تحت المجهر

الدرج المفتوح.. الرشوة

بحثت حلقة (23/9/2015) من برنامج “تحت المجهر” ظاهرة الرشوة التي انتشرت في البلدان العربية، وركزت على المجتمع المصري كمثال لكثير من الدول العربية والنامية.

لا يوجد مصري أو عربي أو من عاش في أي من الدول النامية لم يتعرض، بشكل أو بآخر، إلى ما يعرف بالـ "الرشوة".. فهو إما "راشٍ" أو "مرتشٍ" أو "رائش".. ربما يكون هناك خطأ في التعميم، لكن الظاهرة تغوَّلت، وأصبح تعايش الناس معها أمرا طبيعيا ،  ورفضها شذوذا.

لسنوات ظل موضوع الرشوة يؤرقني، إلى أن قابلت فريق عمل يشاركني السؤال ذاته، وقرر برنامج "تحت الجهر" في شبكة الجزيرة إنتاج حلقة عن هذا الأمر، وقررنا سويا صناعة عمل يجيب على أسئلة لعل أهمها: لماذا انتشرت الرشوة في حياتنا؟ وكيف تم ذلك؟ هل نحن وحدنا مَن نعاني؟ وهل من سبيل إلى تغيير الواقع؟

من واقع هذه الأسئلة انطلق بحثنا في خصوصيات ظاهرة الرشوة في مصر. قلَّبنا سجلات الماضي فاكتشفنا أن الأمر ليس جديدا.  لقد  كانت هناك رشوة  في الماضي كما في الحاضر، لكن الفارق كان في النظرة التي كانت ترى في الرشوة عملًا استثنائيًّا يتم في الخفاء، بينما أصبح اليوم منهجَ حياةٍ. فكان أن تعقبنا الزمن لرصد مظاهر هذا التحوُّل، وكيف الدولة بأنظمتها المتعاقبة لعبت دورًا محفزا عليه.

بعد تفكير، اخترت مع فريق العمل الطريق الأصعب، فقررنا تفادي الحديث عن الرشوة من مقعد الراوي المـُنظِّر، بل حددنا أضلاع الظاهرة، وانطلقنا نحاور ونعايش كل طرف من أطرافها. بدأنا من حيث نقطة النهاية: مع المواطن بكافة فئاته، السائق والتاجر و(النوباتشي) ورب الأسرة والفلاح، وكلها نماذج تعايش الرشوة يوميًّا.

جالت بنا الكاميرا داخل محيط هؤلاء الناس ورصدت تفاصيل حياتهم اليومية بشكل  يسمح ببيان حجم الظاهرة على أرض الواقع. ومن ثم انتقلنا إلى مستوى الضلع الثاني في الظاهرة ممثلا في الموظف الذي يجسد في أغلب الأحوال الطرف المرتشي. استغرق بحثنا وقتا طويلا قبل الوصول إلى نموذجين: أحدهما رافض للرشوة، والآخر مُتقبِّل لها باعتبارها نشاطًا اقتصاديًّا مطلوبًا ومشروعًا. بعدها بلغنا قمة الهرم في الدولة بقوانينها العتيقة التي تسببت في نشأة الظاهرة وتعميقها، وحاورنا بعض مسئوليها لاستطلاع وجهة نظرهم حيال الموضوع.

 حرصنا منذ البدء أن يبتعد العمل عن التعقيدات الاقتصادية والقانونية، وعملنا على خلق حالة من المجابهة بين كافة الأطراف حيث واجهنا كل طرف بآراء الأطراف الأخرى. والهدف تكوين إجابات واضحة على أسئلة من قبيل:  كيف ينظر المواطن إلى الموظف؟ وكيف ينظر كلاهما إلى الدولة؟ وكيف تتعامل الدولة من خلال تشريعاتها قوانينها مع الاثنين؟.

 ان التحدي الحقيقي هو إقناع كل طرف بالحديث دون حرج أو خوف خاصة شخصية (الموظف المرتشي)،  وكان فريق العمل يتبنى دومًا وجهة النظر المضادَّة للضيف لدفعه إلى البحث عن محاولة الإقناع والدفاع عن النفس. واجهتنا أيضا صعوبات تنفيذية على أرض الواقع هددت سلامة طاقم العمل أحيانًا، فأثناء تصويرنا مقابلة مع أحد الضيوف بإحدى المناطق الشعبية، انتابت حالة من الغضب والخوف السكان عندما سمعوا كلمة "رشوة" خلال التسجيل  وكادوا أن يفتكوا بفريق العمل.

بعد حوار مطوَّل اعترفوا بوجود المشكلة لكنهم يرفضون مناقشتها، كما يرفضون استخدام مصطلح "الرشوة" مفضلين استخدام ألفاظ أخرى بديلة مثل: "الشاي" أو "الإكرامية" أو "الدرج المفتوح".