جوهرة الهند في التاج

The 1109 carat "Lesedi La Rona" diamond is displayed in a case at Sotheby's in the Manhattan borough of New York, U.S., May 4, 2016. REUTERS/Lucas Jackson

لقد أعلن النائب العام الهندي رانجيت كومار مؤخرا بأن الهند لن تسعى لاستعادة ماسة كوهينور (واحدة من أقدم الماسات في العالم وأكثرها قيمة) من البريطانيين والتي قامت الهند بـ"إهدائها" لهم.

وقد صدم هذا التصريح الهند وأطلق نقاشات حماسية لدرجة أن الحكومة سارعت إلى الإعلان بأنها ما زالت تريد استعادة الجوهرة ولكن التزام الحكومة بذلك ما زال غير مقنع في أحسن الأحوال.

لقد كان كومار يرد أمام المحكمة العليا على دعوى رفعتها جبهة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية لعموم الهند، وهي منظمة غير حكومية تطالب بأن تسعى الحكومة لاستعادة الماسة المشهورة، والموجودة ضمن مجوهرات التاج البريطاني.

إعلان النائب العام الهندي أن بلاده لن تسعى لاستعادة ماسة كوهينور من ابريطانيا خلف صدمة في الهند وأطلق نقاشات حماسية لدرجة أن الحكومة سارعت إلى الإعلان بأنها ما زالت تريد استعادة الجوهرة، ولكن التزامها بذلك ما زال غير مقنع في أحسن الأحوال

ادعى رانجيت بأن مملكة السيخ السابقة قدمت الجوهرة لشركة الهند الشرقية البريطانية سنة 1849 "كتعويض طوعي" عن نفقات الحروب الإنجليزية السيخية، وبالإضافة إلى ذلك فإن قانون الآثار والكنوز لسنة 1972 لا يسمح للحكومة بالسعي لاستعادة الآثار التي تم تصديرها قبل أن تنال الهند استقلالها سنة 1947، وطبقا لكومار فإن الحكومة الهندية ليست لديها وسيلة لتأمين استعادة الماسة.

إن الضجة التي أثارها بيان كومار أجبرت الناطق الرسمي للحكومة على التراجع بسرعة حيث أكد بأن بيان كومار لم يكن الرأي النهائي الأخير. لقد أعلنت وزارة الثقافة بأن المطالبة سوف تستمر، ولكن ما لم يتم توجيه تعليمات لكومار بتقديم إقرار جديد أمام المحكمة العليا فيبدو أن تصريحاته قد أنهت مطالبة الهند بالماسة الأكثر شهرة في العالم، والسؤال الآن هل ينبغي أن يكون ذلك هو النتيجة النهائية؟

لقد تم استخراج ماسة كوهينور لأول مرة من قبل سلالة كاكاتيا قرب غونتور في ما يعرف الآن بولاية آندرا براديش، وقد قام ملوك كاكاتيا بوضعها في معبد تمت مهاجمته من قبل سلطان دلهي علاء الدين كهيلجي الذي جلبها لعاصمته مع الكنوز المنهوبة الأخرى، ومن ثم انتقلت الماسة إلى ملكية إمبراطورية المغول التي قامت في دلهي في القرن السادس عشر.

وقد وقعت كوهينور سنة 1739 في أيدي الغازي الفارسي نادر شاه والتي شملت غنائمه أيضا من احتلاله لدلهي -وإهلاك سكانها- تاج الطاووس الذي لا يقدر بثمن. لقد كان نادر شاه -أو على الأقل كما تدعي الخرافات- هو الذي سمى الماسة كوهينور أو "جبل الضوء". لقد ذكرت إحدى خليلاته كلاما لا ينسى عن تلك الماسة حيث قالت "لو قام رجل قوي بإلقاء أربعة أحجار -واحدة بالشمال وثانية بالجنوب وثالثة بالشرق ورابعة بالغرب- وخامسة لأعلى، وامتلأت المساحة الفاصلة بينها بالذهب، لما ساوى هذا الذهب قيمة كوهينور ".

عند وفاة نادر شاه سنة 1747 وقعت الماسة في أيدي أحد جنرالاته أحمد شاه دوراني الذي أصبح أميرا لأفغانستان، وفي سنة 1809 أجبر أحد ذريته على التخلي عن كوهينور كتحية لمهراجا (الملك) السيخ القوي في البنجاب رانجيت سينغ ولكن لم يتمكن خلفاء سينغ من المحافظة على مملكته وتمت هزيمة السيخ من قبل البريطانيين في حربين بلغت ذروتهما عندما ضمت الإمبراطورية البريطانية مناطق السيخ سنة 1849 وهو التاريخ المفترض لـ"إهداء" كوهينور للبريطانيين.

إن الطرح بأنه تم تقديم الجوهرة "كتعويض طوعي" عن التكاليف التي تكبدها البريطانيون في هزيمة السيخ هو طرح سخيف، فبادئ ذي بدء تم عمل التسليم الرسمي من قبل آخر مهراجا لإمبراطورية السيخ داليب سينج الذي كان يبلغ من العمر 10 أعوام فقط، ومن شبه المؤكد أنه لم يكن لديه خيار، وكما أشرت للسياسيين الهنود الآخرين فإنك لو وضعت مسدسا على رأسي فربما أعطيك محفظتي ولكن هذا لا يعني أنها هدية وهذا لا يعني أنه لا يجب أن أستعيدها.

إن بريطانيا مدينة لنا، ولكن بدلا من إعادة الدليل على جشعهم لإصحابه الشرعيين؛ يقوم البريطانيون بالتباهي بماسة كوهينور كجزء من تاج الملكة الأم في برج لندن، وهو ما يعد تذكيرا صارخا بحقيقة الاستعمار: القهر بدون خجل، والإكراه والاختلاس

إن التعويض الذي يعطى للمنتصرين في الحرب من قبل المهزومين عادة ما يسمى جزية وليس طوعيا بأي حال من الأحوال، وفي واقع الأمر فإن العديد من المستعمرات السابقة محقة في قولها بأن بريطانيا هي التي يجب أن تدفع لهم تعويضات عن قرون من الاضطهاد والنهب. إن إعادة قطع أثرية لا تقدر بثمن وذات أهمية ثقافية تمت سرقتها في ذروة الحكم الإمبراطوري ستشكل بداية جيدة.

للحقيقة فإن كوهينور تشكل تحديا خاصا بسبب المطالبات المتنافسة، فالإيرانيون يقولون بأن نادر سرقها بشكل عادل، بينما يؤكد الأفغان بأن السيخ أجبروهم على تسليمها، والآن دخلت الباكستان للحلبة بحجة واهية إلى حد ما، وهي أن عاصمة إمبراطورية السيخ آخر مالك بلا منازع للماسة قبل البريطانيين كانت لاهور (يبدو إنهم يحاولون التستر على حقيقة أنه بعد عقود من التطهير العرقي في باكستان لم يبق إلا عدد قليل جدا من السيخ هناك) لكن نظرا لأن الماسة أمضت معظم فترة وجودها إما فوق أو تحت الأرض في الهند؛ فالهنود يعتبرون أن مطالبتهم واضحة وبديهية.

بالنسبة للبريطانيين فإن وجود مطالبات متنافسة يبعث على الارتياح؛ فهذا يساعدهم على مقاومة مجموعة كبيرة من المطالبات والتي تهدف لرفع المظالم الكثيرة لقرنين أو أكثر من الاستغلال الاستعماري لأراض واسعة. إن المصادرة البريطانية لتراث الشعوب الأخرى من تماثيل بارثينون الرخامية إلى ماسة كوهينور هي نقطة خلاف جوهرية، فالتنازل عن أية قطعة قد يفتح الباب لمشاكل كثيرة كما يخشى البريطانيون.

لقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بصراحة خلال زيارة له للهند سنة 2010 بأن ماسة كاهينور ستبقى في بريطانيا لأنه "لو قلت نعم لواحد، فإنك ستجد فجأة بأن المتحف البريطاني قد أصبح خاليا"، ونظرا لأن كومار قد أيد بشكل أساسي الموقف البريطاني بالنسبة لقضية كوهينور -وإن كان ذلك لأسباب مختلفة- فإن الوطنيين من أمثالي يفقدون الأمل باستعادة هذا الجزء من تراثنا الذي لا يقدر بثمن في أي وقت قريب.

إن بريطانيا مدينة لنا، ولكن بدلا من إعادة الدليل على جشعهم لإصحابه الشرعيين، يقوم البريطانيون بالتباهي بماسة كوهينور كجزء من تاج الملكة الأم في برج لندن، وهو ما يعد تذكيرا صارخا بحقيقة الاستعمار: القهر بدون خجل، والإكراه والاختلاس، وربما هذه هي أفضل حجة لترك كوهينور في بريطانيا التي لا تنتمي إليها بشكل قاطع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.