روسيا تبحث عن نفوذها الضائع بالقرن الأفريقي

أبعاد الصمت الأميركي على اقتراب الحوثيين من باب المندب
خبراء وسياسيون أفارقة قالوا إن العودة الروسية إلى القرن الأفريقي تسعى لحماية تجارتها الدولية بمنطقة إستراتيجية (الجزيرة)

شهدت السنوات الثلاث الماضية عودة قوية للاهتمام الروسي بالقارة السمراء، خاصة منطقة القرن الأفريقي، وتسعى موسكو لاستعادة مناطق نفوذها القديم في القارة بعدما غابت عنها عقب انتهاء الحرب الباردة مع غريمتها واشنطن.

ورأى خبراء وسياسيون أفارقة أن العودة الروسية تأتي رغبة من موسكو في حماية تجارتها الدولية بمنطقة إستراتيجية بحركة الملاحة الدولية، وحاجتها إلى حشد التأييد الأفريقي لمواقفها من الأزمتين الأوكرانية والسورية.

وبرزت ملامح الاهتمام الروسي بالقارة السمراء في الفترة الأخيرة بتعيين سفراء جدد في دولة جنوب السودان وجيبوتي بعد طول غياب، وعقد ما يشبه الشراكات والتحالفات مع دول أخرى، والتدخل لحلحلة أزمات سياسية في القارة.

ففي مصر توطدت العلاقات بين موسكو والقاهرة بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في العامين الماضيين وهذا العام تونس وإثيوبيا والجزائر.

وتهتم موسكو أكثر بمنطقة القرن الأفريقي (الصومال، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا) كونها تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، لأن دول هذه المنطقة تتحكم في طريق التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط العالمية.

وتعتبر المنطقة المذكورة ممرا مهما لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة باتجاه منطقة الخليج العربي، والسيطرة عليها تعني السيطرة على ممرات مائية وبحرية حيوية وإستراتيجية.

حلفاء
الدبلوماسي الصومالي السابق عبد الله طاهر رأى في اعتماد روسيا سفيرا لها في جيبوتي والصومال مؤشرا على اهتمامها المتزايد بالمنطقة، وقال للأناضول إن الصومال كان حليفا إستراتيجيا لروسيا في السبعينيات من القرن الماضي، وكانت موسكو حليفة إستراتيجية لنظام منغستو السابق في إثيوبيا، ولذلك تحمل التحركات الروسية الأخيرة بالمنطقة رسائل على رغبة في العودة بقوة إلى المنطقة من جديد.

وبخصوص أسباب العودة رأى طاهر أن اهتمام روسيا بمنطقة القرن الأفريقي "يعد تطورا مهما يعكس التنافس بينها وبين واشنطن وروسيا"، غير مستبعد أن يكون التحرك الروسي الجديد في المنطقة مرتبطا بالصراع المحتدم في الشرق الأوسط بين موسكو وقوى شرق أوسطية، خاصة بشأن الملف السوري.

وسبق للسفير الروسي الجديد لدى جيبوتي والصومال سيرغي كزندسوف أن قال عقب تسليم أوراق اعتماده للرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله في الـ17 من مارس/آذار الماضي إن روسيا "تسعى لأن تكون شريكا رئيسيا في منطقة القرن الأفريقي"، واعدا بأن تساهم بلاده في تحقيق الاستقرار والتنمية والسلام بالمنطقة، خاصة أنها تملك قاعدة بحرية في المحيط الهادئ.

الدبلوماسية الروسية تسعى لنيل دعم الدول الأفريقية في الملفين السوري والأوكراني (الجزيرة)
الدبلوماسية الروسية تسعى لنيل دعم الدول الأفريقية في الملفين السوري والأوكراني (الجزيرة)

وقال أستاذ القانون في جامعة أديس أبابا محمد حبيب إن روسيا بدأت تعود بقوة إلى القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط عبر تدخلها في الأزمة السورية، واليوم تقدم دعمها لدول القرن الأفريقي في محاربة "الإرهاب" العابر للحدود.

واعتبر في تصريح لوكالة الأناضول أن الدبلوماسية الروسية نجحت في استضافة اجتماع في موسكو لوزير خارجية السودان إبراهيم غندور ووزير خارجية دولة جنوب السودان رنابا ماريال بنجامين في سبتمبر/أيلول الماضي.

وأشار حبيب إلى أن روسيا تسعى لإقامة منتدى تعاون أفريقي روسي، وحشد التأييد الأفريقي لصالح موقفها في الأزمتين الأوكرانية والسورية.

وأوضح أن وزير الخارجية الروسي لافروف توصل خلال زيارته الأخيرة لمقر الاتحاد الأفريقي إلى تفاهمات مع رئيسة مفوضية الاتحاد نكوسازانا دلاميني زوما لدعم مواقف موسكو الاتحاد في الأمم المتحدة مقابل دعم الاتحاد الأفريقي موسكو بالتصويت ضد أي مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة التدخل الروسي بأوكرانيا.

 منافسة قوية
وفي السياق نفسه، بين أستاذ الإعلام والصحافة في جامعة أديس أبابا زريهون كبدي أن لروسيا خدمات متنوعة يمكن أن تقدمها لأفريقيا لن تقتصر على صفقات التسليح فقط، بل تشمل التكنولوجيا النووية والتعاون الأمني وتكثيف المبادلات التجارية والمساعدة على حل الأزمات في القرن الأفريقي من خلال موقعها بمجلس الأمن الدولي.

لكن السؤال المطروح: هل يمكن لروسيا استرجاع نفوذها بالقارة السمراء بعدما تغلغلت فيها الصين والهند والبرازيل وتركيا التي بات لها نفوذ اقتصادي قوي بالقارة السمراء، خاصة الصين التي باتت الدولة الأولى في التمويل الدولي للقارة؟

 

المصدر : وكالة الأناضول