الضمان الاجتماعي الفلسطيني.. الحكومة في واد والموظفون في آخر

ميرفت صادق - ميرفت صادق فلسطين رام الله 15 يناير 2019 الاحتجاجات ضد قانون الضمان الاجتماعي مستمرة منذ شهور وأدت إلى عرقلة تطبيقه - الضمان الاجتماعي الفلسطيني.. الحكومة في واد والموظفون في آخر!
الاحتجاجات ضد قانون الضمان الاجتماعي مستمرة منذ شهور وأدت إلى عرقلة تطبيقه (الجزيرة)

ميرفت صادق-رام الله

لم يكن آلاف الموظفين والعمال الفلسطينيين قد تحركوا بعد من مظاهرة حاشدة رفضا لقانون الضمان الاجتماعي ظهر الثلاثاء، ومجموعات أخرى تنضم إليهم من مدن جنوب الضفة الغربية وشمالها؛ حين أعلنت الحكومة الفلسطينية التزامها بتعديلات أجريت على القانون لتعزيز حماية مشتركيه، في تزامن أظهر الفجوة بينها وبين مطالب الشارع.

 وكان آلاف العاملين في مؤسسات القطاع الخاص أضربوا عن العمل الثلاثاء تحت عنوان "إضراب الكرامة"، للمطالبة مجددا بإسقاط قانون الضمان الاجتماعي الذي قررت السلطة إنفاذه على الشركات والمؤسسات الكبرى فالأصغر تدريجيا.

وصدر قانون الضمان بقرار عن الرئيس الفلسطيني، وأقرته الحكومة عام 2016، وكان من المفترض أن يفعّل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن احتجاجات العمال والموظفين الواسعة دفعت الحكومة للتراجع، وقررت عدم إلزامية تطبيقه حتى منتصف يناير/كانون الثاني الجاري.

ومنذ صباح الثلاثاء التزمت معظم المحال التجارية والمراكز الطبية والفروع الرئيسية للبنوك بالإضراب الشامل، إسنادا لمظاهرة دعا لها الحراك الرافض لقانون الضمان الاجتماعي، شارك فيها نحو ثلاثة آلاف من العمال والموظفين أمام مقر مؤسسة الضمان في مدينة البيرة قرب رام الله بالضفة الغربية.

وفرض الأمن الفلسطيني حصارا مشددا حول مقر المؤسسة والطرق المؤدية إليها، ونصب السواتر الحديدية لمنع المتظاهرين من الوصول إليها.

‪مطالبات بإسقاط قانون الضمان الاجتماعي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية‬ (الجزيرة)
‪مطالبات بإسقاط قانون الضمان الاجتماعي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية‬ (الجزيرة)

أزمة ثقة
وقال ضياء سويطي الذي يعمل مسؤول مبيعات في شركة خاصة، إن القانون سيخصم من راتبه نحو مئة دولار شهريا، وسيحتاج الوصول إلى عمر الستين كي يحصل على مخصص تقاعدي يقارب الحد الأدنى للأجور.

لكن المشكلة باعتقاده ليست في مقدار الخصم رغم الخلافات حوله فعلا، "ولكن في الثقة بمصير أموال الموظفين والعمال المقتطعة في بلد تحت الاحتلال"، كما يقول.

ويضيف متسائلا: "جيش الاحتلال متواجد في مناطق السلطة دائما، ما الضامن ألا يتعرض صندوق الضمان لهجمة إسرائيلية أو ألا يتعرض للفساد والسرقة، وخاصة بعد تجارب مشابهة في صناديق أخرى؟".

ويقول السويطي إنه في الوقت الذي تتحدث فيه السلطة عن استقلالية مؤسسة وصندوق الضمان، تتدخل الحكومة لتعيين مسؤولين للصندوق، دون وجود هيئة رقابة عليه.

وفي المظاهرة ذاتها، شارك إياد عاصي الموظف في أحد بنوك رام الله، وقال إن الوقت غير مناسب لقانون سيضيف أعباءً اقتصادية على الفلسطينيين الذين يعانون أوضاعا صعبة تحت الاحتلال.

ويعتقد عاصي أن الضمان ضرورة في المجتمعات ذات النظام السياسي المستقر، وهو أمر غير متوفر في الواقع الفلسطيني.

وتحدثت مؤسسة الضمان عن نحو مليون مشترك من العمال والموظفين في القطاع الخاص سيشملهم القانون، وسيفرض هذا اقتطاع 7% من رواتب العاملين و9% من المشغلين عن كل موظف لصالح صندوق الضمان شهريا.

وأعلنت المؤسسة مؤخرا التوصل إلى اتفاق مع النقابات المهنية على تعديلات في القانون لحماية حقوق العمال وأرباب العمل وضمان ديمومة عملها.

‪عامر حمدان: المشاركون لا يطالبون بتعديل القانون بل بإلغائه‬ (الجزيرة)
‪عامر حمدان: المشاركون لا يطالبون بتعديل القانون بل بإلغائه‬ (الجزيرة)

تعديلات
وتزامنا مع مظاهرة الثلاثاء، أعلنت الحكومة في رام الله التزامها بالتعديلات التي تم التوافق عليها، وتحدث بيان رسمي عن اتفاق شامل يحافظ على حقوق العمال وأرباب العمل ويضمن ديمومة مؤسسة الضمان.

وشددت الحكومة على "ضمان استقلالية المؤسسة" رغم الخلافات حول تدخلها في تعيينات المسؤولين وآليات عملها والتي أدت إلى استقالات من مجلس إدارتها، منها استقالة مديرها أسامة حرز الله قبل أسبوعين، بعد استقالة ممثلي النقابات العمالية احتجاجا على عدم جاهزية المؤسسة لضمان حقوق الموظفين والعمال.

وفي المقابل، قال المتحدث باسم "الحراك الموحد لإسقاط قانون الضمان الاجتماعي" عامر حمدان إن عشرات الآلاف الذين خرجوا في اعتصامات حاشدة سابقا وفي اعتصام الثلاثاء، ليسوا طرفا في أي حوار مع الحكومة ولا يطالبون بتعديل القانون بل بإلغائه.

وقال حمدان إن الإضراب الذي شاركت به معظم مؤسسات القطاع الخاص وشركاته سيتصاعد في حال قررت الحكومة تنفيذ القانون، وسيصل إلى مرحلة الإضراب المفتوح عن الطعام في الشركات والمؤسسات. وقال: "نحن الآن في مرحلة كسر الإرادات بيننا وبين الحكومة".

ويطعن حمدان -وغيره من العمال والموظفين- بدستورية قانون الضمان الذي صدر على هيئة "قرار بقانون" من الرئيس الفلسطيني، وهو إجراء يُلجأ إليه للضرورة القصوى فقط، كما يعزو رفضه إلى الوضع الاقتصادي والسياسي الذي يعيشه الفلسطينيون.

وقال إن دول العالم تستخدم الضمان الاجتماعي لتأمين الرفاهية في حالة الشيخوخة، لكن بالنسبة للفلسطينيين فلا ثقة فيه على المدى البعيد.

ودعا الحكومةَ إلى استبدال الضمان الاجتماعي بالعمل على تحسين قانون العمل وتنفيذه على القطاعات كافة، وقال إنه مناسب للعمال والموظفين ويحفظ حقوقهم وحقوق مشغليهم، ويشكل مخرجا من أزمة الضمان الاجتماعي.

وشكك حمدان في نوايا السلطة مما وصفه "باستجلاب أموال القطاع الخاص إلى صندوق الضمان"، وقال إن هذا الإجراء "عليه مئة علامة سؤال".

وهاجم عضو المكتب السياسي لحزب التحرير مصعب أبو عرقوب قانون الضمان، وقال إن إقراره سيؤدي إلى "تنصل السلطة من التزاماتها تجاه الفقراء والمحتاجين بذريعة وجود مؤسسة الضمان الاجتماعي، وستجمع الأموال الطائلة من الموظفين والعمال وأرباب العمل، وستكون بمثابة ثروة لا تنضب بيدها".

وكان الشعار الذي ردده المتظاهرون الثلاثاء "الضمان ليش ليش وللمنارة وصلوا الجيش"، في إشارة إلى جيش الاحتلال، وتعبيرا عن عدم الثقة بصندوق ضمان يحفظ أموالهم في ظل اقتحامات إسرائيلية دائمة للمؤسسات الفلسطينية.

وذهب المتظاهرون إلى المطالبة بإسقاط الحكومة ورحيل رئيسها ورئيس مؤسسة الضمان على خلفية أزمة تطبيقه.

المصدر : الجزيرة