القانون الدولي الإنساني

حصاد العدوان الإسرائيلي على غزة
إسرائيل الأكثر خرقا لقواعد القانون الدولي الإنساني (الجزيرة)
يقصد بالقانون الدولي الإنساني مجموعة قواعد وضوابط هدفها الحد من تأثير النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال كالمدنيين، أو الذين لم يعودوا طرفا في القتال مثل الجنود المصابين، كما يرمي إلى الحد من الوسائل المستخدمة في الصراع أملا في التخفيف من الخسائر البشرية و المادية المترتبة على النزاع المسلح.

النشأة
يعود أصل القانون الدولي الإنساني إلى أواسط القرن التاسع عشر. فخلال معركة سلفرينو (1859) بين جيش نابليون الثالث والجيش النمساوي،وقف السويسري (هنري دوناند) على فظاعة الحرب،فقررَ نقل الجرحى والقتلى بشكلٍ مجاني من جبهات القتال ودون تمييز إلى البلدة بناء على تجربة الحرب تلك، وسينشر دوناند في عام 1862 كتابا عنونه بــ"ذكريات من سلفرينو" ضمَّنهُ دعوة إلى التخفيف من معاناة الجنود في الحروبْ،و اقترح أنْ تسمح الدول لمنظمات إنسانية محايدة بعلاج الجنود خلال الحروب.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر
ستُلبي الدول الأوروبية دعوة دوناند في عام 1863 بـإنشاء لجنة دولية لعلاج وإنقاذ المصابين خلال النزاعات المسلحة، ستتحول لاحقا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمرْ. سيواصل دونان جهده الانساني بمعية عددٍ من أصدقاءه، سيعكفون معه على تحرير ترسانة قانونية تَضبط السلوك العسكري في أوقات الحروب، وتُوفر إطارا لتقديم المساعدة و العلاج للمدنيين و العسكريين الجرحى في أوقات النزاعات المسلحة. وفي سيُشكل هذا العمل باكورة القانون الدولي الانساني.

وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الدولي الإنساني بأنه مجموعة القواعد التي تهدف للحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية. ويعرف القانون الدولي الإنساني أيضا بأنه قانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة.ويحمي القانون الدولي الإنساني كل من ليس له صلة -أو كانت له صلة في ما سبق- بالأعمال العدائية، كما يقيد وسائل وأساليب الحرب، وهو جزء من القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول.

ولا يسري القانون الدولي الإنساني إلا على النزاعات بين الدول، ولا يشمل الاضطرابات الداخلية، وهو يسري على كافة الأطراف على نحو متماثل، بغض النظر عمن بدأ القتال. ولم توضع قواعد دولية للحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية إلا منذ 150 سنة.

 

التطور
شكَّلت اتفاقية جنيف الأولى (1864) حجر الزاوية للقانوني الدولي الإنساني، و اقتصرت على تناول النزاعات المسلحة بين الدول أو التحالفات المشكلة من دول، بالمقابل أغفلت ما عدى ذلك من الصراعات. وستبقى الأمور على حالها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945).

ويستند القانون الدولي الإنساني إلى مجموعة من الاتفاقيات والنصوص المكتوبة والعرفية، ومنها:
أ – اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أغسطس/آب 1949 وهي:

1- اتفاقية جنيف الأولى المعنية بحماية جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان.

2- اتفاقية جنيف الثانية المعنية بحماية جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.

3- اتفاقية جنيف الثالثة المعنية بأسرى الحرب.

4- اتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية السكان المدنيين وقت الحرب.

ب- بروتوكول جنيف الأول المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة المبرم عام 1977.

ج- القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.

د- اتفاقية لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907.

والقانون الدولي الإنساني له جانب آخر عرفي غير مكتوب، وهو -وفقَ اللجنة الدولية للصليب الأحمر- يتألف من قواعد مستمدة من "ممارسات عامة مقبولة كقانون".

وتنبع أهمية القانون الدولي الإنساني العرفي في النزاعات المسلحة الحالية من أنه يسد الثغرات التي خلفها قانون المعاهدات في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومن ثم يعزز حماية الضحايا.

دور الحربين العالميتين
شهدت الحرب العظمى (1914-1918) فظاعات غير مسبوقة و عدد كبير من القتلى ناهز تسعة ملايين ضمنهم عدد كبير من المدنيين. ورغم ذالك فإنَّ المجتمع الدولي لم يَستشعر خطر الحرب الداهم على المدنيين إلا في الحرب العالمية الثانية التي خلفت ستين مليون شخص، وهو ما يمثل أكثر من 5،2 بالمائة من سكان العالم يومها.

وكان واضحا أنَّ التقدم التقني والعسكري يُنبئ بأنَّ ضحايا الحرب سيكونون أكثر في المستقبل،و في هذا الصدد يُؤثر عن الفيزيائي الألماني الشهير، ألبرت أنشتين، أنَّه قال ذات مرة إنَّه لا يعرف كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة لكنه يشك في أنَّ هناك من سيعيشيون بعدها ليشهدوا الحرب الرابعة.

القانون الدولي الانساني و النظام العالمي بعد 1945
عكفت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على وضع الأساس القانوني و المؤسسي للنظام الدولي الجديد. وهكذا تم إنشاء الأمم المتحدة و لهيآت والهياكل المتفرعة عنها، وكان مدارُ ذلك الجهد صون السلم العالمي بما يُجنب نشوب حربٍ جديدة، مع صون مصالح القوى المنتصرة.

كانت فظاعات الحرب ماثلة سيما بالنسبة للمدنيين.و هكذا كانت الظروف ناضجة لتوقع دول العالم اتفاقيات جنيف الأربع،في عام 1949، لتشكل قاعدة القانون الدولي الانساني كما هو موجود اليوم.

دور الحرب الباردة
نجح النظام العالمي في إبعاد شبح الحرب الشاملة رغم أنَّ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1963 كادت تتحول إلى مواجهة شاملة، إلا أنَّ التحدي الأبرز الذي ميز تلك المرحلة هو تعدد ساحات المواجهة المسلحة بين المعسكرين، ومنها الحرب الكورية وحرب كاتانغا بالكونغو، وحرب اليمن.

كما أنَّ الصراع العربي الإسرائيلي تأثر هو كذالك بالاستقطاب بين المعسكرين. وتميزت تلك الصراعات بسقوط أعداد كبيرة من المدنيين و باستخدام أسلحة متطورة لم تُستخدم من قبل ولها قدرة تدميرية هائلة. ومن هنا برزت حيوية تقنين الواقع الجديد وملاءمة اتفاقيات جنيف معهْ.

 ملاحق و معاهدات مكملة
تم استكمال المسار الذي بدأ في جنيف عام 1949 باتفاقية لاهاي (1954) و التي نصت على حماية الأملاك و المنشآت ذات الطبيعة الثقافية،أما اتفاقية 1972 فحظرت استخدام الاسلحة البيولوجية،في حين نصت اتفاقيتا 1993 و 1997 على حظر استخدام الأسلحة الكيمائية و الألغام المضادة للأشخاص.و في عام 1977 أُقرَّ ببرتوكولان إضافيان يتعلقان بحماية ضحايا النزاعات المسلحة، فضلا عن ملاحق تحظر استخدام أنواع معينة من الاسلحة و التكتيكات العسكرية،و تحمي فئات معينة من السكان و أنواع من الأملاك.

تحديات
يواجه القانون الدولي الإنساني تحدياتٍ جمة سيما في أوقات النزاعات المسلحة، وهو أمرٌ مفهوم بحكم أنَّ هذا القانون جاءَ أصلا لتحقيق توازن هش بين المتطلبات العسكرية للدول خلال الحروب و بين حماية الأشخاص غير المشاركين في القتال.

ورغم أنَّ الأغلبية الساحقة من دول العالم وقعت اتفاقيات جنيف وملاحقها، إلا أنَّ الحروب ظلت تتسبب في مآسي جمة للمدنيين الذين يشكلون في حالاتٍ كثيرة أغلب ضحايا الصراعات المسلحة.

الغموض بشأن الصراعات الداخلية
وعدا عن الصراعات بين الدول، فإنَّ الاضطرابات الداخلية تُشكل هي الأخرى أحد التحديات الكبيرة للقانون الدولي الانساني، بحكم غموض نصوصه في هذا الباب. فهو يُوكل تناول مثل هذه الاضطرابات للقوانين المحلية من منطلق الحفاظ على سيادة الدول، ولا يُدخلها في نطاق اختصاصه إلاَّ إذا كانت تنظيمات مسلحة هي من يقود الاضطرابات أو التمرد ضدَّ النظام السياسي القائم.

المحكمة الجنائية الدولية
كشفت المجازر التي شهدتهاالحرب الأهلية في رواندا ويوغوسلافيا السابقة قصور القانون الدولي الإنساني في تناول الجرائم ضد الانسانية و جرائم الحرب خاصة منها تلك المترتبة على الصراعات الداخلية التي يكون المدنيون في بعض الأحيان أول المستهدفين فيها.

وقد شكلت الأمم المتحدة محكمتين خاصتين بوراندا و يوغسلافيا، ولوضع آلية دائمة لملاحقة مجرمي الحرب تم إنشاء محكمة الجنايات الدولية بموجب اتفاقية روما الموقعة عام 1998.و نُصبت المحكمة رسميا في يوليو/تموز 2002 وفق تكليفٍ دولي يُؤهلها للبت في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية المرتكبة منذ عام 2003..

المصدر : الجزيرة