تونس.. من بورقيبة لما بعد الثورة

A Tunisian man holds the national flag and flashes the victory signs during a demonstration to put pressure on the authorities to ensure that those responsible for the assassination of Chokri Belaid be quickly identified, at the Avenue Habib Bourguiba in Tunis, Tunisia on 23 February 2013. Tunisian President Moncef Marzouki on 22 February approved Ali Larayedh to become Prime Minister and gave him two weeks to form a government. Larayedh, interior minister of the past 14 months, was nominated by the ruling Islamist party Ennahda to replace Hamadi Jebali who resigned following the assassination of opposition leader Chokri Belaid, the recent unrest and the impossibility to form a technocrat government.
تونس شهدت ثورة شعبية أسقطت نظام بن علي (الجزيرة)

مرت تونس بمراحل عديدة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956، فمن حكم الحبيب بورقيبة الذي يصفه معارضوه بالشمولي، إلى حكم زين العابدين بن علي الذي وصف هو الآخر بالديكتاتوري والقمعي، وصولا إلى مرحلة ما بعد الثورة التونسية.

وعرفت البلاد في هذه الفترات تجاوزات وانتهاكات لحقوق المواطن التونسي، ما دفع السلطات لوضع "هيئة الحقيقة والكرامة" المعنية بالتكفل بتفعيل قانون العدالة الانتقالية في تونس على ضحايا "انتهاكات" حقوق الإنسان التي وقعت في الفترة الممتدة من 1955 حتى نهاية 2013.

وفيما يلي تسلسل زمني لأهم الأحداث التي شهدتها تونس من 1955 حتى نهاية 2013.

حكم بورقيبة (1957ـ1987) 
حصلت تونس على استقلالها عن الاستعمار الفرنسي يوم 20 مارس/آذار 1956، ولكن فرنسا احتفظت بوجود عسكري في بنزرت (شمال شرق) حتى سنة 1963.

وعيّن الحبيب بورقيبة الذي عاد من منفاه وزيرا أول، ويوم 25 يوليو/تموز 1957، أعلن بورقيبة تونس "جمهورية" وأصبح أول رئيس لها، وفي عام 1975 انتخب رئيسا مدى الحياة.

وحكم بورقيبة تونس 30 عاما (1957-1987)، وتشبه بالزعيم التركي كمال أتاتورك سياسيا، لم يكن نظام بورقيبة يقبل المعارضة، وقد شهدت سنوات حكمه الأولى صراعا عنيفا مع "اليوسفيين" نسبة إلى صالح بن يوسف أحد زعماء الحركة الوطنية، الذي اغتيل في فرانكفورت بألمانيا في أغسطس/آب 1961.

جمّد بورقيبة نشاط الحزب الشيوعي عام 1962، وحارب فيما بعد الإسلاميين (حركة الاتجاه الإسلامي وحركة النهضة لاحقا) ونكل بهم بعد فترة وجيزة من الهدنة استثمرها في حربه على المعارضة اليسارية التي شل فاعليتها وألغى الحريات الأساسية وفرض الرقابة على الإعلام.

أقر نظام الحزب الواحد وتحالف مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وشرعن ذلك بتعديل دستوري في 27 ديسمبر/كانون الأول 1974 سمح له برئاسة الدولة مدى الحياة. وبينما أقرَّ مجانية التعليم وإجباريته أجهز على مؤسسة الزيتونة الإسلامية، ومنع تتعدد الزوجات وشرع التبني.

كما واجه نظام بورقيبة من 1977 حتى 1987 سلسلة اضطرابات اجتماعية، وعرف عهده انتهاكات لحقوق الإنسان، أشهرها ما يعرف لدى التونسيين بأحداث الخميس الأسود ومظاهرات 3 يناير/كانون الثاني 1984 التي قامت بسبب ارتفاع سعر الخبز وعرفت بـ"ثورة الخبز". 

وتعود أحداث الخميس الأسود ليوم 26 يناير/كانون الثاني 1978عندما خرج آلاف النقابيين من مختلف القطاعات في مسيرات احتجاج على الأوضاع المتردية، سبقها وصاحبها إضراب عام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان يطالب ببسط الحريات والحقوق العمالية، ويرفض توجهات نظام الرئيس بورقيبة السياسية والاقتصادية، القاضية بالانفتاح الاقتصادي.

وفرضت قوات الجيش والأمن حصارا أمنيا وعسكريا على مناطق الاحتجاج وطوقت الشوارع ومقرات اتحاد الشغل. ثم فتحت نيرانها بأمر كتابي من رئيس الجمهورية، حسبما صرح به مدير الأمن والمخابرات التونسي الأسبق أحمد بنّور لقناة الجزيرة على المحتجين.

اقتصاديا، نهجت تونس في الستينيات سياسة التعاضد (الاشتراكية) من خلال تجميع الأراضي الفلاحية، لكنها فشلت، فتحولت إلى الليبرالية في السبعينيات.

حكم بن علي (1987ـ 2011)
تولى زين العابدين بن علي السلطة في تونس يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 بعد أن انقلب -وهو في منصب وزير أول- على بورقيبة الذي أنهكه وقتها المرض والشيخوخة.

ولم يكن نظام بن علي بدوره متسامحا مع المعارضة، حيث تعرض آلاف المعارضين الإسلاميين واليساريين للسجن والتعذيب والتنكيل، كما أحكم قبضته على الصحافة والنقابات.

انفتح النظام التونسي زمن بن علي على الغرب (أوروبا وأميركا) ودخل في اتفاقات معهم، جعلهم يغضون الطرف عن سياسته الاستبدادية، وخنقه لمعارضيه وللأحزاب والتعددية السياسية وحرية الصحافة وأنشطة المجتمع المدني، وتبنيه الحزب الوحيد.

وفي كل الانتخابات التي أجريت في عهده، أعيد انتخاب بن علي رئيسا للبلاد بنسب تتجاوز 90%، كما أنه عدّل الدستور ورفع السن القانونية القصوى للترشح للانتخابات الرئاسية إلى 75 عاما بدلا من 70، وألغى حد الولايات الرئاسية الثلاث.

وتميزت فترة حكم بن علي أيضا بفساد مالي وإداري، وأصبحت عائلته وعائلة زوجته ليلى الطرابلسي رمزا للفساد في تونس.

الثورة (2010)
اشتعلت شرارة الثورة التونسية إثر إضرام البائع المتجول محمد البوعزيزي (26 عاما) يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 النار في جسده أمام ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الفاكهة التي كان يعتاش منها.

وفجر البوعزيزي مخزون الغضب عند جموع التونسيين الرافضين لتردي أوضاع بلدهم الذي يعاني شعبه البطالة وغياب وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم، فضلا عن كبت الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.

اتسع نطاق المظاهرات وشملت مدنا عديدة في تونس، وسقط فيها 338 قتيلا إلى جانب مئات الجرحى، نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، ولم تفلح العبارة الشهيرة التي خاطب بها بن علي شعبه "فهمتكو" في احتواء المظاهرات والاحتجاجات.

واضطر بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2014 إلى السعودية حيث يقيم بمنفاه في جدة.

ولخصت عبارة المواطن التونسي الذي نزل إلى أحد شوارع العاصمة فرحا "بن علي هرب" الحالة، وبعد فرار بن علي أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في اليوم نفسه توليه رئاسة الجمهورية مؤقتا، وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وفقا للفصل 56 من الدستور القديم مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول.

وبعد يوم واحد قرر المجلس الدستوري اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناء على ذلك أعلن في يوم السبت 15 يناير/كانون الثاني 2011 تولي فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب منصب رئيس الجمهورية مؤقتا، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في فترة بين 45 و60 يوما.

الانتقال الديمقراطي
وتوالت الأحداث في تونس بعد هروب بن علي، وأجريت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011  انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" (البرلمان المؤقت) المكلف بكتابة دستور جديد لتونس.

وفازت حركة النهضة بتلك الانتخابات، وانتخب المجلس الوطني التأسيسي المنصف المرزوقي "رئيسا مؤقتا" للبلاد.

غير أن البلاد ورغم تحقيقها انتقالا سلميا للسلطة، شهدت تواصلا للاحتجاجات الاجتماعية، وتصاعدا لأعمال عنف نتيجة عمليات نفذتها جماعات "جهادية" مسلحة، وتفاقم الوضع الأمني والسياسي عقب اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد يوم 6 فبراير/شباط 2016 والنائب محمد البراهمي يوم 25 يوليو/تموز 2013.

وفي ظل هذه الظروف، قادت أربع منظمات أبرزها المركزية النقابية "حوارا وطنيا" بين حركة النهضة والمعارضة في أكتوبر/تشرين الأول 2013، وانتهى بقبول الحركة ترك السلطة لحكومة تكنوقراط.

وفي نهاية 2014 أجريت في تونس انتخابات تشريعية ورئاسية فاز فيها الباجي قايد السبسي بمنصب الرئاسة

"هيئة الحقيقة والكرامة"
ويوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2013 أقر المجلس التأسيسي بتونس "قانون العدالة الانتقالية" الذي أحدثت بموجبه "هيئة الحقيقة والكرامة" التي تتلخص مهمتها في توثيق ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بتونس الحديثة (1955-2013).

ونظمت الهيئة منتصف 2015 أولى جلسات الاستماع المغلقة للضحايا، وأكدت -عند لحظة انطلاق عملها- أنها تلقت 12700 ملف تتعلق بالانتهاكات، وقفز الرقم بعد ذلك حتى وصل بحلول منتصف عام 2016 إلى أكثر من 65 ألف شكوى وملف يتعلق بحقوق الإنسان (مثل الإخفاء القسري والاعتداء البدني ومنع حرية التعبير والقتل العمد والانتهاكات الجنسية)، وبالفساد المالي بكل أشكاله وفي كل مؤسسات الدولة وهياكلها، وفي طليعتها البنك المركزي وإدارة الجمارك.

المصدر : الجزيرة + وكالات