بعد تصعيد الاحتلال في الضفة الغربية.. محللون يؤكدون: الفلسطينيون يعيشون حالة انتفاضة والوضع يتجه للانفجار

قبل أن يجف الحبر الذي كتب به اتفاق العقبة الذي سعى للتهدئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تفجرت الأوضاع على الأرض في الضفة الغربية بشكل ينسجم مع إعلان قادة إسرائيل تمسكهم بخططهم الاستيطانية والتصعيدية بعيدا عن هذا الاتفاق، وبما يتفق مع تحذيرات أطلقتها الكثير من الفصائل والقوى الفلسطينية بشأن عدم صدق الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الحالية، خاصة في ظل تخاذل المجتمع الدولي وتقاعسه المتواصل عن نصرة الشعب الفلسطيني.

فلم تكد تمر بضع ساعات على توقيع اتفاق العقبة الذي جمع قادة أمنيين وسياسيين إسرائيليين وفلسطينيين بحضور نظرائهم الأردنيين والمصريين ومسؤولين أميركيين حتى كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تجتاح مدنا في الضفة الغربية وتسقط الشهداء من أبنائها.

وكذلك لم تحرك قوات الاحتلال ساكنا تجاه مهاجمة مستوطنين قرى في مدينة نابلس وإحراق بيوت الفلسطينيين ومزارعهم وممتلكاتهم ردا على قتل أحد المستوطنين، وفي سياق رد الفعل قام الفلسطينيون بقتل إسرائيلي آخر في مدينة أريحا مساء الاثنين.

وفي ظل حالة الاستنفار الإسرائيلية القصوى وتوعد المسؤولين الإسرائيليين بمزيد من التصعيد ضد الفلسطينيين ثارت تساؤلات حول السيناريوهات التي يتجه لها المشهد السياسي في المنطقة، وهل ستشهد الأيام المقبلة مزيدا من التفجر في الأوضاع أم أن هناك قوى إقليمية ودولية باستطاعتها فرض الهدوء ولو بشكل مؤقت؟

بحسب وجهة نظر أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، فإن تفاهمات العقبة ولدت ميتة، مبررا ذلك بأن الجانب الإسرائيلي لم يكن يرغب في التهدئة ويكذب باستمرار "فبعد اجتماع العقبة قام بمجزرة وحشية وصفها بأنها هجوم استيطاني فاشي عنصري ومتطرف".

ولام البرغوثي -في تصريحات لبرنامج "ما وراء الخبر" بتاريخ 2023/2/27 السلطة الفلسطينية، لأنها رضخت للضغوط وقبلت سحب مشروع رفض الاستيطان من مجلس الأمن قبل أيام، ثم عادت وقبلت المشاركة في اجتماع العقبة رغم أنها تدرك على مدى سنوات طويلة أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الوقوف إلى جانب الصف الإسرائيلي ولن تنصف الفلسطينيين، لذلك دعا السلطة للتخلي عن كل الاتفاقيات والتفاهمات التي أبرمتها مع إسرائيل وأن تضع العالم أمام مسؤولياته.

وأكد البرغوثي على أن الشعب الفلسطيني يعيش حالة انتفاضة على شكل موجات متتالية منذ عام 2015 "عندما أدرك فشل المشاريع السياسية، وأن الحركة الصهيونية لا تريد حلا وسطا مع الفلسطينيين".

كما شدد على أن الفاشيين في الحكم الإسرائيلي يهدفون من خلال التصعيد إلى ضم الضفة الغربية وكذلك ترحيل الفلسطينيين. وأعرب عن قناعته بأن الوضع يتجه لمزيد من الانفجار في قادم الأيام.

واعتبر البرغوثي أن ما يمنع السلطة الفلسطينية عن التخلي المطلق عن التنسيق الأمني إسرائيل هو الضغوط التي تمارس عليها، مستدلا على ذلك بمخرجات اجتماع العقبة التي لم تنفذ، و"هذا نهج أثبت فشله على مدى 32 عاما وللأسف يعودون له مرة أخرى"، حسب تعبيره.

وإلى حد بعيد اتفق مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية عماد أبو عواد -في حديثه لـ"ما وراء الخبر" مع ما ذهب إليه البرغوثي، وقال إن التصعيد لإسرائيلي الحالي ما هو إلا محاولة لحسم الصراع ضد الفلسطينيين من خلال القضاء على الشعب والمقاومة معا.

أما على الصعيد الفلسطيني فرأى أبو عواد أن الواقع السياسي والاقتصادي الذي يشهده الشارع الفلسطيني وغياب قيادة فلسطينية تستطيع توحيده وتقديم رؤية للأطراف الإقليمية والدولية يزيدان الوضع تأزما، وهذا ما تسبب -من وجهة نظره- في تصادم بين الجانبين وتصعيد مستمر لا يمكن ضبطه.

ولم يبد الخبير في شؤون الأمم المتحدة عبد الحميد صيام تفاؤلا بشأن وضع الملف الفلسطيني في الأمم المتحدة، حيث وصفه بأنه مختل ولا يخدم مصالح الفلسطينيين بل يميل لصالح رواية "الكيان الصهيوني"، معتبرا أن الهروب إلى المجتمع الدولي "المنافق" لن يغير من واقع الأمر شيئا، داعيا الفلسطينيين إلى حماية أنفسهم بأنفسهم.

وأشار إلى أن الأمم المتحدة ومن يمثلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة سارعوا إلى إصدار بيان يدين العملية الإرهابية في حوارة، ولكنهم لا يجرؤون على إدانة ما يقوم به الكيان الصهيوني من خروقات، ولذلك شدد على ضرورة إعادة النظر في اتفاق أوسلو وجميع الاتفاقيات الأخرى التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي دون تطبيق بنودها.

وبشأن المنظومة الأمنية في إسرائيل، أوضح المستشار السابق في الأمن القومي الأميركي ديفيد بولجير أن سلوك المستوطنين المسلحين يؤدي إلى استفزاز الفلسطينيين وتنفيذ العديد من عمليات المقاومة، معتبرا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تشعر بالعجز، لأنها غير قادرة على ضبط تصرفات المستوطنين "المستفزة".

وفي ما يتعلق بالجانب الأميركي، أشار بولجير إلى وجود جهود منسقة من أجل زيادة التصعيد وزيادة التوتر بين الطرفين، ولكن الرئيس الأميركي جو بايدن بحاجة إلى بذل جهود حثيثة ووضع ضغوطات على السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو من أجل الامتناع عن استفزاز الطرف الآخر.

المصدر : الجزيرة