تجار ومُدمنو شبكات التواصل الاجتماعي

A smartphone user shows the Facebook application on his phone in the central Bosnian town of Zenica, in this photo illustration, May 2, 2013. Facebook Inc's mobile advertising revenue growth gained momentum in the first three months of the year as the social network sold more ads to users on smartphones and tablets, partially offsetting higher spending which weighed on profits. REUTERS/Dado Ruvic (BOSNIA AND HERZEGOVINA - Tags: SOCIETY SCIENCE TECHNOLOGY BUSINESS)
الهاتف الذكي غيّر وسائل الإعلام وجعل مواقع التواصل تتحكم في المعلومات التي تصل المستخدمين (رويترز)

روجر ماكنامي*

كتب مارك أندريسن الرأسمالي الجريء ومؤسس شركة "نيتسكيب" عام 2011 مقالا مقروءا على نطاق واسع بعنوان "لماذا تتحكم البرمجيات في العالم؟". لكننا لم نأخذ مقاله على محمل الجد، معتبرين إياه مجرد استعارة. وها نحن اليوم نواجه تحدي إخراج العالم من فكي احتكار منصات الإنترنت.

لقد كنتُ متفائلا بشأن التكنولوجيا، فخلال 35 سنة من الاستثمار في أهم وألمع الشركات الإلكترونية في منطقة وادي السيليكون، كنت محظوظا بما فيه الكفاية لكوني جزءا من الحاسوب الشخصي، والاتصالات المتنقلة، والإنترنت، وصناعات الشبكات الاجتماعية. لقد كنت من أوائل المستثمرين في غوغل وأمازون، وكنت أستاذ مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ بين عامي 2006 و2010.

وزادت كل موجة جديدة من التكنولوجيا في رفع الإنتاجية والوصول إلى المعرفة، وكان كل برنامج جديد أسهل للاستخدام وأكثر ملاءمة. وقامت التكنولوجيا بتعزيز العولمة والنمو الاقتصادي، وعلى مدى عقودٍ جعلت العالم مكانا أفضل. وكنا نأمل أن يستمر ذلك.

بعد عام 2016، تم الكشف عن جانبين مظلمين للإنترنت، أحدهما مرتبط بالمستخدمين الفرديين والآخر له طابع جيوسياسي

الجانب المظلم
وبعد عام 2016، تم الكشف عن جانبين مظلمين للإنترنت، أحدهما مرتبط بالمستخدمين الفرديين. وأنشأت الهواتف الذكية مع البنية التحتية المتنقلة الطويلة الأمد؛ أول منصة لتسليم المحتوى الذي كان متاحا في كل لحظة استيقاظ. كما عملت على تغيير صناعة التكنولوجيا وحياة ملياري مستخدم. ومع غياب الرقابة التنظيمية في معظم أنحاء العالم، استخدمت شركات مثل فيسبوك وغوغل وأمازون وعلي بابا وتينسنت التقنيات المشتركة في الدعاية ونوادي القمار -مثل الإشعارات المستمرة والمكافآت المتغيرة- لتعزيز الإدمان النفسي.

الجانب المظلم الآخر له طابع جيوسياسي، ففي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وآسيا تُمكّن منصات الإنترنت -وخاصة موقع فيسبوك- الأقوياء من إلحاق الأذى بالضعفاء في مجال السياسة والسياسة الخارجية والتجارة. وقد أظهرت الانتخابات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة مرارا وتكرارا أن الشبكات الاجتماعية الآلية يمكن استغلالها لتقويض الديمقراطية.

وكشف الاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 أيضا أن فيسبوك يوفر مزايا نسبية كبيرة للرسائل السلبية أكثر من الرسائل الإيجابية. ويُمكن للحكومات الاستبدادية استخدام فيسبوك لتعزيز الدعم الشعبي للسياسات القمعية، كما يحدث الآن في ميانمار وكمبوديا والفلبين وأماكن أخرى. وفي بعض الحالات، يوفر فيسبوك فعليا الدعم لهذه الحكومات، وكذلك بالنسبة لجميع العملاء المهمين.

أنا واثق بأن مؤسسي فيسبوك وغوغل وغيرهما من مواقع الإنترنت الرئيسية لم يرغبوا في إلحاق أي ضرر حين اعتمدوا نماذج أعمالهم.. كانوا رجال أعمال شبابا يسعون لتحقيق النجاح.. لقد أمضوا سنوات في جمع جماهير ضخمة بإعادة تنظيم العالم عبر الإنترنت من خلال مجموعة من التطبيقات التي كانت أكثر شخصية وملاءمة وأسهل استخداما من سابقاتها، ولم يبذلوا أي محاولة لتحقيق الدخل مقابل جهودهم حتى بعد مرور فترة طويلة على استعمال المستخدمين لهذه المواقع. وقد تم تعزيز نماذج الأعمال الإعلانية التي اختاروها من خلال التخصيص، مما مكن المعلنين من استهداف رسائلهم بدقة غير مسبوقة.

هناك أقلية كبيرة من المواطنين في العالم المتقدم تسكن في الفقاعات التي أنشأتها هذه المنصات، وهي حقائق رقمية كاذبة تجعل المعتقدات القائمة أكثر جمودا وتطرفا.

فقاعات وهمية
وبعد ذلك جاء الهاتف الذكي الذي غيّر جميع وسائل الإعلام وجعل فيسبوك وغوغل والمواقع الأخرى تتحكم في المعلومات التي تصل إلى المستخدمين. ومن شأن المصافي (الفلترات) التي "تمنح الناس ما يطلبونه" استقطاب السكان والقضاء على شرعية المؤسسات الديمقراطية الأساسية (أبرزها الصحافة الحرة). لكن الأتمتة التي جعلت منصات الإنترنت مربحة جدا، تركتها عرضة للتلاعب من قبل الجهات الفاعلة المؤذية في كل مكان، وليس فقط من قبل الحكومات الاستبدادية المعادية للديمقراطية.

وكما حذرنا أندريسن، فإن هذه الشركات -مع طموحها العالمي- صارت تحكم الاقتصاد العالمي. وفي هذه الأثناء، تتبنى إصدارات من فلسفة شركة فيسبوك "تحرّكْ سريعا وحطّم الأشياء"، دون النظر إلى مدى تأثير ذلك على الناس والمؤسسات والديمقراطية. وهناك أقلية كبيرة من المواطنين في العالم المتقدم تسكن في الفقاعات التي أنشأتها هذه المنصات، وهي حقائق رقمية كاذبة تجعل المعتقدات القائمة أكثر جمودا وتطرفا.

وفي الولايات المتحدة، لم يعد قرابة ثلث السكان البالغين يتأثر بالأفكار الجديدة، بما في ذلك الحقائق التي يمكن إثباتها. ومثل هؤلاء الناس يسهل التلاعب بهم، وهو مفهوم يسميه عالِم الأخلاق ومصمم غوغل السابق تريستان هاريس "قرصنة الدماغ".

لقد زاد الوعي بالمخاطر التي تشكلها منصات الإنترنت، لكن المنتجات المناسبة والإدمان النفسي عليها قد يستغرقان جيلا من أجل إحداث تغيير من جانب المستخدمين

إن الديمقراطيات الغربية غير مستعدة للتعامل مع هذا التهديد، وليس لدى الولايات المتحدة إطار تنظيمي فعال لمنصات الإنترنت، كما تفتقر إلى الإرادة السياسية لإنشاء برنامج مماثل. ولدى الاتحاد الأوروبي إطار تنظيمي وإرادة سياسية ضرورية، لكن ذلك لا يكفي لمواجهة هذا التحدي. وكان القرار الذي أصدره الاتحاد مؤخرا ضد غوغل -وهو تغريمها مبلغا قياسيا بلغ 2.7 مليار دولار للسلوك المناهض للمنافسة- قرارا صائبا، لكنه غير كاف. واعترضت غوغل على هذا القرار، لكن مستثمريها تجاهلوه. قد تكون بداية جيدة، لكن من الواضح أنها غير كافية.

نحن نمر بمرحلة حاسمة.. لقد زاد الوعي بالمخاطر التي تشكلها منصات الإنترنت، لكن المنتجات المناسبة والإدمان النفسي عليها قد يستغرقان جيلا من أجل إحداث تغيير من جانب المستخدمين، تماما مثل حملات مكافحة التدخين. إن الاٍعتراف بالأثر المدمر لاحتكارات المنصات على المنافسة والابتكار أكبر في أوروبا مما هو عليه في الولايات المتحدة، لكن لم يستطع أحد إيجاد إستراتيجية تنظيمية فعالة. كما أن الوعي بأنه يسهل التلاعب بهذه المنصات من أجل تقويض الديمقراطية آخذ في الازدياد، لكن الحكومات الغربية لم تجد بعد حلا لهذا المشكل.

وتتطلب التحديات التي يفرضها احتكار منصات الإنترنت نهجا جديدا يتجاوز إنفاذ مكافحة الاحتكار. يجب مواجهة هذه التحديات باعتبارها تهديدا للصحة العامة، وذلك من خلال التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي تماما كما نتعامل مع الإدمان على التبغ والكحول، اعتمادا على التعليم والقانون.
في إطار اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، يجب أن يشكل تهديد احتكار منصات الإنترنت مصدر قلق كبير للحاضرين. ومن أجل استعادة التوازن في حياتنا والأمل في سياستنا، حان الوقت لتعطيل هذه المنصات المزعجة.
______________
* أحد مؤسسي شركة أليفيشن بارتنرز والمستثمر السابق في شركات فيسبوك وغوغل وأمازون.

المصدر : بروجيكت سينديكيت