إعلان حرب على الفساد بالعراق.. ما مصداقيته؟

حريق مستشفى اليرموك يفتح ملف فساد القطاع الصحي في العراق
العراقيون يشكون استشراء الفساد في مختلف قطاعات الدولة (الجزيرة-أرشيف)

مروان الجبوري-بغداد

ما إن أعلنت السلطات اللبنانية عن تسليم وزير التجارة العراقي الأسبق عبد الفلاح السوداني المتهم باختلاس المال العام إلى بغداد، حتى تجدد الحديث عن حجم الفساد الذي يقول الكثيرون إنه ينخر جسد الدولة ومؤسساتها في العراق.

وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هذا الأسبوع البدء في ما سماها "مهمة مكافحة الفساد" بالبلاد، وقال خلال مؤتمر صحفي في بغداد إن هذه المهمة لن تنتهي في غضون أيام، وإنها ستطول حتى القضاء على الفاسدين.

لكن منتقدين يشككون في مصداقية هذه التصريحات، ويعتبرونها مجرد "دعاية انتخابية" سبق أن استخدمها العبادي لمواجهة حركة الاحتجاجات الشعبية وتنامي السخط على الأداء الحكومي، ولم تنتج عنها إجراءات أو قرارات مؤثرة.

ويعتبر العراق من أكثر دول العالم فسادا وفق مؤشرات منظمة الشفافية الدولية، وتشير تقارير دولية إلى تورط العديد من المسؤولين الكبار في عمليات فساد مختلفة، دفعت بعضهم للهروب خارج البلاد خوفا من الملاحقة القضائية.

عراقيل الإصلاح
وتقول النائبة في البرلمان العراقي عن كتلة التغيير الكردية تافكه أحمد إن الفساد مستشر في جميع مؤسسات الدولة، وخاصة في أوساط السياسيين داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا يوجد في العراق قانون يسأل أصحاب الأموال "من أين لك هذا؟".

وتضيف أنه لا توجد صلاحيات كبيرة لهيئة النزاهة العراقية تتيح لها محاسبة الفاسدين وتحويل ملفاتهم إلى القضاء. وترى النائبة أنه على الرغم من تصريحات العبادي وما سبقها، "فإننا لم نر أشخاصا مدانين ومسجونين بتهمة الفساد، رغم وجود ملفات لنحو ثمانية آلاف متهم".

العبادي تعهد بمحاسبة الفاسدين لكن حملته تواجه شكوكا (الجزيرة)
العبادي تعهد بمحاسبة الفاسدين لكن حملته تواجه شكوكا (الجزيرة)

وتشير إلى أن العبادي يواجه عراقيل عدة في حملته هذه، من أهمها أنه لا يستطيع محاسبة المتهمين بالفساد في حزبه أو رفع ملفاتهم إلى المحاكم وهيئة النزاهة، وهو ما يطرح تساؤلات عن مدى مصداقية هذه الحملة، كما تقول.

وترى النائبة أن المحاصّة الطائفية من أكبر العوائق التي تواجه عملية الإصلاح، وحتى استجواب الوزراء بات يحمل صبغة انتخابية دعائية، كما حدث مؤخرا مع وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، إذ كانت طريقة الاستجواب وطرح الأسئلة "غير مهنية ولا موضوعية"، حسب رأيها.

مافيات الفساد
بيد أن سياسيين آخرين يؤكدون أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة العراقية باتت مؤخرا أكثر جدية وحزما في التعامل مع الفاسدين، استنادا إلى تقارير هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية، وبالتعاون مع الشرطة الدولية (إنتربول).

وبحسب النائبة عن كتلة اتحاد القوى زيتون الدليمي، فإن هيئة النزاهة استردت مبالغ كبيرة من الأموال العراقية المهربة للخارج، وأصدرت مذكرات اعتقال بحق مسؤولين ومدراء عامين في وزارات ومؤسسات حكومية عديدة.

وتضيف للجزيرة نت أن للفساد اليوم "مافيات" محمية من شخصيات سياسية مؤثرة، وبعضها في مواقع حساسة بالدولة، وهؤلاء يصورون كل عملية تحقيق أو استدعاء أو إلقاء قبض على الفاسدين على أنها استهداف سياسي ودعاية انتخابية.

وتؤكد الدليمي أن سمعة العراق المتدنية في مجال النزاهة حرمته من فرص استثمارية كبيرة، إذ كانت الشركات الأجنبية تحجم حتى وقت قريب عن المجيء والاستثمار فيه، لكن الوضع تغيّر مؤخرا، وهو ما انعكس إيجابا على تدفق الأموال إلى السوق العراقية وأحدث انتعاشا نسبيا للحركة التجارية، على حد قولها.

وقد أعلنت هيئة النزاهة العراقية في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء أنها أعادت تريليونا و305 مليارات دينار (حوالي 1.1 مليار دولار) إلى خزينة الدولة خلال عام 2017. وقالت إن "المبالغ المسترجعة التي أوقف صرفها ومنع هدرها بالدينار العراقي بلغت تريليونا و173 مليار دينار"، وأن "الأموال المسترجعة بالدولار بلغت 111 مليونا و276 ألف دولار".

آلاف المشاريع في العراق متأخرة بسبب الفساد (الجزيرة)
آلاف المشاريع في العراق متأخرة بسبب الفساد (الجزيرة)

أشكال الفساد
ويشير الصحفي زيد الشمري إلى أن صور الفساد في العراق تتنوع من سرقة أموال المشاريع "الوهمية"، إلى العمولات من الشركات المستثمرة، إضافة إلى الدرجات الوظيفية الوهمية أو ما يعرف محليا بالموظفين "الفضائيين".

وقد أثيرت مؤخرا اتهامات بسرقة الأموال الخاصة بإغاثة النازحين، وبلغ حجم الفساد مبلغا دفع المانحين الدوليين لطلب ضمانات من الحكومة العراقية على صرف الأموال الممنوحة في مشاريع حقيقية.

وتتحدث تقارير البنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية عن أرقام "خيالية" سرقت من خزينة الدولة، من بينها المبالغ التي اختفت في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والتي تقدر بحوالي 600 مليار دولار.

ووفقا للصحفي زيد الشمري فإن اتهامات الفساد تشمل معظم الوجوه السياسية الحالية، ومعظم الوزراء في الحكومات السابقة رفعت عليهم قضايا تتهمهم بالفساد وإهدار المال العام، وصدرت بحق بعضهم مذكرات اعتقال مثل عبد الفلاح السوداني ووزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي وآخرين.

كما أثيرت قضايا فساد على وزراء حاليين مثل وزراء الكهرباء والتجارة والزراعة والتربية والصحة والخارجية وغيرهم، لكن معظمهم يحظى بحماية دولية وإقليمية، تمنحهم حصانة من المساءلة أو المحاكمة، كما يرى الشمري.

المصدر : الجزيرة