المركز العربي يرصد المشهد السوري بعد أستانا

بعد أستانا.. من يمسك بخيوط الملف السوري؟
بعد أستانا لا تزال عقبات كثيرة تعترض الوصول إلى تسوية تنهي الصراع (الجزيرة)
شكّل اجتماع أستانا في كازاخستان في 23 و24 يناير/كانون الثاني 2017 محطة أخرى من محطات تسوية الأزمة السورية، وجاء الاجتماع مباشرة بعد التوصل إلى اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار بين روسيا وفصائل من المعارضة السورية المسلحة.

وأفاد تقرير "المشهد السوري بعد أستانا" الصادر اليوم الثلاثاء عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة بأنه على الرغم من أنّ روسيا بدَت مهتمة أكثر من أيّ وقت مضى باجتراح حلّ يُعزّز مكاسبها وموقعها على الساحة السورية، فإن عقبات كثيرة ما زالت تعترض الوصول إلى تسوية تنهي الصراع.

إيران
وقال التقرير إن أبرز هذه العقبات يتمثل في موقف إيران ومعها النظام السوري المعارض لوقف إطلاق النار، وهو موقف يحاول إقناع روسيا بضرورة الحسم العسكري وإمكانيته.

فإيران والنظام السوري يعملان على تجميع المعارضين لهما من محيط دمشق في إدلب (حيث تختلط النصرة بغيرها)، آملَين أن تقوم روسيا أو التحالف الدولي بتصفيتهم بحجة عدم شمول الهدنة للإرهابيين.

وثمة عوامل أخرى لم يتضح تأثيرها بعدُ؛ منها ما سيكون عليه موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما سوف تسفر عنه حال الاستقطاب بين فصائل المعارضة السورية التي بات لزامًا عليها اتخاذ موقف حاسمٍ تجاه المشاريع التي لا تخدم المشروع الوطني السوري، التي تضعه في مواجهة مع الموقف الدولي، والتي تطيل عمر نظام الطغيان.

ويبدو أنّه من المهم، في هذه المرحلة تحديدًا، أن تُعيد قوى الشعب السوري الحية (السياسية والأهلية والفصائل المسلحة) تأكيد أنّ أيّ تسوية لا بدّ أن تشمل التخلص من النظام القائم والانتقال إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي في سورية موحدة؛ فوضوح الموقف وثباته ضروريان في ظل تداخل العوامل الإقليمية والدولية، وتشابكها، وتعدد منصّات الحوار والتفاوض.

لاعبون
إلى جانب تحوّل روسيا إلى لاعب رئيسي في المشهدين السياسي والميداني السوريين، بدا لافتًا للنظر في أستانا ضعف الدور الأميركي الذي عبّر، هو نفسُه، عن هذا الضعف بوضوحٍ في الاجتماع؛ فقد اكتفت الولايات المتحدة بالحضور بصفة "مراقب"، في حين تولّت روسيا، إلى جانب المبعوث الأممي ستفان دي مستورا، الدور الرئيس في الوساطة بين أطراف النزاع السوريين.

لكن الغياب الأميركي لم يستمر طويلًا، إذ عاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أسبوع حكمه الأول لطرح قضية إنشاء مناطق آمنة في سوريا، من منطلق أنّ ذلك يمثّل حلًا لقضية اللاجئين.

ولم تُبدد محاولة الروس لإثارة أجواء من التفاؤل قبل الاجتماع حالةَ التوتر التي سادت طوال عقْد المؤتمر، وتمثّلت أسباب التوتر في محاولة إيران فرض نفسها بوصفها راعيًا للاجتماع إلى جانب كلٍّ من روسيا وتركيا، في حين كانت مليشياتها (حزب الله تحديدًا) مستمرةً في خرق الهدنة على الأرض، وقصف قرى وادي بردى وبلداتها؛ في محاولة لاقتحامها والسيطرة عليها.

لقد حاولت إيران استخدام اجتماع أستانا للخروج من حال العزلة التي وجدت نفسها فيها، مع تحفظها على الجهد التركي-الروسي لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية.

وعلى الرغم من أنّ اجتماع أستانا لم يحقق للمعارضة المسلحة أهدافها، لا سيما في ما يتصل بالحصول على التزام قاطعٍ وفوري بوقف كل الأعمال القتالية على الأراضي السورية، باستثناء ما يخص منها تنظيم الدولة، فقد تمثّل مكسبها الأكبر في انتزاعها اعترافًا من النظام وحلفائه بشرعية تمثيلها، بعد أن ظلّ الروس والإيرانيون يصرون على وصمها بالإرهاب، وخصوصًا أنّ هذه المناسبة هي أوّل مناسبة تُدعى فيها فصائل المعارضة المسلحة للمشاركة في جهد الحل السياسي.

لاعبون كثر بالمشهد السوري مما يزيد تعقيدات الأزمة (الجزيرة)
لاعبون كثر بالمشهد السوري مما يزيد تعقيدات الأزمة (الجزيرة)

مفاجأة الدستور
الراعي الروسي فاجأ الجميع بطرحة مسودة دستور سوري عكف على إعداده خبراء من الروس، بوصفه يمثّل مدخلًا إلى حلّ الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ ستّ سنوات.

وبدا واضحًا، من خلال طرح الدستور، وجود محاولة روسية للتوصل إلى تسوية بعيدًا عن مرجعيات جنيف، ووجود مسعًى لاحتكار الحل في إطار الصيغة الثلاثية التي ظهرت في أستانا (تركيا-روسيا-إيران)، في ظل انشغال الولايات المتحدة بعملية انتقال السلطة وتعيينات إدارة دونالد ترمب، إضافةً إلى تراجع الاهتمام الدولي بالشأن السوري، ووجود ما يشبه التسليم بدور روسيا القيادي في حلّ الأزمة السورية.

كما بدا واضحًا من خلال بعض بنود الدستور المقترح وجود محاولةٍ روسيةٍ لاستمالة جزء من المعارضة (العسكرية على نحو خاص)؛ وذلك من خلال إضعاف موقع رئاسة الجمهورية، بوصفه يمثّل مدخلًا إلى الحلّ.

ورفضت المعارضة مناقشة مسودة الدستور، بالنظر إلى أنّ وضع الدستور شأنٌ يقرره الشعب السوري.

وبالتوازي مع طرح مسودة الدستور، أقرّ البيان الختامي لاجتماع أستانا إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة احترام الهدنة، تتكون من الدول الضامنة لوقف إطلاق النار، على أن تبدأ عملها في أستانا مطلع شباط/ فبراير 2017، وذلك تمهيدًا للانتقال إلى جنيف واستئناف مسيرة الحل السياسي. وقد سجلت الفصائل تحفظها على مشاركة إيران في هذه الآلية.

استقطاب
لم تتأخر تداعيات اجتماع أستانا عن الظهور على الأرض في شكل استقطابات حادّة بين الفصائل التي شاركت في الاجتماع والفصائل التي رفضته و"خوّنت" المشاركين فيه، ولم تلبث أن تطورت إلى صدامات مسلحة عندما قامت جبهة فتح الشام بتوجيه ضربة استباقية إلى فصائل المعارضة التي شاركت في أستانا، بناءً على شكوك في حصول اتفاق على ضربها، تكون فصائل أستانا جزءًا منه.

وكان المسؤولون الروس قد غذّوا هذه الشكوك من خلال زعمٍ مُفاده حصول تسلم وتسليمٍ لخرائط توضح أماكن وجود عناصر جبهة فتح الشام، تزامنت مع ضربات جوية سقط فيها مئات منهم، وهو أمرٌ عدّته فتح الشام بدايةً لعملية التخلص منها.

وكانت الخلافات أخذت تتفاعل قبل ذلك بين فتح الشام تحديدًا وبقية فصائل المعارضة.

إنّ المشهد المعارض السوري أخذ يتبلور بوضوح بين كتلتين كبيرتين ومشروعين متمايزين: الأول جهادي أممي تقوده فتح الشام وتحاول فرض نمط حياة معيّن على المجتمع السوري المحلي حتى قبل التخلص من النظام القائم، والثاني وطني سوري يقوده أحرار الشام ويرى أنّ القضية الرئيسية هي التخلص من نظام الحكم.

المصدر : الجزيرة