استقطبت 200 ألف مشارك فقط.. ما أسباب عزوف التونسيين عن المشاركة في الاستشارة الإلكترونية؟

أعرب وزير الشباب والرياضة كمال دقيش عن أمله في ارتفاع نسبة المشاركة في الاستشارة خلال الأيام القادمة، لرصد اهتمامات التونسيين في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، معتبرا أنها شفافة وتتم عبر آليات تضمن المشاركة بهوية مخفية من أجل الحماية الشخصية للمواطنين

صور لإطلاق "الاستشارة الإليكترونية" في تونس - المصدر: وزارة تكنولوجيا الاتصالات
"الاستشارة الإلكترونية" في تونس أطلقت في يناير/كانون الثاني الماضي ويفترض أن تغلق في 20 مارس/آذار المقبل (وسائل التواصل)

تونس- على الرغم من دعوة السلطات التونسية التلاميذ البالغين 16 عاما فما فوق وكذلك التونسيين المقيمين بالخارج للمشاركة في الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها الرئيس قيس سعيد منذ أكثر من شهر فإن الإحصاءات المحدودة المتوفرة أظهرت عزوفا عن المشاركة -خصوصا من الشباب- في المناطق الداخلية الفقيرة.

ولا يبدو أن الاستشارة -التي أُطلقت لرصد توجهات التونسيين بقصد تغيير النظام السياسي والدستور أساسا- تسير طبقا لما أراده الرئيس سعيد، إذ تشير البيانات الرسمية المعلنة أحيانا والغائبة أحيانا أخرى بسبب "الخلل التقني في منصة الاستشارة" إلى أن الأخيرة لم تستقطب سوى عدد محدود من المشاركين، مما هز مصداقيتها ونجاعتها في نظر البعض.

ولم يتبق على موعد إغلاق البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية -التي أطلقتها وزارة تكنولوجيات الاتصال- سوى شهر واحد، حيث يفترض أن تنتهي يوم 20 مارس/آذار المقبل تزامنا مع ذكرى الاستقلال، ولكن إلى الآن لم تنجح في تحقيق سوى مشاركة نحو 200 ألف شخص.

الشاوشي قال إن في الاستشارة الإلكترونية الحالية تحيّلا على التونسيين (الجزيرة)

"عملية تحيّل"

يقول الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي إن الاستشارة لم تنجح في جذب التونسيين للمشاركة فيها، ولا سيما في المناطق النائية والمهمشة التي قامت بالثورة، مشيرا إلى وجود مقاطعة شاملة للاستشارة من أغلب الأطراف السياسية بما فيها الداعمة للرئيس، والتي لم تحفّز أنصارها على المشاركة.

ولا يرى الشواشي أي مشكلة في استشارة التونسيين في القضايا المتعلقة بالشأن العام من حيث المبدأ، بيد أنه يصف الاستشارة الإلكترونية الأخيرة بعملية "تحيّل" على التونسيين، بدعوى أنها تتضمن أسئلة "موجهة من قبل فرق فنية مجهولة، بهدف استخلاص إجابات تهدف لإضفاء شرعية على مشروع الرئيس".

ويقول الشواشي للجزيرة نت "لقد وضعوا إجابات موجهة على المقاس لتصب في خانة مشروع الرئيس الذي يسعى إلى صياغة دستور جديد وتكريس نظام رئاسي ونظام انتخابي".

وبتقديره، فإن "القائمين على الاستشارة وظفوا كل إمكانيات الدولة البشرية والمادية وقاموا بحملات وإعلانات دون لفت انتباه التونسيين للمشاركة".

ومع حلول ذكرى عيد الاستقلال الوطني في 20 مارس/آذار المقبل (موعد إغلاق الاستشارة) لا يتوقع الشواشي أن يشارك أكثر من 400 ألف شخص فيها من جملة نحو 8 ملايين تونسي يحق لهم الانتخاب، ومن إجمالي نحو 12 مليون تونسي هم تعداد الشعب عامة، مما يجعلها مجرد مسرحية لا تستند إلى تمثيل شعبي.

مصير الانتخابات وهيئتها

ورغم ذلك يستمر الرئيس التونسي في رفض سياسة الأمر الواقع، ويدير ظهره للدعوات المطالبة بإلغاء الحالة الاستثنائية، وفق الشواشي.

ويرجح الشواشي أن يشكل سعيد لجنة موالية لمشروعه السياسي من أجل "صياغة تأليفية لإجابات التونسيين عن أسئلة الاستشارة قبل إنجاز الاستفتاء".

وكان الرئيس سعيد قد دعا التونسيين للتصويت على استفتاء في 25 يوليو/تموز 2022، ويتضمن بالأساس تغيير النظام السياسي بالدستور الحالي (برلماني معدل) وتغيير قانون الانتخابات، على أن يتم تنظيم انتخابات تشريعية بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري.

ولا يستبعد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي تأجيل الانتخابات نظرا لضيق الوقت، ولما تتطلبه عملية الانتخابات من إعداد مادي ولوجستي، موضحا أن الحكومة لم تبدأ بعد الاستعدادات اللوجستية للانتخابات، فيما لم تتم دعوة الهيئة العليا للانتخابات للإشراف على العملية، دون أن يستبعد حلها وتشكيل لجنة أخرى.

دعوة لتشكيل هيئة جديدة

في المقابل، يقول الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي (أحد الداعمين للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021) إن الهيئة العليا للانتخابات الحالية أثبتت من خلال تجربتها السابقة أنها لا تؤتمن على تنظيم انتخابات نزيهة بسبب سكوتها عن جرائم انتخابية عديدة.

ويقول حمدي للجزيرة نت إن تركيبة هيئة الانتخابات الحالية تتضمن أعضاء موالين لأطراف سياسية، معربا عن رغبته في أن يتخذ الرئيس التونسي إجراءات سريعة لتعيين هيئة "تؤتمن على الاستفتاء والانتخابات القادمة عقب الانتهاء من معرفة خيارات التونسيين بشأن النظام السياسي والقانون الانتخابي".

حوار أفقي

وحول مدى تمثيل الاستشارة الإلكترونية لرصد خيارات التونسيين، اعتبر حمدي أنه إجراء يمكن الاستئناس به لمعرفة المزاج العام للتونسيين، لكنه أكد في المقابل أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن تنظيم حوار وطني أفقي يشارك فيه الأغلبية من مختلف المناطق، خاصة المهمشة.

وأوضح أن ما يقصده بمصطلح الحوار الأفقي هو الإشراك الحقيقي للكفاءات لأجل دعم الاستشارة الإلكترونية وليس لإعادة استنساخ ما وصفها بحوارات "الريع السياسي" السابقة، والتي قال إنها لا تعكس إرادة الشعب لأنها تضم مجموعة من السياسيين الذين يتقاسمون السلطة والنفوذ.

وكان وزير الشباب والرياضة كمال دقيش أعرب -في تصريح إعلامي- عن أمله في ارتفاع نسبة المشاركة في الاستشارة خلال الأيام القادمة، لرصد اهتمامات التونسيين في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، معتبرا أنها شفافة وتتم عبر آليات تضمن المشاركة بهوية مخفية من أجل الحماية الشخصية للمواطنين.

وقال دقيش إن الاستشارة الإلكترونية تضمنت أسئلة عامة حول الشأن السياسي والقضائي والمالي والاجتماعي والصحي موجهة بلغة مبسطة لكافة التونسيين، وجرى إعدادها من اختصاصيين وباحثين في علم الاجتماع، ثم تمت إعادة صياغتها لتبسيطها من قبل لجنة تضم عدة وزارات.

وكشف وزير الشباب والرياضة أن اللجنة المكلفة بصياغة مخرجات الاستشارة الإلكترونية ستتكون من ثلة من الخبراء في العلوم السياسية والإحصاء وعلم الاجتماع وعلم النفس، وسيتم تعيين اللجنة بموجب مرسوم رئاسي وينطلق عملها من 20 مارس/آذار المقبل إلى موعد الاستفتاء في يوليو/تموز.

وتشهد تونس أزمة سياسية غامضة منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، منها تجميد البرلمان، وإقالة الحكومة، وإصدار التشريعات بالمراسيم، ويتهم المعارضون قيس سعيد بالتفرد بكل السلطة وتقويض الديمقراطية، فيما ينفي الرئيس تلك التهم.

المصدر : الجزيرة