صحف غربية: إليك سجل كيسنجر عراب الحروب والانقلابات
علقت وسائل إعلام أميركية وبريطانية على وفاة هنري كيسنجر أمس الثلاثاء في ولاية كونيتيكت عن عمر ناهز 100 عام، قضى منها جزءا كبيرا في العمل السياسي مستشارا للأمن القومي الأميركي ووزيرا للخارجية في عهد رئيسين سابقين، وكان شخصية بارزة منذ مدة طويلة في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية.
واستهل الكاتب نك تورس مقاله بموقع إنترسبت الأميركي بأن كيسنجر ساعد في إطالة أمد حرب فيتنام وتوسيع هذا الصراع ليشمل كمبوديا المحايدة، وسهل عمليات الإبادة الجماعية في كمبوديا وتيمور الشرقية وبنغلاديش. وسرع الحروب الأهلية في جنوب القارة الأفريقية، ودعم الانقلابات وفرق الموت في جميع أنحاء أميركا اللاتينية. وكانت يده ملطخة بدماء ما لا يقل عن 3 ملايين شخص، وفقا لكاتب سيرته الذاتية غريغ غراندين.
ونقل تورس عن المدعي العام المخضرم في جرائم الحرب ريد برودي قوله "هناك عدد قليل من الأشخاص الذين كان لهم يد في هذا القدر من الموت والدمار والمعاناة الإنسانية في العديد من الأماكن حول العالم مثل هنري كيسنجر".
ولفت الكاتب إلى تحقيق أجراه موقع إنترسبت عام 2023، خلص إلى أن كيسنجر -الذي ربما كان أقوى مستشار للأمن القومي في التاريخ الأميركي والمهندس الرئيسي لسياسة الحرب الأميركية في جنوبي شرقي آسيا من عام 1969 إلى 1975- كان مسؤولا عن مقتل عدد أكبر من المدنيين في كمبوديا مما كان معروفا سابقا، وفقا لأرشيف حصري للموقع من الوثائق العسكرية الأميركية والمقابلات مع الناجين الكمبوديين والشهود الأميركيين.
وبحسب الخبراء، تحمل كيسنجر مسؤولية كبيرة عن الهجمات في كمبوديا والتي أسفرت عن مقتل نحو 150 ألف مدني، أي نحو 6 أضعاف عدد المدنيين غير المقاتلين الذين قتلتهم الولايات المتحدة في الغارات الجوية منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وبصفته وزيرا للخارجية ومستشارا للأمن القومي، قاد كيسنجر جهود تحسين العلاقات مع الاتحاد السوفياتي السابق و"فتح" جمهورية الصين الشعبية على الغرب للمرة الأولى منذ وصول ماو تسي تونغ إلى السلطة في عام 1949.
كما دعم جيوش الإبادة الجماعية في باكستان وإندونيسيا.
وفي حالة باكستان، دعم الرئيس نيكسون ومستشاره للأمن القومي كيسنجر دكتاتورا قام -وفقا لتقديرات وكالة المخابرات المركزية- بذبح مئات الآلاف من المدنيين.
وفي حالة إندونيسيا، أعطى الرئيس جيرالد فورد وكيسجر الرئيس سوهارتو الضوء الأخضر لغزو تيمور الشرقية، الذي أسفر عن مقتل نحو 200 ألف شخص، أي حوالي ربع مجموع السكان.
وأفاض الكاتب في ذكر دور كيسنجر الانقلابي في العمليات السرية في أميركا اللاتينية مثل تشيلي، ودبلوماسيته التي أشعلت حربا في أنغولا وأطالت أمد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وخيانته للأكراد في العراق، كما كتب غراندين "لقد ترك تلك المنطقة في حالة من الفوضى، مما مهد الطريق لأزمات لا تزال تعاني منها البشرية".
وأشار الكاتب إلى أن إرث كيسنجر يمتد إلى ما هو أبعد من الجثث والصدمات ومعاناة الضحايا الذين خلفهم وراءه. فقد قال غراندين لموقع إنترسبت إن سياساته مهدت الطريق للمذبحة المدنية في الحرب الأميركية على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق، ومن سوريا إلى الصومال، وما بعدها.
جرائم الإبادة الجماعية
وفي السياق، كتب جوزيف مسعد -وهو أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري بجامعة كولومبيا- في مقاله بموقع ميدل إيست آي البريطاني، أن جرائم الإبادة الجماعية غير الأخلاقية التي ارتكبها كيسنجر كشفت أنه ممثل مخلص للنخب الأميركية التي خدمها طوال حياته.
ولفت الباحث إلى أن كيسنجر هو الذي دعا إلى تعزيز علاقات الولايات المتحدة مع المستعمرات الاستيطانية العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا وروديسيا، والمستعمرات البرتغالية في موزمبيق وأنغولا.
وبالنسبة للشرق الأوسط، فإلى جانب تعزيز العلاقات مع إسرائيل التي أصبحت حليفا رئيسيا للولايات المتحدة خلال سنوات نيكسون وفورد، جعل كيسنجر إسرائيل مدججة بالسلاح خلال حرب 1973 من أجل منع "النصر العربي".
وأدت مساعدته العسكرية الطارئة لإسرائيل خلال الحرب إلى عكس الانتصارات المبكرة للجيشين المصري والسوري، وضمنت فوز إسرائيل في الحرب. كما ضمن عدم إمكانية إقامة علاقات أميركية مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي سبتمبر/أيلول 1975 وقع كيسنجر "مذكرة تفاهم" مع الإسرائيليين تلزم الولايات المتحدة بعدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو التفاوض معها ما لم تعترف "بحق إسرائيل في الوجود" كدولة عنصرية تؤمن بالتفوق اليهودي. "وهو ما فعله رئيس المنظمة السابق ياسر عرفات في عام 1988 في جنيف، ومرة أخرى في عام 1993، مع التوقيع على اتفاق أوسلو".
وذكر الباحث أن سجل كيسنجر المروع جعله محبوبا لدى العديد من الساسة الليبراليين في الولايات المتحدة. فقد أحبه آل كلينتون، وحضروا حفلات أعياد ميلاده. ولم تستطع هيلاري كلينتون التوقف عن الثناء عليه على نصيحة قدمها لها عندما كانت وزيرة للخارجية، مؤكدة أن "كيسنجر صديق".
وفي عام 2010 استخدمت إدارة باراك أوباما سياسات كيسنجر القاتلة في كمبوديا لتبرير عمليات القتل الإجرامية التي ارتكبتها بالمسيرات ضد مواطنين أميركيين وغير أميركيين في مختلف أنحاء العالم.
وأضاف أن كل السياسات الإمبريالية القاتلة التي انتهجها كيسنجر لم تحد عن السياسة الخارجية الأميركية قبله أو بعده. وهذا هو السبب وراء شعبيته بين رجال الأعمال والنخبة الفكرية الأميركية، الليبراليين والمحافظين على حد سواء.
وقال الباحث إن جرائم الإبادة الجماعية غير الأخلاقية التي ارتكبها كيسنجر ليست أكثر وحشية من جرائم الولايات المتحدة منذ تأسيسها. وخلص إلى أن كيسنجر لم يكن سوى ممثل مخلص للنخب الأميركية المجرمة التي خدمها طوال حياته، والتي ضمنت له حياة طويلة من الشهرة والثروة والرفاهية.