الرقة أول مدينة عربية تسمى "عاصمة"

A boy walks past a sign which reads 'Islamic State in Iraq and Syria' as fighting continues between the Syrian Democratic Forces and Islamic State militants in Raqqa, Syria, August 20, 2017. REUTERS/Zohra Bensemra
تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يحتل الرقة ويعتبرها عاصمة له (رويترز)
عاصمة الخلافة العباسية لفترة وجيزة في القرن الثامن الميلادي، وآخر معاقل المملكة العربية السورية ما بين 1920 و1921، وفي صدارة الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد قبل أن تقع ضحية تنظيم الدولة الإسلامية، تلكم هي مدينة الرقة السورية.

تلك المدينة الواقعة على هامش الهلال الخصيب، والتي ظلت مدينة أشباح إلى أن أقام العثمانيون فيها حصنا عسكريا عام 1864 لتأمين طريق الفرات إلى بغداد، مما مهد لجعل المنطقة تعيش طفرة اقتصادية أولى حول ثقافة القطن، بدأها التجار الحلبيون الذين استفادوا من ارتفاع أسعار القطن العالمية خلال الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865).

أهمية هذه المدينة وتاريخها كانا محل اهتمام من صحيفة لوموند الفرنسية التي اعتمدت في تقرير لها عن هذه المدينة على مقابلة مع الباحثة المساعدة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى الدكتورة مريم عبابسة.

يتعايش في هذه المدينة -الواقعة على الفرات على بعد ستمئة كيلومتر من العاصمة السورية دمشق– على مرّ تاريخها: العرب والآشوريون والكرد، وظل الجميع في مرحلة معينة من تاريخ المدينة يدفعون "ضريبة الأخوة" لقبيلة فدعان عنزة، إلى أن أنشأ الفرنسيون -خلال فترة انتدابهم على سوريا– أول بنك للقرض الزراعي لتحرير المزارعين الصغار من الإقطاعيين الكبار.

ثم جاء "مشروع الفرات" بدعم مالي وتقني من الاتحاد السوفياتي، وأقيمت ثلاثة سدود على الفرات من بينها "سد الطبقة" الذي اعتبر حينها الأكبر في العالم، ونتج عن هذا الوضع الجديد مزيد من التنوع السكاني في الرقة مع قدوم المهندسين السوريين من مناطق أخرى، ومع ما تم من ترحيل للسكان بسبب بناء السدود.

لكن مشروع الفرات لم يصحبه تطوير صناعي، فلم ينشأ مثلا أول مصنع لحلج القطن إلا عام 2004، لتظل الرقة أفقر محافظات سوريا وأكثرها أمية، مما جعل المثقفين السوريين يتهمون السلطات بأنها تتعامل مع الرقة كما لو كانت "مستعمرة داخلية" في سوريا، تُنهَب لمصلحة السلطات الفاسدة.

الرقة والربيع العربي
ورغم ذلك ظلت الرقة في بداية "الربيع العربي" هادئة نسبيا وكانت كثافة القتال فيها ضئيلة، لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ تمكنت المعارضة من السيطرة عليها في الثاني من مارس/آذار 2013، وبدأ السكان تنظيم أنفسهم بأنفسهم، فوزعوا الخبز وجمعوا القمامة ورسموا ألوان علم الثورة على جدران المدينة، وتُوج ذلك بإعلان الرقة عاصمة للثورة السورية.

فرح سكان الرقة كثيرا بالوضع الجديد واعتبروه محل فخر لهم، لكن تلك الفرحة لم تدم طويلا إذ احتل مقاتلو تنظيم الدولة الرقة في 15 سبتمبر/أيلول 2013 وأعلنوها عاصمة لـ"دولتهم" في العراق والشام لتخضع المدينة منذ ذلك لحكمهم.

وترجع الدكتورة مريم عبابسة اختيار تنظيم الدولة للرقة عاصمة له لأسباب تكتيكية وأخرى رمزية، إذ لم تكن تحظى بانتشار عسكري كثيف لقوات النظام السوري.

أما من الناحية الرمزية فالرقة تحتل مكانة مهمة في التاريخ، فهي -بحسب المؤرخ الطبري- أول مدينة في التاريخ العربي يطلق عليها اسم: "عاصمة"، كما تضفي عليها صورتها الأدبية طابعا ميتافيزيقيا، إذ توصف في الأدب العربي الكلاسيكي بأنها إحدى أربع مدن هي الأجمل في العالم، وهي -إضافة إلى الرقة- دمشق وسمرقند ومدينة راي بالقرب من طهران.

المصدر : لوموند