روسيا في 2023.. مثلث الحرب والعقوبات والانفتاح على الشرق

موسكو باتت تشعر بـ"ثقة قتالية" أكبر أمام فشل أوكرانيا في شن الهجوم المضاد الذي توعدت به (الأوروبية)

موسكو– شكل 2023 في روسيا عام مواجهة التحديات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا بامتياز، مع استمرارها واحتمال دخول العام الثالث على اندلاعها، وسط غياب أفق سياسي لإنهائها.

بالإضافة لذلك، شهدت روسيا خلال العام الحالي مجموعة من التطورات التي ترتبط بشكل أو بآخر بتداعيات الصراع مع كييف، حيث ترى موسكو أن الخلل في منظومة العلاقات الدولية وتجاهل الضمانات الأمنية التي سعت للحصول عليها كانت من أهم أسبابه.

التعاون بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي يتزايد ويقلق الغرب (رويترز)

طلاق نهائي

وصل منسوب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا إلى أعلى مستوى له في تاريخ العلاقات الدولية، وحطم رقما قياسيا من حيث الحجم والقطاعات وعدد الأفراد والمؤسسات المستهدفة.

كما تخلل عام 2023 أكبر تحرك سياسي لموسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، واتخاذها خطوات نحو التأسيس لمنظومة علاقات دولية بديلة عن أحادية القطب، التي تكرست لنحو 3 عقود.

وكانت المنطقة العربية أحد أهم الوجهات لكبار المسؤولين الروس، وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي زار مؤخرا كلا من السعودية والإمارات، خاتما بذلك عام جولاته الدولية المقيدة، بسبب مذكرة توقيف صادرة بحقه من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

تعزيز الجبهة الداخلية

شهد العام الحالي سن تشريعات وقوانين جديدة، ركزت على تعزيز الجبهة الداخلية من تأثير الدعاية الغربية، وتحجيم نشاط المنظمات غير الحكومية إلى أكبر قدر ممكن.

هذه التشريعات طالت كذلك منظومة "الأمن الاجتماعي"، حيث وجهت روسيا ضربات متتالية لما يسمى بـ"الحركة الدولية للمثليين"، توجت بحظر كامل لأنشطتها واعتبارها حركة متطرفة، وذلك بعد أشهر قليلة من حظر الدعاية للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية.

وأعلنت روسيا 2024 عام الأسرة، في توجه لتعميق المبادئ الروحية والقيم الروسية التقليدية، والتي صارعت لسنوات أمام موجة الليبرالية الغربية "المستوردة".

وتضمنت التشريعات الجديدة تحميل مسؤولية جنائية حيال "نشر الأخبار المزيفة" عن القوات المسلحة الروسية والعمليات العسكرية في أوكرانيا، وكذلك تشويه الحقائق حول الدعم الاجتماعي للمجندين وأسرهم.

وخلافا للتوقعات، لم يشهد العام الحالي تجديد التعبئة العسكرية في البلاد، والتي دارت حولها إشاعات تسببت في حالة من عدم اليقين لدى الشارع الروسي، حيث أُعلن عنها في أيلول/سبتمبر 2022 وشملت 300 ألف جندي احتياطي، وهو ما يزيد قليلا على 1% من إجمالي موارد التعبئة في روسيا.

الحرب في أوكرانيا

واصلت الحرب الأوكرانية عامها الثاني على التوالي مع اعتبارها أهم حدث داخل البلاد، وتميزت -وفقا للمصادر الرسمية الروسية- بتعزيز الحضور الميداني على كافة جبهات القتال، ورفع مستوى القدرات الدفاعية في المناطق الروسية المحاذية للحدود مع أوكرانيا، والتي تعرضت لهجمات متكررة من الجانب الأوكراني.

وطرأت تعديلات على منظومة الدفاع الجوي، لا سيما تلك المخصصة لمواجهة المسيرات، بعد تعرض موسكو ومدن روسية أخرى لعدة هجمات من هذا النوع من الأسلحة الذي عمد الطرفان إلى استخدامه منذ الأسابيع الأولى للحرب.

وتشير تصريحات المسؤولين الروس، فضلا عن المحللين السياسيين والعسكريين، إلى أن موسكو باتت تشعر بـ"ثقة قتالية" أكبر، على ضوء ما يعتبرونه فشل أوكرانيا في شن الهجوم المضاد الذي توعدت به على مدار عدة أشهر.

ويرى محلل الشؤون العسكرية فيكتور ليتوفكين أن المعلومات الواردة من الأقمار الصناعية باستخدام نظام مصمم للبحث عن حرائق الغابات كنموذج لاكتشاف الانفجارات الناجمة عن العمليات العسكرية، تقود إلى خلاصة مفادها أن كثافة العمليات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية انخفضت بشكل ملحوظ منذ سبتمبر/أيلول الماضي، مما يشير إلى تباطؤ تقدمها.

ويضيف الخبير العسكري في حديث للجزيرة نت، "ما تظهره بياناتنا تشير إلى أن الهجوم المضاد لأوكرانيا قد انتهى". وحسب رأيه فإن كييف ليس لديها احتياطيات كافية، وأن موقف قواتها على خطوط التماس القتالي "بدأ بالترهل".

وعلى خلفية ما وصفها بـ"إخفاقات" الجيش الأوكراني، قال الخبير إن خلافات بدأت تظهر بين المسؤولين في البلاد، "على سبيل المثال بين الرئيس فلاديمير زيلينسكي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني".

التغلب على العقوبات

واصلت المنظومة الغربية في عام 2023 فرض العقوبات على الأفراد والكيانات الروسية وحتى على دول أخرى، واتهمتها الإدارة الأميركية بمساعدة روسيا بالتحايل على القيود المفروضة على توريد السلع والمعدات ذات الاستخدام المزدوج.

وفي أحدث حزم العقوبات، كان التشديد يتعلق بشكل رئيسي بالأفراد والمؤسسات المرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري والقوات المسلحة الروسية.

ومع ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون، أن روسيا نجحت في التغلب على القيود الغربية، وانتقلت إلى مرحلة حفز اقتصاد البلاد، على الرغم من نقص العمالة والتضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

ويشير لاشون في حديث للجزيرة نت، إلى أن الاقتصاد الروسي الموجه نحو التصدير، والذي تبلغ قيمته 2.2 تريليون دولار، قد صمد أمام موجة العقوبات بشكل أفضل حتى مما توقعته موسكو، على الرغم من محاولات المنظومة الغربية عزل روسيا.

تمرد "فاغنر"

شكل التمرد العسكري الذي قامت به مجموعة "فاغنر" في حزيران/يونيو الماضي، والتي كانت تعتبر العمود الفقري للقوات الروسية في أوكرانيا حدثا غير متوقع، رغم التصريحات القاسية التي سبقت التمرد، وبرزت في توجيه قائد ومؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين انتقادات لاذعة، بدأت بوزير الدفاع سيرغي شويغو، ووصلت بعد ذلك إلى الرئيس فلاديمير بوتين نفسه.

ورغم أن التمرد انتهى بشكل سريع عبر تسوية أدارها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ولم يمر شهران على خروج الشارع من صدمة التمرد، حتى جاء خبر تحطم الطائرة التي كانت تقل بريغوجين من موسكو إلى سانت بطرسبورغ، وقتل الأخير مع 10 آخرين كانوا برفقته.

وحسب تقدير المحلل السياسي سيرغي بيرسانوف، فإن الكشف عن كافة ملابسات الحادث ستأخذ وقتا طويلا، نظرا لكون الرجل ارتبط بعلاقات عداوة مع كثير من أقطاب السلطة في المؤسستين السياسية والعسكرية، مما سيدخل التحقيقات في متاهات إضافية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن اهتمام الرأي العام بهذه القضية تراجع إلى حد كبير مؤخرا.

التوجه نحو "بريكس"

أبدت روسيا اهتماما بالغا خلال العام الحالي بتعزيز المشاركة بمنظمة "بريكس" وتوسيع إطارها عبر ضم بلدان جديدة إليها. وشكلت القمة التي عقدت في جوهانسبرغ حدثا طال انتظاره بالنسبة لموسكو حسب وصف مراقبين.

وفي الوقت الذي ركزت وسائل الإعلام الغربية في تقاريرها عن الحدث على التناقضات داخل الرابطة، التي -برأيها- لن تسمح للقادة بالاتفاق على أي شيء مهم، أعطت صحافة بلدان الشرق والجنوب العالمي للقمة طابعا استثنائيا، ورأت أنها قادرة على إحداث تغييرات في النظام العالمي الحالي.

وتعد منظمة "بريكس" بالنسبة لروسيا سوقا ضخما لبيع المعادن المستخرجة، وترى أن جميع البلدان فيها مفيدة في هذا الصدد، لأن الاقتصادات النامية تحتاج باستمرار إلى المعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى الألمنيوم الهيكلي وسبائك الفولاذ وغيرها.

لكن الخبير الروسي فلاديمير ياروسلافسكي، يعتبر أنه في المقابل هناك خيبة أمل بشأن مشروع إطلاق العملة الموحدة لدول المنظمة.

ويرى أنه لم يكن لدى كثير من الناس توقعات عالية فيما يتعلق بمدى التقدم الذي يمكن أن يحققه هذا المشروع بناء على نتائج قمة البريكس الأخيرة، إلا أن مجرد تفعيل المنظمة وتوسيع إطارها يلبي مصالح موسكو في التوجه نحو الشرق والجنوب العالمي.

المصدر : الجزيرة