كيف تدافع مراكز أبحاث أميركية عن محمد بن سلمان؟

ARLINGTON, VA - MARCH 22: U.S. Secretary of Defense Jim Mattis (L) welcomes Crown Prince Of Saudi Arabia Mohammad Bin Salman (R) during an enhanced honor cordon March 22, 2018 at the Pentagon in Arlington, Virginia. Crown Prince Mohammad Bin Salman is on a visit in Washington. Alex Wong/Getty Images/AFP== FOR NEWSPAPERS, INTERNET, TELCOS & TELEVISION USE ONLY ==
محمد بن سلمان تعرض لانتقادات كثيرة وضغوط بعد مقتل جمال خاشقجي (الفرنسية)

محمد المنشاوي-واشنطن

قبل أكثر من أسبوع أجمع مجلس الشيوخ الأميركي على تحميل ولي العهد السعودي مسؤولية مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتعهد بعض الأعضاء ومنهم السيناتور ليندسي غراهام بعدم العمل مع السعوديةإلا إذا تم استبدال بن سلمان بشخص آخر.

وعلى الرغم من هذا الموقف الحازم من مجلس الشيوخ بأعضائه الجمهوريين والديمقراطيين، تخرج تحليلات ودراسات لمراكز أميركية حول مستقبل العلاقات بين الرياض وواشنطن في مرحلة ما بعد خاشقجي لتشتت الانتباه عن جريمة القتل والمسؤولية عنها.

هذه الدراسات تصف جريمة قتل خاشقجي بأنها عمل شنيع وغير مقبول، إلا أن ما تخلص إليه في النهاية هو الحرص على ألا تقوم السعودية بتكرار هذه الجريمة أو ما يشابهها في المستقبل.

مركز الدراسات والسياسات الإستراتيجية (CSIS)   
أصدر المركز دراسة بتاريخ 12 ديسمبر حول مستقبل علاقات الولايات المتحدة بالمملكة السعودية في ضوء أزمة خاشقجي، ومما خلصت إليه:

ـ أن لدى ولي العهد السعودي طموحات واسعة تتعلق بالإصلاح الاقتصادي، لكن يعيقها قرارات سيئة اتخذها في قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية.

ـ على الرغم من قرارات بن سلمان غير المدروسة، إلا أنه استطاع تجميع كل مراكز ومصادر القوة في يده بصورة لم تتكرر في التاريخ السعودي الحديث.

ـ على الولايات المتحدة الحذر من المطالبة بتغيير بن سلمان لأن من شأن ذلك أن يؤدي لصراع داخل العائلة الحاكمة. وعوضا عن ذلك على واشنطن أن تشجع ولي العهد على تغيير سلوكه.

ـ على الملك سلمان بن عبد العزيز أن يحدد فاعلين آخرين يتولون مهمة إدارة العلاقة المستقبلية مع الولايات المتحدة.

وانتقدت الدراسة ما اعتبرته علاقة خاصة جمعت بن سلمان وجاريد كوشنر والرئيس ترامب، وهو ما دفع بترامب لدعم حظوظ بن سلمان في الوصول لولاية العهد.

وترى الدراسة أن واشنطن وخلال علاقتها الطويلة مع السعودية لم تكترث بهوية من يشغل المناصب العليا في الرياض، واستطاعت الحفاظ على علاقات جيدة مع كل الملوك حتى الملك عبد الله الذي تبنى "موقفا عدائيا" من بعض سياسات واشنطن.

وترى الدراسة أن مطالب بعض السياسيين مثل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أو مستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس، والتي يطالبون من خلالها بضرورة تغيير ولي العهد هي خطأ كبير، ويعتبر "تدخلا في الشؤون الداخلية، وستكون له نتائج عكسية".

وتركز الدراسة على أن ما تريده واشنطن من الرياض هو "تغيير السلوك"، وليس تغيير الأشخاص. وتمتدح الدراسة "إدراك الرئيس ترامب لهذه الحقيقية"، والتي دفعته للمطالبة بإنهاء الحرب في اليمن ومطالبتها بإنهاء النزاع مع قطر.

وتطالب الدراسة الرياض بإدراك عداء نخبة واشنطن السياسية والإعلامية والأكاديمية المبرر لها ولسياساتها، وعلى الرياض أن تساعد إدارة ترامب في مواجهة الضغوط عليه بسبب تمسكه بالعلاقة مع الرياض ومع محمد بن سلمان.

جدير بالذكر أن دولة الإمارات قد دعمت بناء المبنى الجديد للمركز بعدة ملايين من الدولارات، كما عقد المركز اتفاقا يدرب من خلاله موظفي السفارة السعودية بواشنطن بقيمه 900 ألف دولار سنويا.

مؤسسة دعم الديمقراطيات (FDD)
كتب كبير الباحثين بالمؤسسة جون حنا منتقدا طرفي الجدال الرئيسيين داخل واشنطن حول طريقة التعامل مع تبعات مقتل جمال خاشقجي. ويرى حنا أن موقف إدارة ترامب وموقف المعارضين لها سواء في الكونغرس أو الاعلام كلاهما على خطأ.

ويمتدح حنا رؤية الرئيس ترامب التي تؤمن بأهمية العلاقات الأميركية مع السعودية، والتي يراها متسقة بصورة كبيرة جدا مع رؤية من سبقه من الرؤساء الأميركيين الديمقراطيين منهم والجمهوريين.

ويعتقد حنا أن موقف ترامب "يعتمد على عدم حدوث شرخ في علاقة واشنطن بالرياض أو بقدرة واشنطن على الاستمرار في الحفاظ على علاقة عمل مع محمد بن سلمان الذي من المرجح أن يصبح ملكا لعقود قادمة. وموقف ترامب هذا لا يجب أن يصدم أي أحد".

ويعترض حنا على ما يراها ادعاءات المعارضين لترامب من أن الإدارة الأميركية الحالية أعطت بن سلمان شيكا على بياض. ويرى أن واشنطن قد فرضت بالفعل عقوبات قاسية بحق 17 سعوديا من المقربين من بن سلمان.

ويضيف أن إدارة ترامب فعلت أيضا قانون ماغنيتسكي، والذي قد تفرض بمقتضاه عقوبات مستقبلا. واستشهدت دراسة حنا بفرض عقوبات على أحد أهم وأقرب مستشاري بن سلمان في إشارة إلى سعود القحطاني.

واستعرض حنا ما فرضته واشنطن حتى الآن من عقوبات على شخصيات سعودية مرموقة مقارنة مع عدم فرض أي عقوبات على الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين على الرغم من محاولة تسميم الجاسوس السابق سيرجي سكريبال خارج لندن، وعلى الرغم من دعمه الرئيس السوري الذي يقتل الآلاف من أبناء شعبه، فضلا عن التدخل الروسي المؤكد في الانتخابات الأميركية.

ويذكر أن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قد عقدت المؤتمر التمهيدي داخل واشنطن، والذي مهد لفرض الحصار على قطر يوم 23 مايو 2017. وحضر السفير الإماراتي يوسف العتيبة فعاليات المؤتمر الذي أشرف هو شخصيا على تنظيمه، وتجمعه علاقات ممتازة بباحثي المؤسسة القريبة بشدة من اللوبي الإسرائيلي داخل واشنطن وخارجها.

مركز هادسون (Hudson Institute)
أما مايكل دوران الباحث بمعهد هادسون، والذي عمل في السابق في مجلس الأمن القومي خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن، فقد كتب أيضا مدافعا عن موقف ترامب من أزمة خاشقجي.

وبدأ دوران بالقول إن تهميش وتشكيك ترامب في تقييم وكالة الاستخبارات المركزية سي آي آيه الذي يؤكد مسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل خاشقجي يعد شيئا قاسيا.

ويعتقد دوران أن ترامب مثله مثل بقية الرؤساء الأميركيين الذين وقفوا بجوار حكام مستبدين في الشرق الأوسط. إلا أن الفارق في نظره هو أن ترامب لم يتحدث عن القيم والمثل الأميركية والتي تتناقض مع ما تمثله عملية مقتل صحفي.

وعندما يتم تقييم موقف البيت الأبيض ردا على قتل خاشقجي، ومع تضمين حسابات العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين، فسنجد أن ترامب يدير الأزمة بـ"مهارة كبيرة".

ويقول دوران إنه وعلى الرغم من ضخامة جرم محمد بن سلمان، إلا أنه يدعم المصالح الأميركية في المنطقة، والتي يحاول الإيرانيون الإضرار بها. ويؤكد دوران على "حمق" الدعوات التي تخرج من واشنطن مطالبة الملك سلمان باستبدال ولي عهده، والتي تتجاهل حقيقة أن محمد بن سلمان هو الحاكم الفعلى في الرياض وليس والده.

ويرى أن من يعتقد أن الملك سلمان سيغير رأيه في ابنه المفضل، فهو يجري وراء أوهام أكثر خطورة من تبعات مواقف ترامب. ويتخيل دوران أن دعوات استبدال بن سلمان إن تمت تحت ضغط أميركي فهي تهدد شرعية الملك القادم وهو ما سيسمح لتنظيم القاعدة بالتأكيد على أن السعودية هي دمية في يد واشنطن، ولن يكون أفضل حالا من ولي عهد تم الضغط عليه ليصبح شريكا أفضل للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط.

ويحذر دوران من أن فرض عقوبات على بن سلمان ستدفعه للجوء لروسيا والصين، وهذا من شأنه أن يضر كذلك بمصالح واشنطن ونفوذها في كل الشرق الأوسط.

أما ما يتعلق بالضغوط على السعودية لإنهاء حربها في اليمن، فيؤكد دوران أن هذه الدعوات ستدفع اليمن ليكون مثل لبنان، أي قاعدة نفوذ جديدة لإيران في العالم العربي.

وفي النهاية يقول دوران إن فرض عقوبات على محمد بن سلمان لن يحقق العدالة لجمال خاشقجي ولن يجعل السعودية حليفا موثوقا به، بل سيؤدي عقاب محمد بن سلمان إلى تقليص النفوذ الأميركي وتقوية أعداء واشنطن في الشرق الأوسط.

جدير بالذكر أن معهد هادسون قد نظم المؤتمر الثاني المعادي لقطر بواشنطن يوم 23 أكتوبر 2017، والذي حضره السفير الإماراتي بواشنطن.

وهكذا تؤثر علاقات السعودية والإمارات بهذه المراكز في تحديد موقفها بناء على عوامل مختلفة منها ما يتعلق بتمويل سعودي أو إماراتي بصور مباشرة أو غير مباشرة تتمثل في تمويل عمليات بناء أو توسعات جديدة أو عن طريق تمويل برامج بحثية معينة والسماح لهذه المراكز بتدريب مسؤولين سعوديين وإماراتيين بعقود شديدة الإغراء.

وتتحدث هذه المراكز وغيرها عن ضرورة مراجعة علاقات واشنطن والرياض وضرورة وضع أسس جديدة لها، إلا أنه وفي النهاية لا يتحدث أحد عن محاسبة المسؤول عن قتل صحفي داخل بعثة دبلوماسية لبلاده في دولة أخرى.

المصدر : الجزيرة