة يقل العدد، وتخمل البويضات، ويتراجع مستوى هرمون الإستروجين بحدة، مسببا أعراض انقطاع الطمث.

ويبلغ متوسط ​​عمر المرأة عند حدوث ذلك 52 عاما، ولكن حوالي امرأة واحدة من كل 100 تعاني من انقطاع الطمث قبل سن الأربعين. وتبدأ الأعراض عادة قبل بضعة أشهر أو سنوات من توقف الدورة الشهرية؛ المرحلة التي تعرف باسم "سن اليأس"، وتستمر في المتوسط ​​4 سنوات تقريبا. ومع ذلك، تعاني واحدة من كل 10 نساء من الأعراض لمدة تصل إلى 12 عاما.

وتعد الهبات الساخنة أكثر الأعراض لفتا للانتباه، حيث تنطوي عادة على ارتفاع حرارة الجزء العلوي من الجسم والوجه، والتعرق، وربما ظهور بقع حمراء، والتعرق الليلي بغزارة. وتشعر بالهبات الساخنة حوالي 80% من النساء، وتعيق 25% منهن عن العمل.

وتعد السن التي تختبر فيها المرأة أعراض "سن اليأس" موروثا جزئيا من الأم والجدة، وتقدم بعض العيادات اختبارات الموجات فوق الصوتية التي تهدف إلى تقييم احتياطي المبيض، فترى الفحوص خلايا البويضات الأكثر نضجا، لكنها لا ترى الجريبات الدقيقة المنتجة للبويضات؛ لذا فالاختبارات ليست دقيقة في التنبؤ بموعد انقطاع الطمث، ولم تنجح الاختبارات الجينية بعد في تحديد سن انقطاع الطمث لدى المرأة حتى الآن.

العلاج الهرموني يخفف معاناة المرأة في مرحلة سن اليأس لكنه يعرضها لفرص الإصابة بسرطان الثدي (بيكسلز)

الاستقالة خشية الوصم والسخرية

تسبب بعض أعراض انقطاع الطمث صعوبات للنساء في العمل، فأكثر الأعراض إشكالية هي: ضعف التركيز، والتعب، وضعف الذاكرة، وتهيج المثانة، واضطرابات النوم، والاكتئاب، وانخفاض الثقة، وزيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام، والألزهايمر. لكن النساء لا يرغبن في الكشف عن المشاكل الصحية المتعلقة بانقطاع الطمث للمسؤولين في أعمالهن، خاصة إذا كانوا ذكورا، أو أصغر منهن سنا، مما يرمي بآثاره السلبية على العمل.

وأشارت دراسات إلى أن بعض مواقف وبيئات العمل تزيد من شدة أعراض سن اليأس، وتفاقم أزمة الهبات الساخنة، وتؤثر على تصورات النساء لشدة الأعراض؛ فتصير مرهِقة أكثر للائي يعانين من الإحراج الشديد ويحاولن إخفائها خشية الوصم والسخرية.

وكشف مسح للبيانات مع أكثر من 5 آلاف امرأة عاملة في بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وجنوب أفريقيا عن أن النساء ما زلن يعانين من وصمة العار المرتبطة بسن اليأس في أماكن العمل. وفي جميع البلدان -عدا إيطاليا- أفادت ثلث النساء اللائي عانين من أعراض انقطاع الطمث بأنهن خبأنها في مكان العمل، ولم يتحدثن عما يشعرن به لأحد، في حين شعر ما يزيد على نصف النساء الإسبانيات بالعار لمجرد مرورهن بتلك الفترة في مكان العمل.

وبدت النساء في جنوب أفريقيا أكثر ارتياحا عند التعبير عن أعراض انقطاع الطمث في أماكن العمل، فلم تشعر بالعار من تلك الحالة سوى 37% فقط من النساء، أما في إيطاليا فقد كانت نسبة النساء اللائي يخفين الأعراض أقل من 28%.

إن محاولة التنكر أو صرف الانتباه عن الأعراض المستمرة لانقطاع الطمث في بيئة العمل قد تكون مرهقة وتؤثر بالسلب على الثقة بالنفس؛ لذا تزداد حدة الخجل من طلب الدعم في أماكن العمل عند اللائي يعانين من أعراض انقطاع الطمث قبل سن 45 عاما، وتصل النسبة حتى 63% من النساء اللائي يتجنبن طلب المساعدة، مقابل 43% فقط ممن مررن بأعراض سن اليأس بعد سن الخمسين؛ مما يثير بعض المخاوف من أن العديد من النساء ما زلن يغادرن سوق العمل لأنهن يكافحن مع أعراض قوية كالهبات الساخنة والقلق والتعب، فينسحبن لشعورهن بأنهن غير مدعومات في مكان العمل.

من بين هؤلاء كانت "نجاة"، التي استشعرت بعض الغرابة عند تخيلها بيئة عمل تدعم النساء خلال تلك الفترة، رغم إيمانها بضرورة ذلك. واسترجعت "نجاة" في حديثها للجزيرة نت مشاعر "المظلومية" التي حملتها للقدر، بعدما بدأت أعراض انقطاع الطمث لديها في سن الأربعين، ودخولها في دوامة الحقن المستمر لتهدئة آلام ظهرها القاتلة، ولا زالت مستمرة حتى بعد مرور 10 أعوام من بداية الأعراض.

لم تجرؤ "نجاة" على تبرير استقالتها من عملها (أستاذة أولى للغة عربية)، ومرشحة بقوة لإدارة مدرسة ثانوية، فانسحبت في صمت مرير، وهي تتذكر والدتها التي انقطع طمثها في سن الستين، ولم تكتشف ذلك إلا مع عجزها عن الحمل والإنجاب، العملية التي استمرت لنحو 30 عاما، وأنجبت خلالها 14 مرة؛ خصوبة ظنت "نجاة" أنها سترث بعضها.

مسح للبيانات كشف عن أن أكثر من 5 آلاف امرأة عاملة ما زلن يعانين من وصمة العار المرتبطة بسن اليأس (بيكسلز)

البحث عن الدعم والتضامن

ووفقا لدراسة من جمعية الغدد الصماء، فإن واحدة من كل 4 نساء ستعاني من أعراض خطيرة لانقطاع الطمث، وتستمر بين 7 و14 عاما، ويلجأ معها بعضهن إلى العلاج التعويضي بالهرمونات، والذي يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، أو استبداله بعلاجات بديلة مثل الوخز بالإبر أو الإستروجين النباتي، وكافة العلاجات التي لم تثبت فعاليتها، وعند إيقافها ستعاد معاناة المرأة مع أعراض "سن اليأس".

المثير للدهشة هو ظهور بعض الأدلة على الأثر الإيجابي لبعض الأساليب النفسية؛ فنشر فريق من الباحثين دراسة أظهرت أنه عندما ساعدوا النساء بالعلاج السلوكي المعرفي، وقدموا لهن الدعم حول كيفية مناقشة انقطاع الطمث في العمل، أكدت 82% تراجع حدة أعراضهن، وعند متابعة ما توصلن له بعد مرور 5 أشهر، أبلغت النساء عن تراجع عدد مرات الهبات الساخنة التي تعرضن لها بمقدار الثلث، وتحسن نومهن بدرجة ملحوظة، وقللن من المبالغة في رؤيتهن شدة الأعراض، وتحدثت 37% منهن عن انقطاع الطمث لديهن للمدير المباشر.

وكان لذلك أثره الجيد على "محاسن"، ففي حديثها للجزيرة نت أكدت أنها شاركت يومياتها مع زميلاتها في بيئة العمل، فكانت الموظفات في العقد الخامس من أعمارهن يتجمعن في غرفة واسعة لتناول الإفطار والاطمئنان على صحة بعضهن البعض، ومشاركة مشاعر الاكتئاب وتقلبات المزاج، مما دعم شعور "محاسن" بالتضامن. ومرت "محاسن" بأعراض انقطاع الطمث في 55 من عمرها، وتمتن حتى اليوم لتلك الجلسات، التي خططت فيها مع زميلاتها لاتباع نظام غذائي صحي، والتقليل من تناول السعرات الحرارية اليومية، وزيادة نشاطهن اليومي، وارتداء الملابس القطنية الواسعة لتخفيف أثر الهبات الساخنة، مما أثر على صحتهن جميعا بالإيجاب.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية