ماهر صالح.. واجه السرطان بـ"نعم أستطيع"

عاطف دغلس-نابلس

انتهت خمس سنوات من العلاج بين مشفى وآخر إلى مزيد من المعاناة والألم، بعد أن خيّم الأمل في الأيام الأخيرة من العلاج بأن يعود ماهر صالح لوضعه الطبيعي معافى من مرض السرطان الذي أصابه.
 
في اليوم الأخير من تلك السنوات، كان على صالح -الذي ينحدر من قرية زواتا قرب مدينة نابلس بشمال الضفة الغربية– إجراء فحصه النهائي ليطمئن إلى الحال الذي سارت إليه صحته بعد مراحل صعبة في علاج مرض سرطان الثدي الذي نادرا ما يصيب الرجال.
 

يقول صالح "كانت حياتي مفعمة بالإرادة والتحدي عندما ذهبت لإجراء الفحص وتغمرني السعادة بأني سأودع السرطان للأبد" لكنه صدم بهول نتائج الفحوصات المخبرية التي أظهرت إصابته بثلاثة أنواع جديدة من مرض السرطان دفعة واحدة.

سرطان متشعب
ولم يكد صالح يترجل عن جبهة سرطان الثدي حتى اشتد صراعه على جبهات ثلاث أخرى من المرض، هي الكبد والعظام والرئة الذي يعتبر أشدها، غير أنه لم يرضخ وصمد بإرادة صلبة ليتعايش ومرضه ويتجاوز محنا جمّة، خاصة تلك التي يراها في عيون أسرته وأبنائه.

وقضى الرجل خمس سنوات من العلاج متنقلا بين مدينة نابلس التي أجرى بها استئصالا للثدي ثم تابع العلاج الكيميائي بمعدل ست جرعات بنابلس، وأكثر من أربعين جلسة علاج إشعاعي بمشفى المطلع في القدس المحتلة.

وكما المرض، واجه صالح الاحتلال الإسرائيلي الذي منعه دخول القدس، فسلك طرقا ملتوية للوصول لمستشفياتها وأخذ العلاج بموعده، بالرغم من أنه لم يترك جهة حقوقية فلسطينية أو إسرائيلية للنظر لحالته المرضية ومنحه تصريحا، لكن دون جدوى.

ويُسخر صالح مرضه ليكون وسيلة في زيادة ثقافته، فكسر روتين العلاج وساعاته الطويلة داخل المشفى فانشغل بتثقيف نفسه بقراءة للروايات المختلفة الأدبية والسياسية وكتب العلم والإبداع.

كما صار يخط على صفحته في فيسبوك تطورات المرض ومتابعاته في العلاج عبر زاوية أطلق عليها "يوميات ماهر صالح والسرطان" باللغتين العربية والإنجليزية.

‪كسر روتين العلاج وساعاته الطويلة فانشغل بتثقيف نفسه‬ كسر روتين العلاج وساعاته الطويلة فانشغل بتثقيف نفسه (الجزيرة)
‪كسر روتين العلاج وساعاته الطويلة فانشغل بتثقيف نفسه‬ كسر روتين العلاج وساعاته الطويلة فانشغل بتثقيف نفسه (الجزيرة)

وتقع على عاتقه أيضا مهمة أخرى تكمن بالشد من أزر المرضى من حوله بالمشفى ورفع معنوياتهم، والتأكيد أن العلاج ورغم مرارته ضروري وهام.

"نعم أستطيع"
ويرفع صالح شعار "نعم أستطيع" ليقهر كل الظروف التي تُحبطه وتثبط عزيمته، لذا يواصل عمله كمدخل للبيانات بشركة الكهرباء بنابلس ومسعف متطوع بعديد فعاليات المقاومة الشعبية الفلسطينية.

وتقدر المصادر الطبية الفلسطينية أن نحو خمسة آلاف فلسطيني (الضفة الغربية وقطاع غزة) يصابون بنوع واحد من السرطان على الأقل سنويا. وأكثر ما يصيب الجنسين سرطان القولون. ويصيب سرطان الثدي النساء بنسبة أكبر بينما يتركز سرطان الرئة لدى الرجال.

"تطوع ماهر قبل مرضه وقد سبق الجميع بحبه للوطن والانتماء له وقهر المرض بإرادته الصلبة" وفق مدير الإغاثة الطبية بنابلس د. غسان حمدان التي يتطوع بها صالح.

ويزيد صلابة الرجل -وفق حمدان- أنه واصل تطوعه بعد ظهور المرض وانتشاره، حيث أصبح معروفا بجرأته ونشاطه الدائم ما أعانه على قهر المرض والسعي للانتصار عليه.

‪نصورة: السر لدى صالح يكمن‬ نصورة: السر لدى صالح يكمن في الإرادة (الجزيرة)
‪نصورة: السر لدى صالح يكمن‬ نصورة: السر لدى صالح يكمن في الإرادة (الجزيرة)

مقاوم شرس
ويكمن السر لدى صالح -وفق طبيب الأورام السرطانية بالمشفى الوطني بنابلس والمشرف على علاجه محمود نصورة- بالإرادة التي يتمتع بها. ويقول إنه واجه السرطانات الجديدة بعزيمة أكبر من ذي قبل رغم أنه يعرف قساوة العلاج الكيميائي وآثاره على حالته الصحية الصعبة.

ويوضح نصورة أن العلم والكشف المبكر قادا لاكتشاف مرض السرطان بأنواعه المختلفة، مبينا أن العلاج يكون وقائيا للحد من استفحال الورم وتلطيفيا للتخفيف من أعراضه وتأثيراته على المريض، كما يعمل العلاج على إطالة عمر المريض "بالرغم من أنه لا يمكن أن نصل لنسبة حماية 100% من السرطان".

لم يترك صالح السرطان لينهش جسده بصمت، وسعى لقهره والانتصار عليه، ليرسخ مقولته الشهيرة "أقاوم السرطان حتى أتذوق طعم الحياة، وأقاوم الاحتلال كناشط بالمقاومة الشعبية حتى أتذوق طعم الحرية والاستقلال".

المصدر : الجزيرة