هل يحتاج تاريخ بورقيبة لإعادة النظر؟

جانب من جلسة استماع لضحايا الفترة البورقيبية/هيئة الحقيقة والكرامة/العاصمة تونس/مارس/آذار 2017
جانب من جلسة استماع لضحايا الفترة البورقيبية بإشراف هيئة الحقيقة والكرامة مارس/آذار 2017 (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

انقسمت المواقف والردود في تونس بشأن مطالبة هيئة الحقيقة والكرامة، المسؤولة على مسار العدالة الانتقالية، المؤرخين بإعادة كتابة التاريخ بعد تقديمها شهادات ضحايا اتهموا الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بارتكاب جرائم دولة، مما أثار انتقادات.

ومؤخرا عرضت الهيئة التي تتقصى في الانتهاكات المرتبكة بين سنوات 1953 و2013، خلال جلسة علنية شهادات لبعض أنصار الزعيم التونسي المغتال صالح بن يوسف اتهموا فيها الحبيب بورقيبة بتعذيبهم وتصفية بعض معارضيه بعد الاستقلال.

وركزت تلك الشهادات على انتقاد النظام البورقيبي واتهامه بتهميش المناضلين الذين رفعوا السلاح ضد فرنسا والتآمر على قتلهم لرفضهم نزع سلاح المقاومة وتعذيب أنصار خصمه صالح بن يوسف، الأمر الذي اعتبره مؤرخون موجّها وموظفا ومضللا.

‪الحناشي: الشهادات كانت أحادية وتضمنت أخطاء‬ (الجزيرة)
‪الحناشي: الشهادات كانت أحادية وتضمنت أخطاء‬ (الجزيرة)

تصفية حسابات
ردا على ذلك، أصدر أكثر من خمسين مؤرخا بيانا انتقدوا فيه عمل الهيئة، وشككوا في معايير انتقائها لضحايا الاستبداد، واتهموها بتوجيه شهاداتهم من أجل "تصفية حسابات" ضد النظام البورقيبي، ووصفوها بالجهل بالتاريخ والذاكرة الوطنية.

وفي هذا السياق يقول أستاذ التاريخ المعاصر خالد عبيد للجزيرة نت إن ما قامت هيئة الحقيقة والكرامة "لا يمكن اعتباره تاريخا أو حقيقة أو سبقا جديدا في المعلومات التاريخية". وأكد أن "الهيئة قامت بإسقاط تصور خاطئ يقوم على أساس أن التاريخ مزيف".

وردا على دعوة هيئة الحقيقة المؤرخين لاستغلال وثائق أرشيفية وشهادات مسجلة لديها لإعادة كتابة التاريخ بعيدا عن الرواية الرسمية، يقول عبيد إن كتابة التاريخ مسألة "يخوض فيها المؤرخون على أسس علمية موضوعية بعيدا عن المزايدات والتوظيف".

ورغم أن الشهادات التي قدمتها الهيئة للضحايا تعتبر "مهمة" بالنسبة إلى أستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي، فإنه يرى أن "الهيئة أخطأت لأنها لم تقم بتأطيرها علميا بالاستعانة بمؤخرين حتى لا يقع تقديم معطيات غير دقيقة".

وأكد للجزيرة نت أن تلك الشهادات "كانت أحادية وتضمنت أخطاء". واعتبر أن مطالبة المؤرخين باستغلال تلك الشهادات لإعادة كتابة التاريخ "كلام غير لائق"، مبينا أن "هناك إنتاجا معرفيا غزيرا تحدث عن الفترة البورقيبية بمقاربة نقدية تجهلتها الهيئة".

وأضاف أن الوثائق والشهادات التي تحدثت عنها الهيئة "لا قيمة لها" مقارنة بما تزخر به مؤسسات مثل الأرشيف الوطني والمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر من كتب وأطروحات، إضافة إلى مراكز دراسات على غرار مركز الدكتور عبد الجليل التميمي.

‪المعيزي نفى تدخل الهيئة في مضمون كلام الضحايا أو توجيهه‬ (الجزيرة)
‪المعيزي نفى تدخل الهيئة في مضمون كلام الضحايا أو توجيهه‬ (الجزيرة)

إعادة النظر
في المقابل يؤكد رئيس لجنة حفظ الذاكرة بهيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي أن الهيئة في إطار عملها لكشف الحقيقة وإعادة الاعتبار للضحايا، فتحت لهم الباب لرواية ما عاشوه في تلك الفترة، مؤكدا أن "هناك من الوثائق ما يثبت صحة كلام الضحايا".

ونفى تدخل الهيئة في مضمون كلام الضحايا أو توجيهه، مبينا أنها "لا تقوم بتقديم شهادات الضحايا إلا بعد أن تتحرى وتتثبت من صحة روايتهم".

وقال إنه بناء على ما وردها من شهادات ووثائق، اعتبرت أن هناك حاجة لإعادة النظر بالتاريخ.

وأوضح أن هيئة الحقيقة ستقوم بعد نهاية عملها العام المقبل بإيداع كل الشهادات المسجلة والوثائق التي تحصلت عليها في الأرشيف الوطني أو مؤسسة مختصة بحفظ الذاكرة تحدث للغرض من أجل وضعها على ذمة المؤخرين والمعنيين بالبحث.

‪العيادي:‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪العيادي:‬ (الجزيرة-أرشيف)

هجوم مدبر
وعن هذا الجدل، يقول المعارض والنائب السابق بالبرلمان عبد الرؤوف العيادي للجزيرة نت إن "هناك هجوما مدبرا لتشويه صورة هيئة الحقيقة والكرامة وضرب مسار العدالة الانتقالية في البلاد من قبل أنصار بورقيبة الذين يوظفون الجدل سياسيا".

واعتبر أن الشهادات التي قدمتها الهيئة مهمة وتتطلب إعادة النظر في التاريخ الذي يكتنفه الغموض بعيدا عن الرواية التي روج لها نظام بورقيبة، مقرا بدوره بتورط النظام بتعذيب اليوسفيين وتصفية الزعيم بالحركة الوطنية صالح بن يوسف.

ورغم انتمائهما لنفس الحزب الحر الدستوري الجديد الذي قاوم الاستعمار، فإن صراعا كبيرا تفجّر بين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ورفيق دربه السابق صالح بن يوسف بعد معارضة الأخير لاتفاقية الاستقلال الداخلي التونسية الفرنسية التي وقعها بورقيبة عام 1955.

وبينما اتهم بورقيبة بعد صعوده للحكم بمضايقة وملاحقة أتباع بن يوسف، اتُهم هذا الأخير بالتخطيط لزعزعة النظام التونسي. وباءت محاولات الصلح بين الرجلين بالفشل. وفي 11 أغسطس/آب 1961 اغتيل صالح بن يوسف في فرانكفورت الألمانية.

المصدر : الجزيرة