غارة التحالف على الجيش السوري بين الخطأ والتعمّد

غارة دير الزور.. ما الذي حدث بالضبط؟
عشرات من جنود النظام السوري راحوا ضحية غارات التحالف على دير الزور

محمد الأحمد-واشنطن

بين "الخطأ" و"العدوان الصارخ" و"الفعل المتعمد" تعددت توصيفات الغارة التي شنها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة واستهدفت الأسبوع الماضي موقعا عسكريا تابعا للجيش السوري قرب مدينة ديز الزور شرقي البلاد.

وأدت الغارة إلى مقتل العشرات من جنود النظام السوري في موقع عسكري على مشارف مدينة دير الزور قرب الحدود العراقية السورية حيث كانوا يقاتلون عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بحسب النظام السوري. 
  
ويطرح توقيت الغارة أسئلة لا يمكن تجاهلها في وضع ميداني يتسم بالتعقيد من جهة، ومشهد دولي يلفه الكثير من التشابك من جهة أخرى، خاصة أنها جاءت في أوج اتفاق الهدنة الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما تسبب في مناوشات كلامية طاحنة بين البلدين أعقبت تضاربا في تصريحاتهما حول بنود اتفاق الهدنة الأخير الذي بات عمليا في حكم المنهار بعد هذه الغارة.
 
وتأتي الضربات التي نفذتها مقاتلات تابعة للتحالف الدولي بعد حوالي عامين على انطلاق الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة، إذ باتت الأجواء السورية نتيجة لذلك مشرعة أمام المقاتلات الغربية الساعية لتحطيم وجود التنظيم في المنطقة.

وبموجب بروتوكول التفاهم بشأن سلامة الطلعات الجوية بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة والمقاتلات الروسية التي تساند النظام السوري من جهة أخرى، تم وضع قواعد لمنع أي حوادث بين الطرفين، ومنها عدم التعرض للقوات الحكومية، على اعتبار أن الحملة العسكرية للتحالف تستهدف حصرا تنظيم الدولة.

كيميت: هامش الخطأ يبقى واردا بالعمليات العسكرية للتحالف (الجزيرة)
كيميت: هامش الخطأ يبقى واردا بالعمليات العسكرية للتحالف (الجزيرة)

هامش الخطأ
ويعني ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا بعد أكثر من عامين على تسيير طلعات جوية دورية فوق الأجواء السورية، على دراية بمواقع جيش النظام السوري ومناطق عمله، خصوصا وأن هذه الطلعات تتم بتنسيق كامل ومسبق مع الجانب الروسي في المناطق التي قد تشهد تداخلا بين القوات المتصارعة فوق الأرض السورية.

بيد أن كل هذه المعطيات قد لا تبدد ربما هامش الخطأ في مثل هذه الحالات بحسب عدد من الخبراء العسكريين.

وهنا يرى الجنرال مارك كيميت مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق أن "التحالف يتبع أكثر قواعد الاشتباك انضباطا كما أنه يستعمل أكثر الأسلحة دقة".

لكنه يشير في تصريحات للجزيرة نت إلى أن ذلك لا ينبغي أن يفسر على أنه "مسار خال من الأخطاء" حيث إن العامل البشري الذي يسيّر الأنظمة العسكرية للتحالف يفتح المجال لوقوع حوادث متى ما استمر "ضباب الحرب"، في إشارة إلى ازدحام الأجواء السورية بمقاتلات التحالف من جهة والطائرات الحربية التابعة للنظام السوري وروسيا من جهة أخرى.
 
قد يكون مقصودا
لكن هناك آراء أخرى بشأن الغارة التي وصفتها دمشق بـ"العدوان الصارخ"، بينما أعربت واشنطن عن الأسف بشأنها مؤكدة أنها كانت خطأ غير مقصود، حيث شكك البعض في الموقف الأميركي ومنهم أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الدكتور نبيل ميخائيل الذي قال للجزيرة نت إن مثل هذه الغارة لا يمكن أن تكون "عفوية أو عرضية"، وإن قوات التحالف الذي تقوده واشنطن "لا يمكن أن تقصف موقعا من دون وجود معلومات استخباراتية موثوقة حول طبيعة المكان ومن يسيطر عليه".

وأضاف ميخائيل "لا أستبعد أن يكون هذا الحادث مدبرا من أجل زيادة الضغوط على روسيا والنظام السوري من أجل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار".

وكانت الولايات المتحدة وروسيا قد توصلتا إلى اتفاق الأسبوع الماضي هو الثاني من نوعه خلال عام لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا. غير أنهما اختلفتا حول بنوده التي لم يتم كشفها حتى الآن.

لكن الجنرال كيميت يستبعد أن يكون الحادث مقصودا، ويعتقد أن "روسيا لا يجب أن تستغل الحادث للتراجع عن ما تم الاتفاق عليه".

وبعيدا عن التصريحات والأمنيات فإن الوقائع على الأرض تشير إلى أن النظام السوري استغل الحادث للإعلان عن انهيار الهدنة، ليتراجع مرة أخرى عن تعهداته بوقف براميله المتفجرة التي تنهال على المدنيين وفك حصاره عن آلاف المدنيين مدعوما بالمظلة الروسية. 

المصدر : الجزيرة