بدءا من إشكالات تحالفها.. حكومة "التغيير" الإسرائيلية بمواجهة قضايا داخلية وخارجية شائكة

محللون: القضية الفلسطينية ستضع الحكومة الجديدة على المحك، خاصة أنه لا توجد أي قواسم مشتركة بين الأحزاب المشاركة فيها وما يجمعها قاسم مشترك واحد، وهو الإطاحة بنتنياهو

النفير والرباط سلاح الفلسطينيين للدفاع عن الأقصى والمقدسات
الوضع في القدس من أبرز التحديات التي تواجه حكومة "بينيت - لبيد" (الجزيرة نت)

تمثل القدس بوابة التحديات الأمنية والسياسية والإقليمية للحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت، وقد تكون كذلك حتى عندما تصطدم بالقضايا الداخلية العالقة، ما يعني أن حالة "الاستقرار" المؤقتة التي قد ترافق الحكومة من شأنها الانفجار دون سابق إنذار، بسبب القضية الفلسطينية، ونهج المعارضة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو.

وفي ظل تسارع الأحداث والتحولات بالمشهد السياسي الإسرائيلي، ستكون التحديات سواء الداخلية أو الأمنية الخارجية والإقليمية متدحرجة دون أن تكون ذات معالم واضحة، بحيث إن عنصر المفاجأة سيبقى هو الحكم، كما أن المشهد سيكون ضبابيا -وفق مراقبين- كون "حكومة التغيير" برئاسة بينيت بالتناوب مع رئيس "هناك مستقبل"، يائير لبيد، غير متجانسة فكريا وسياسيا، لا في القضايا الداخلية ولا في الملفات الخارجية.

وعلى الرغم من ضبابية المشهد بشأن نهج واستمرار الحكومة، فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستكون رهينة عوامل أبرزها القدس والقضية الفلسطينية التي عادت مجددا للوعي العربي والعالمي، إضافة للعوامل الداخلية ممثلة بكتلة المعارضة واليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى جاهدا لإسقاط الحكومة والعودة لحقبة نهج وسياسة نتنياهو.

ويُجمع المحللون على أن الحكومة الجديدة ستعتمد سياسة الهروب إلى الأمام، عبر التركيز على معالجة كل تحدٍّ داخلي بشكل منفصل، بينما التحديات الأمنية، فيتفق المحللون على أنها "ستزاح جانبا وكأنها غير قائمة"، وهي الوسيلة التي ستعتمدها الحكومة الجديدة للحفاظ على تماسكها واستمراريتها لأطول فترة ممكنة، حيث لا يوجد ما يجمع أقطاب هذه الحكومة، ولا يوجد لديها أية أجوبة للتحديات.

Israeli Prime Minister Naftali Bennett and some of his government attend its first cabinet meeting in the Knesset, Israel's parliament, in Jerusalem
الائتلاف الحكومي الجديد يطبعه عدم التجانس والتناقض الفكري والسياسي (رويترز )

اختبار التحديات

وفي قراءة للتحديات التي تواجه الحكومة الإسرائيلية وكيفية التعامل معها، يعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، أن الجانب الفلسطيني عدا عن المعارضة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، سيكون صاحب القول الفصل بكل ما يتعلق بحجم التحديات خاصة المتعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الإقليمية، علما أن حكومة "بينيت – لبيد" ستعمد إلى ترحيل التحديات الإقليمية وتركز جل اهتمامها على القضايا الداخلية العالقة.

وأوضح شلحت في حديثه للجزيرة نت أن القضية الفلسطينية ستضع الحكومة الجديدة على المحك وفي اختبار التحديات، علما أنه لا يوجد أي قواسم مشتركة بين الأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي، وما يجمعها قاسم مشترك واحد، وهو الإطاحة بنتنياهو وتغيير سياسته ونهجه خاصة بالقضايا الداخلية، وهو السلاح الذي سيوظفه نتنياهو ضد الحكومة محاولا إسقاطها.

ويرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أن "ما عدا التوافق بين أحزاب كتلة التغيير على استبدال نتنياهو، فإن الأجندة والأيديولوجية والفكر السياسي وحتى الخطوط العريضة للحكومة متباعدة ومتحولة".

ولتعزيز الطرح الذي يظهر التناقضات الفكرية والسياسية وعدم التجانس بين مركبات الائتلاف الحكومي الجديد، استدل شلحت بالقضية الفلسطينية التي تتباين مواقف جميع الأحزاب الائتلافية بشأنها، مستشهدا بالموقف المبدئي لرئيس الحكومة الجديد بينيت، الذي يؤمن بأرض إسرائيل للشعب اليهودي على كل فلسطين التاريخية ويدعم المشروع الاستيطاني والضم، بينما رئيس الحكومة بالوكالة لبيد، على الأقل يصرح بأنه مع حل الدولتين ويعارض بالعلن الضم للضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.

الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت: الحكومة الجديدة ستتعثر قبالة القضية الفلسطينية
أنطوان شلحت: أبرز التحديات التي لا تحتمل التأجيل ملفات غزة والقدس والاستيطان (الجزيرة نت)

الحراك المقدسي

واستعرض شلحت أبرز التحديات التي لا تحتمل التأجيل كملف غزة ليس فقط من باب إعادة الإعمار وإنما رفع الحصار وتثبيت تهدئة طويلة الأمد، وكذلك ملف القدس والاستيطان.

وبالتالي، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي إن "تفاعل هذه التحديات منوط برد الفعل والاحتجاجات الفلسطينية والحراك المقدسي على وجه الخصوص"، مستبعدا أن تقوم هذه الحكومة بأي إجراءات متطرفة على الصعيد الفلسطيني أو الإقليمي من أجل ضمان استمراريتها.

ويعتقد أن الحكومة الجديدة ستتعثر قبالة القضية الفلسطينية، مؤكدا أنه لا توجد نقطة إجماع واحدة بين أحزاب الائتلاف الجديد بشأن الملف الفلسطيني، ومشيرا إلى أن بينيت الذي لم يؤيد العودة لطاولة المفاوضات قد يجد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تدعم المفاوضات، لكن في المقابل، بالجانب الفلسطيني يتم رفع سقف المطالب بحيث إن العودة لطاولة المفاوضات ليس بأي ثمن.

وللهروب من فخ تحديات القضية الفلسطينية، يقدر شلحت أن الحكومة الجديدة ستسعى للتركيز على معالجة الأوضاع الداخلية والملفات الاقتصادية الاجتماعية وتداعيات جائحة كورونا على سوق العمل، مشيرا إلى أن نجاح الحكومة بمعالجة الأوضاع الداخلية يشكل ضمانا لبقائها واستمرارها، بحيث إن أي فشل وإخفاق بمعالجة القضايا الداخلية العالقة يؤكد أنه لا يوجد أي مبرر لاستمرار ووجود مثل هذه الحكومة.

روح التغيير

وفي الجانب الإسرائيلي، يعتقد المحلل السياسي، عكيفا إلدار أن هناك إجماعا إسرائيليا حتى في المعارضة على أن حكومة "بينيت – لبيد"، بتشكيلتها ومبادئها التوجيهية، ليست الخيار المثالي لمكوناتها اليسارية أو اليمينية، لكن ثمة من يرجح أن تشكيل حكومة التغيير بكل ما تضم من تناقضات بمثابة الخطوة الأولى لمواجهة تحديات أزمة تشكيل الحكومة، وعليه هي أفضل من جر البلاد لجولة خامسة من الانتخابات من شأنها أن تديم المأزق السياسي.

ويعتقد المحلل السياسي أن الحكومة الجديدة تواجه اختبار ما رفعته من أجندة تحمل شعارات "روح التغيير وبشائر التصحيح"، وهي من أهم التحديات التي تواجهها، مشيرا إلى أن بداية التغيير يجب يكون من تلال "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) -بالإشارة لتمركز المستوطنين- ومؤكدا أن رسالة من أجل التغيير يجب أن تبرق بشكل علني وواضح من ديوان رئيس الوزراء بينيت، وديوان وزير الدفاع، بيني غانتس حتى آخر جندي في الضفة الغربية المحتلة.

وأوضح إلدار للجزيرة نت أن التحدي الأبرز هو القضية الفلسطينية ومختلف تفاصيلها في القدس وقطاع غزة، مشيرا إلى أنه رغم أهمية التحديات الأمنية والسياسية والنووي الإيراني والملف السوري، فإن الملف الفلسطيني يبقى هو الأهم إلى جانب ملفات وتحديات داخلية مترابطة ومتشابكة.

المحلل السياسي، عكيفا إلدار: الحكومة الجديدة ليست الخيار المثالي لمكوناتها اليسارية أو اليمينية
المحلل السياسي، عكيفا إلدار: الحكومة الجديدة ليست الخيار المثالي لمكوناتها اليسارية أو اليمينية المتنافرة (الجزيرة نت)

الفزاعة الإيرانية

ويعتقد إلدار أن نتنياهو المحرك الأساس لوضع الحكومة الجديدة أمام التحديات أو حتى قبالة حقول الألغام بمختلف القضايا الداخلية ولعل الأبرز فزاعة النووي الإيراني التي سيلوح بها من خلال كرسي المعارضة، وهذا ما قد يبقي على الحكومة متماسكة دون أي مغامرات، لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي، مؤكدا أن الحكومة لا يمكن أن تصمد بحال غاب نتنياهو عن المشهد السياسي أو تمت الإطاحة به من رئاسة حزب الليكود.

لكن نتنياهو، يقول إلدار "أعلن الحرب على الحكومة الجديدة، حيث يتمتع بدعم من المؤيدين المتحمسين وجيش من الداعمين بمعسكر اليمين، وعضو الكنيست إيتمار بن غفير القنبلة الموقوتة بالقدس، وهذا التحدي الأكبر لحكومة التغيير التي تتعرض لتحريض ممنهج من قبل نتنياهو".

وأوضح المحلل السياسي أن نتنياهو يسعى لنزع الشرعية عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة وإسقاطها، عبر تعمده تقديم مشاريع خلافية تتعلق بيهودية الدولة، والاستيطان، وعلاقة الدين بالدولة وضم الأراضي الفلسطينية، وهي قضايا وقوانين تتفق معها غالبية الأحزاب المشاركة بالائتلاف الجديد.

المصدر : الجزيرة