"قوات سوريا الديمقراطية".. جيش الأكراد بسوريا

صورة لقوات سوريا الديمقراطية اثناء المعارك
قوات سوريا الديمقراطية تأسست في يناير/كانون الثاني 2015 وتقول إنها تسعى إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية (الجزيرة)

مع إعلان ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" عن عملية غضب الفرات في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بهدف "تحرير" مدينة الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية، جددت الولايات المتحدة عبر منسقها في التحالف الدولي بيرت ماكغورك تأكيدها أن "القوة التي ستدخل المدينة ستكون عربية وليست كردية"، وهو ما أكده لاحقا صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، النسخة السورية من العمال الكردستاني التركي.

المعلومات المتداولة، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، أن دورا رئيسيا في معارك استعادة الرقة ينتظر فصيلا جديدا في الساحة الإعلامية وهو "لواء صقور الرقة"، الذي يضم نحو ألف مقاتل، إضافة لما يسمى بالتحالف العربي السوري، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية تبقى العنوان العريض والحاضن الرئيسي لهذه التشكيلات.

وتطرح هذه المعطيات غير الجديدة سؤالا عن الحرص الأميركي الدائم على تأكيد وجود "قوة عربية" جاهزة للتوغل هنا وهناك، أو بشكل أدق ما الذي تخشاه الولايات المتحدة لدى الإعلان صراحة أن حليفها البري الأبرز، أي الوحدات الكردية، هو من سيدخل الرقة؟ وهذا السؤال هو ما أفضى إلى ضرورة التحقيق في البنية الحقيقية لقوات سوريا الديمقراطية، ودور هذه القوات ووزنها الميداني والعسكري على الأرض، وليس في فضائي السياسة والإعلام.

‪قوات سوريا الديمقراطية تقول إنها تضم عرقيات مختلفة لكن الواقع يؤكد أن أغلبيتها أكراد‬  (الجزيرة)
‪قوات سوريا الديمقراطية تقول إنها تضم عرقيات مختلفة لكن الواقع يؤكد أن أغلبيتها أكراد‬  (الجزيرة)

العرب أداة
وتأسست قوات سوريا الديمقراطية في يناير/كانون الثاني 2015، وتُعرّف عن نفسها بأنها "تحالف كردي وعربي وسرياني وأرمني وتركماني، يسعى إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية، وإنشاء سوريا ديمقراطية علمانية"، وبعد رحلة استقصاء وبحث، فإن من السهل اكتشاف انتفاء صفة "التحالف" عن هذه القوات، بل تظهر "تبعيتها" للمكون الكردي من بقية المكونات المشكِّلة لهذه القوات، ومنها المكون العربي.

الفصائل العربية المؤسسة حينها لتلك القوات هي ثوار الرقة، وألوية الجزيرة، ولواء التحرير، وقوات الصناديد.

ووفق المعلومات التي تسنى للجزيرة نت الحصول عليها، فإن "ألوية الجزيرة" ليست سوى مسمى على الورق وليس تشكيلا عسكريا بالمعنى المعروف، ويُقصد به المقاتلون العرب ضمن وحدات الحماية الكردية، وتعداد هؤلاء ليس ذا قيمة بالنظر إلى توزيعهم في مساحات واسعة، وإن وجدت مجموعات عربية فيجب أن يقودهم بالمقابل قائد عسكري كردي، يكون في أغلب الأحيان "كادرا"، أي ممن تلقى تدريبا بدنيا وعقائديا في جبال قنديل.

أما كل من فصيلي ثوار الرقة ولواء التحرير فتمت تصفيته وتهميشه بالكامل، وهي تشكيلات مقاتلة معارضة للنظام السوري، وخاضت معارك ضده وضد تنظيم الدولة على السواء، كما كان لثوار الرقة دور ملحوظ في معارك عين العرب (كوباني).

وأما "قوات الصناديد" وهي قوة عربية عشائرية (من عشيرة شمّر الشهيرة)، فتتميز بعتاد متوسط وتعداد جيد نسبيا، لكنها انحسرت إلى مناطق تمركزها وعند الحدود العراقية السورية، ويقودها حميدي دهام الجربا الذي كوفئ بمنصب اعتباري فيما تعرف بالرئاسة المشتركة لمشروع الإدارة الذاتية في مناطق سيطرة الوحدات الكردية، وكان آخر تصريح لافت له يعكس عمليا التوجه السياسي لقواته عبر دعوته في أحد المؤتمرات رأس النظام السوري بشار الأسد لزيارة الحسكة حتى "يرى ما تم تحقيقه من إنجازات" وفق تعبيره، مخاطبا إياه بـ"السيد الرئيس".

أما جيش الثوار فيحسب على الجيش السوري الحر المعارض الذي يتألف من 11 فصيلا، ويوجد بشكل أساسي في ريف حلب الشمالي، ومعظم قادته وعناصره ممن نكلت بهم جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) في ريف إدلب. ووجود هذه القوات في الضفة الغربية لنهر الفرات المقابل للرقة ضعيف، فبعض هذه الفصائل كان يتألف حين الإعلان عنه من مؤسسها فقط، كما هي حال لواء السلاجقة.

وتأسيسا على ما سبق، فإن المسميات التي يجري الترويج لها كصقور الرقة والتحالف العربي السوري، تقترب من المبالغة في العدد والقوة، ولها دور وظيفي واحد يتمثل في توفير الغطاء السياسي الملائم للمضي قدما في أي معارك خارج مناطق سيطرة الوحدات الكردية، وخصوصا أن الولايات المتحدة تقود هجوما بنحو مئة ألف مقاتل في عاصمة التنظيم في العراق (الموصل)، وتقول إنها معركة "صعبة"، في وقت تروج لاقتحام عاصمة التنظيم في سوريا بقوات عربية لا تتجاوز -وفق تقديرات الأميركيين أنفسهم- بضع مئات.

من يقود قوات سوريا الديمقراطية؟
يقود قوات سوريا الديمقراطية مجلس قيادة "صوري"، الكلمة الفصل فيه لشاهين جيلو المعروف باسم "مظلوم" أو "الخال"، وهو من كرد تركيا ومن كوادر حزب العمال الكردستاني التركي البارزين، وهو عمليا القائد الفعلي لقوات الحماية الكردية والقائد الأول للساحة الكردية في سوريا.

ويتبع بشكل مباشر للقيادي الكردي البارز في حزب العمال الكردستاني باهوز أردال. ويقود جيلو قادة عسكريين (قائد جبهة لكل منطقة) يشكلون المرجعية الرئيسية لقيادات الإدارة الذاتية، وحتى قوات الأمن (الأساييش).

يقول قائد لواء التحرير ومسؤول العلاقات العامة المنشق عن قوات سوريا الديمقراطية عبد الكريم عبيد "كنت من الدائرة الضيقة في قيادة قوات سوريا الديمقراطية، نحضر اجتماعات التحالف الدولي لكن كجزء من البروتوكول، أما تنسيق العمليات فيتم حصرا مع قائد القوات شاهين جيلو ونائبه "قهرمان" (وهو أيضا من حزب العمال الكردستاني)، وكنا نبلغ بأي قرار قبل تنفيذه بساعات فقط".

ويضيف عبيد للجزيرة نت أن "هناك منعا تاما لحصول الفصائل العربية على السلاح الثقيل، بل حتى القناصات والذخيرة الاحتياطية، وما عدا ذلك فهو للاستهلاك الإعلامي، فأي فصيل عربي بالكامل يحاول استقطاب المزيد من المقاتلين ليشكل قوة فاعلة مستقلة يجري تهميشه وتصفيته فورا".

من جهته، يؤكد الكاتب والمحلل الإستراتيجي عبد الناصر العايد أن نسبة العرب فيما تسمى قوات سوريا الديمقراطية لا تتعدى 3%، وليس لهم أي سلطة أو قرار، لأن مواردهم وتسليحهم بالكامل من قبل الطرف الكردي الذي يسيطر على منابع النفط من ناحية، ويحتكر العلاقة بالداعمين الأميركي والأوروبي من ناحية أخرى، "من يسيطر على الموارد والدعم هو من يأمر ويتحكم".

وأضاف العايد للجزيرة نت أن الولايات المتحدة تتجنب نشأة قطب عسكري سياسي لا يمكن تجاهله في التسويات المنتظرة، وهو غير مقبول في ظل التصورات الحالية للحل، التي ترمي لإبقاء نظام الأسد، وهو هدف لا يهدده الأكراد الذين لا تتعارض مخططاتهم مع مخططات النظام في الوقت الراهن.

وختم بقوله إن تغييب هذه المنطقة (أي مناطق سيطرة الوحدات الكردية) وعدم السماح بقيام سلطة اجتماعية سياسية فيها، سيجعلها الخزان البشري الأكثر ثراء لتنظيم الدولة أو التنظيمات التي ستظهر لو تم تفكيكه.

المصدر : الجزيرة