منظمة التحرير الفلسطينية
منظمة فلسطينية، كانت النواة الأولى لحركات التحرير الفلسطيني، بدأت ثائرة متمردة وانتهت معتدلة وادعة، وبين البداية والنهاية مسيرة طويلة تخللتها نكبات وأوجاع، واهتزت فيها مبادئ وقناعات.
أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 عقب قرار صدر عن القمة العربية الأولى التي عقدت بالقاهرة. قبلها كانت فلسطين تمثل في الجامعة تمثيلا شكليا منذ تأسيسها عام 1945، وتزايد هذا التمثيل وعظم الاهتمام به بعد حرب 1948 وما تبعها من إقامة الدولة الإسرائيلية.
إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية
كلف مؤتمر القمة العربي الأول ممثل فلسطين أحمد الشقيري بتقديم تصور للقمة الثانية عن إنشاء كيان يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، ووضْع مشروع للميثاق والنظام الأساسي. وأسفرت جهود الشقيري من خلال زيارته للعديد من التجمعات الفلسطينية المنتشرة في الدول العربية عن انتخاب "المجلس الوطني الفلسطيني" الذي يعتبر بمثابة السلطة التشريعية للمنظمة.
وأعلن المؤتمر العربي الفلسطيني الأول الذي عقد لهذا الغرض في القدس في 28 أغسطس/آب 1964 قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وصادق على الميثاق القومي للمنظمة وعلى نظامها الأساسي، وانتخب الشقيري رئيسا للجنتها التنفيذية التي كلف باختيار أعضائها.
الدولة في فكر المنظمة
طرحت المنظمة مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة القائمة على أسس ديمقراطية علمانية، وعللت ذلك بأن كفاحها المسلح ليس كفاحا عرقيا أو مذهبيا ضد اليهود.
ورفضت المنظمة في عام 1972 مشروع المملكة العربية المتحدة الذي دعا إليه الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، والخاص بربط الضفة الغربية بالأردن في مملكة واحدة يمثل الضفة فيها مجلس نيابي، على أن يكون الإشراف على شؤون الدفاع والخارجية للأردن.
لجان المنظمة
اللجنة التنفيذية
تعتبر اللجنة التنفيذية بمثابة السلطة التنفيذية للمنظمة وقد تولى الشقيري وحمودة وعرفات رئاسة هذه اللجنة على التوالي، وتختص بالمهام التالية:
– تمثيل الشعب الفلسطيني.
– الإشراف على تشكيلات المنظمة.
– إصدار اللوائح والتعليمات واتخاذ القرارات الخاصة بتنظيم أعمال المنظمة على ألا تتعارض مع الميثاق أو النظام الأساسي.
– تنفيذ السياسية المالية للمنظمة وإعداد ميزانيتها.
دوائر المنظمة
أنشأت المنظمة عدة دوائر لتوزيع المسؤوليات والإشراف على تنفيذها، وقد تنوعت هذه الدوائر بحسب اختصاصاتها فمنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعضها لم يعد له وجود بتغير الظروف السياسية وبعضها الآخر لا يزال يعمل على الساحة الفلسطينية.
أمانة السر: تتولى تدبير العلاقة بين مختلف دوائر المنظمة وأجهزة الدولة العربية في البلد المضيف لمقر اللجنة التنفيذية.
الدائرة السياسية: وتكلف بإدارة الأنشطة السياسية التي تقوم بها المنظمة على مختلف الصعد سواء مع الدول أم الأحزاب أم المنظمات العربية والأجنبية.
الدائرة العسكرية: تناط بها مسؤولية إبداء الرأي والمشورة لرئيس اللجنة التنفيذية في الأمور العسكرية والتنظيمية المتعلقة بجيش التحرير وقوات الثورة الفلسطينية.
دائرة الصندوق القومي الفلسطيني: وهي الجهة المكلفة بتسلم الموارد المختلفة وتمويل منظمة التحرير الفلسطينية والأجهزة التي تنبثق عنها ومراقبة عملية الإنفاق.
دائرة شؤون الوطن المحتل: تعنى بقضايا الوطن المحتل ودراسة أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وإعداد الخطط الخاصة بصمود الشعب الفلسطيني داخل وطنه المحتل.
دائرة العلاقات القومية: تهتم بتدعيم العلاقات بين المنظمة والأحزاب العربية والعلاقات بالمنظمات العالمية غير الرسمية بالتشاور مع الدائرة السياسية.
دائرة الإعلام والثقافة: مكلفة بالإشراف على الأنشطة الإعلامية والثقافية التابعة للمنظمة والمشاركة في الأنشطة والمؤتمرات العربية والدولية.
دائرة التنظيم الشعبي: مكلفة بالإشراف على نشاط الانتخابات والاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية المشاركة في مؤتمراتها العامة.
دائرة الشؤون الاجتماعية: ترعى الخدمات الاجتماعية الواجب تقديمها لأسر الشهداء والجرحى ورفع مستوى الطبقات الفقيرة والاهتمام بالمرأة.
دائرة الشؤون الإدارية: وتختص بالشؤون الإدارية المتعلقة بالمنظمة والعاملين فيها.
المجلس الوطني
نص النظام الأساسي لمنظمة التحرير على تأسيس مجلس وطني ينتخب أعضاؤه عن طريق الاقتراع المباشر من طرف الشعب، وينظم آليات الانتخابات بحسب المستجدات على الأرض.
يؤكد النظام الأساسي أن المجلس الوطني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير وهو الذي يضع سياسة المنظمة وبرامجها، ومدته العادية ثلاث سنوات وينعقد دوريا مرة كل سنة، أو في دورات غير عادية بدعوة من رئيسه بناء على طلب من اللجنة التنفيذية أو من ربع عدد أعضاء المجلس.
قمة الرباط
تعتبر القمة العربية التي عقدت في الرباط عام 1974 منعطفا تاريخيا مهما لمنظمة التحرير وللقضية الفلسطينية عموما، فقد صدر قرار من القمة باعتبار "منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"، وهو ما أهلها لأخذ مقعد "مراقب" في الأمم المتحدة والتحدث باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.
العلاقة مع الأردن
تميزت العلاقة بين المنظمة والعديد من الدول العربية بفترات من الشد والجذب بحسب انسجام المواقف السياسية لهذه الدول أو اختلافها مع توجهات المنظمة، وكانت المملكة الأردنية الهاشمية مثالا بارزا على ذلك، فقد شهدت فترة الملك حسين تأزما وصل في بعض الفترات إلى حد الانفجار كما حدث في 1970-1971 وهي الأحداث التي اشتهرت باسم أيلول الأسود.
فالقوات التابعة للمنظمة كانت تعتبر السلطة الأردنية عائقا أمام مقاومتها للوجود الإسرائيلي، في حين كان الأردن يعتبر هذه القوات دولة داخل الدولة واتهمها بالسعي لقلب نظام الحكم. ووقعت اصطدامات عسكرية انتهت بعد توسط القادة العرب -في قمتهم التي عقدت لهذا الشأن في القاهرة عام 1970- إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تبعه خروج المقاومة الفلسطينية إلى لبنان.
في لبنان
وما إن استقرت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان حتى اشتعلت الحرب الأهلية عام 1975 وتورطت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية وبدلا من أن يتوجه رصاص المقاومة إلى إسرائيل توجه نتيجة لهذه الفتنة إلى صدور اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين أنفسهم.
واتخذت إسرائيل من وجود المقاومة الفلسطينية على الأرض اللبنانية ذريعة لاجتياح بيروت عام 1982 وتدمير البنية التحتية للمقاومة وفرض حصار شديد على أماكن تجمعها. وانتهت هذه الحرب بعد وساطات عربية ودولية بخروج 12 ألف مقاتل كانوا تابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى سوريا وبعض الدول العربية الأخرى، مقابل السماح لرئيس المنظمة ياسر عرفات ورفاقه بالخروج إلى تونس المقر الجديد للمنظمة.
في تونس
استقرت منظمة التحرير الفلسطينية في تونس بعد أن نقل إليها مقر الجامعة العربية في أعقاب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، ولم تسلم المنظمة من الاعتداءات الإسرائيلية فقصف الطيران الإسرائيلي مقرها عام 1985، واغتال كوماندوز إسرائيلي اثنين من أبرز زعمائها هما صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد).
انتفاضة 1987
ساهمت منظمة التحرير الفلسطينية مع غيرها من فصائل المقاومة الأخرى في انتفاضة 1987 التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية من جديد بعد سنوات من الإهمال السياسي. وكان من أهم نتائج هذه الانتفاضة -إضافة إلى الخسائر المادية التي ألحقتها بإسرائيل- أن أزالت الخوف من صدور الشباب الفلسطيني وأعادت خيار المقاومة المسلحة إلى صدارة الحلول المطروحة لحل المشكلة الفلسطينية.
حرب الخليج الثانية
تأثرت المنظمة سياسيا واقتصاديا بالموقف الذي اتخذه زعيمها ياسر عرفات والذي فسرته الكويت بأنه مؤيد للعراق في غزوه لها عام 1990، فمنعت الدعم المالي الذي كانت تمنحه للمنظمة، وطردت معظم العمال الفلسطينيين المقيمين فيها.
مؤتمر مدريد
اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن والذي يحمل في طياته اعترافا ضمنيا بدولة إسرائيل بعد أن ظلت لسنوات تعارضه وتعتبره تفريطا في الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
وفي أوائل التسعينيات عُقد مؤتمر دولي للسلام بين العرب وإسرائيل في مدريد حضرته منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
أوسلو
بوعد مؤتمر مدريد دخلت المنظمة في مفاوضات سرية مع إسرائيل استضافتها العاصمة النروجية أوسلوا وانتهت بإعلان اتفاقية أوسلوا عام 1993 التي غيرت من إستراتيجية المنظمة، فأصبحت تعتبر القضاء على دولة إسرائيل من مخلفات الماضي.
الحكم الذاتي
تبعا لاتفاقية أوسلو وبعد خطابات الاعتراف المتبادل بين المنظمة وإسرائيل تم الترتيب لحكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة مع تأجيل البت في القضايا المصيرية الحساسة مثل القدس واللاجئين والدولة والمياه والحدود.
وفي عام 1994 اختار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات 19 عضوا وشكل منهم المجلس الوطني الفلسطيني لترتيب الأمور الإدارية المتعلقة بالحكم الذاتي في الضفة والقطاع.
وطبقا لاتفاقيات 1995 بين المنظمة وإسرائيل اتفق على توسعة سلطات الحكم الذاتي في بعض المناطق المحتلة ما عدا القدس الشرقية.
تغيير الميثاق
في عام 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسا لمناطق الحكم الذاتي، وفي العام نفسه غيرت منظمة التحرير الفلسطينية بصورة رسمية الجمل والعبارات الموجودة في ميثاقها الداعية إلى القضاء على دولة إسرائيل وتعهد عرفات بمحاربة الإرهاب.
انتفاضة الأقصى
اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000 عقب الزيارة الاستفزازية التي قام بها أرييل شارون المتورط في مجازر عدة بحق الشعب الفلسطيني من أشهرها مجزرة صبرا وشاتيلا 1982. وشاركت مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية في هذه الانتفاضة وكبّدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية موجعة.
اتهمت الحكومة الإسرائيلية أحد فصائل المنظمة (حركة فتح) وكتائب شهداء الأقصى التابعة لها بـ"الإرهاب" كما وصفتها الإدارة الأميركية بالشيء نفسه ووضعتها على قائمة المنظمات الإرهابية المطلوب محاربتها وتفكيكها، الأمر الذي وضع المنظمة نفسها بين مطرقة الضربات الإسرائيلية وسندان الضغوط الأميركية.
دعوات للإصلاح
وقد تنامت الدعوات لإصلاح هياكل المنظمة وتمكين كل الفصائل من الانضمام إليها، وخاصة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والجهاد الإسلامي.
وعرفت الأحداث الفلسطينية تطورا ملحوظا بعد التوقيع على إعلان القاهرة في مارس/آذار 2005 الذي نص على إجراء انتخابات محلية وتشريعية واعتماد الحوار لحل الخلافات، حيث فازت حركة حماس بالأغلبية ـعلى عكس ما كان متوقعاـ وتوترت الأوضاع مع فرض الحصار على قطاع غزة واندلاع نزاع مسلح بين حماس وفتح أدى إلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.
ودخلت بذلك العلاقات البينية الفلسطينية نفقا مظلما لم تنجح معه مبادرة إنشاء حكومة وحدة وطنية برئاسة رامي الحمد الله عام 2013 في الدفع بإصلاح المنظمة وضم كل الفصائل لها، إلى الأمام.