"سفر التكوين".. وجه آخر من تهويد الاحتلال للخان الأحمر

لافتة تشير للمشروع الاستيطاني البدوي في الخان الأحمر(الجزيرة نت)
لافتة تشير إلى المشروع الاستيطاني البدوي في الخان الأحمر (الجزيرة نت)

أسيل جندي–الخان الأحمر

على الشارع الرئيسي الواصل بين مدينتي القدس وأريحا، وبعد اجتياز تجمع الخان الأحمر البدوي الذي يتربص به الاحتلال الإسرائيلي لهدمه، يتوقف السائق عند أول إشارة ضوئية، عقب انعطافه يسارا يفاجأ بلافتة كتب عليها باللغة الإنجليزية "التخييم في صحراء إسرائيل".

وفي حال كانت الوجهة منطقة التخييم، يتجه الراجل نحو طريق ترابية تبعد عن التجمع المهدد بالترحيل كيلومتر ونصف، وخلال سيره يتنقل بصره بين مجموعة من الغزلان البرية، ويجد على السفح المقابل له مستوطنة كفار أدوميم قبل أن يصل للبوابة الحديدية التي لن يتمكن من السير بعدها بسبب طرد كلاب الحراسة كل شخص غريب يقترب من المشروع السياحي الاستيطاني.

وخلف البوابة ثُبتت عشر خيام بيضاء في أرض "سفر التكوين"، كما يسميها القائمون على المشروع، وهي إحدى أسفار موسى الخمسة في كتاب التوراة، كما يعتقد اليهود.

وعلى الموقع الإلكتروني الذي يروج لهذا المشروع؛ كتب باللغتين العبرية والإنجليزية "يقع سفر التكوين في قلب صحراء يهودا بالطريق إلى البحر الميت، في مكان سحري يتيح للزوار تجربة الحياة كما كانت في العصور التوراتية؛ يستقبلهم خادم إبراهيم ليجربوا في خيمته الضيافة الأسطورية".

‪مدخل المشروع السياحي الاستيطاني البدوي‬ (الجزيرة)
‪مدخل المشروع السياحي الاستيطاني البدوي‬ (الجزيرة)

حياة البداوة
وتتناثر في عدد من زوايا الموقع الإلكتروني صور تُظهر استمتاع الزوار من سياح وطلبة يهود محليين بتجربة حياة البداوة في الصحراء الفلسطينية؛ فيركبون الجمال، ويجربون حلب الأغنام، ويصنعون خبز الصاج، ويمارسون العديد من الأنشطة الأخرى في الهواء الطلق.

ويلم سكان تجمع أبو داهوك القريب المهدد بالإخلاء بأدق تفاصيل المشروع البدوي الاستيطاني، ومن هؤلاء نصر أبو داهوك الذي تمكن قبل تقييد حركة أبناء التجمع من الوصول لموقع التخييم المستحدث مرارا، وتحدث للجزيرة نت عما رآه هناك.

فوفق ما رواه المتحدث، يعدّ صاحب المشروع ومساعدوه القهوة العربية ليستقبلوا بها الزوار، ويصنعون لهم خبز الصاج، ويطهون الزرب، ويأخذونهم في جولات على الجمال، ويقيمون لهم الاحتفالات في بيوت الشعر، ومنهم من يقيم حفل زفافه في المكان.

ويؤكد أبو داهوك أن الاحتلال سرق حياة البداوة الفلسطينية بعاداتها وتقاليدها كاملة، ويدعي أنها تراث إسرائيلي توراتي، "سرقوا حياتنا ويهبونها لغيرنا للاستمتاع بها".

الرواية التلمودية
وعن مشاعره كبدوي فلسطيني يسعى الاحتلال لاقتلاعه من أرضه في حين يقدم كل التسهيلات للمشاريع الاستيطانية التي تستنسخ حياته قرب تجمعه البدوي؛ حكى للجزيرة نت أنهم يعيشون "في هذا التجمع منذ خمسينيات القرن الماضي، ولا نزال محرومين من الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، وفي المقابل يُزود المستوطنون الذين يسوقون مشاريعهم على حسابنا بكافة الخدمات؛ نحن نُقتلع وتُثبت مشاريعهم السياحية المزيفة".

إبراهيم أبو داهوك بدا أكثر انفعالا من نصر، وأشار إلى جزئية يعتبرها أخطر من المشاريع الاستيطانية البدوية، وهي الرواية التلمودية التي تُزرع في عقول السياح الزائرين لهذه المشاريع، وقال "سمعتُ دليلا سياحيا يقول للمجموعة التي يرافقها إن النبي موسى عليه السلام جلس في هذا المكان وشاهد القدس من هنا".

وأضاف أن هذه واحدة من معلومات كثيرة مشوهة تسعى سلطات الاحتلال لزرعها في عقول الصغار والكبار من اليهود والسياح، وألقى اللوم على وزارة السياحة الفلسطينية التي لم تول اهتماما بالتجمعات البدوية الفلسطينية، ولم توجه بوصلة جولاتها نحوها.

وأنهى حديثه للجزيرة نت بقوله "أُشبه مشاعري وأنا أنتظر إخلائي وترحيلي من التجمع الآن بمشهد شخص ينتظر وصول ميت عزيز على قلبه ليودعه؛ أهناك أعظم من هذا الألم؟ هكذا نعيش ساعاتنا في الخان الأحمر".

الخيام البدوية الإسرائيلية للمشروع السياحي كما تظهر عن بعد (الجزيرة)
الخيام البدوية الإسرائيلية للمشروع السياحي كما تظهر عن بعد (الجزيرة)

معلومة لافتة
واختلفت أقوال سكان التجمع حول الفترة الزمنية التي افتتحت فيها حولهم مشاريع استيطانية بدوية، لكنهم أجمعوا على أن هذه الظاهرة بدأت في الخان الأحمر في تسعينيات القرن الماضي، وخلا الموقع الإلكتروني الخاص بالمشروع المجاور للتجمع من هذه المعلومة أيضا.

وضمن جهود الاحتلال والقائمين على المشروع، يروج موقع "بوكينغ" (Booking) الشهير لهذا المشروع الاستيطاني، ويتيح فرصة الحجز فيه بقيمة تسعين دولارا لليلة الواحدة، وقبل ذلك روج موقع "أير بي أن بي" (airbnb) لبيوت المستوطنات.

وتعليقا على الموضوع، قال المنسق العام للجنة الوطنية للمقاطعة محمود نواجعة إن هذا المشروع السياحي الاستيطاني يهدف إلى غض النظر عن الانتهاكات الإسرائيلية وسياسة التطهير العرقي وسرقة الأرض المتبعة بحق أهالي الخان الأحمر، والتي تحدث على بعد كيلومتر ونصف فقط من الخيم التي يتم الترويج لها في المواقع العالمية تحت دعوة "تجربة الحياة البدوية".

وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن شركاء حركة المقاطعة في أميركا أطلقوا عريضة تحت عنوان "لا للبيوت المسلوبة" تطالب موقع "أير بي أن بي" بوقف الترويج لبيوت المستعمرات الإسرائيلية على الموقع، باعتباره تلميعا للانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والحقوق الفلسطينية، وترويجا لممارسات نظام الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي العنصري، وحازت العريضة أكثر من 153 ألف توقيع.

المصدر : الجزيرة