حكومة جديدة بإسرائيل.. رهينة للتناقضات واستمرارها منوط بنتنياهو

يعتقد متحدث باسم حركة "السلام الآن" أن مسيرة حكومة بينيت الجديدة ستكون شائكة، ويبدو مستقبلها هشّا، فهي "غير مستقرة وقابلة للانهيار في أية مرحلة".

Israeli Parliament Votes On A New Government
رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت (يمين) ووزير الخارجية يائير لبيد في جلسة التصويت على الائتلاف الحكومي الجديد بالكنيست مساء الأحد (غيتي)

عكست مشاهد الصراخ ومقاطعة أعضاء الكنيست من حزب الليكود والتيارات الحريدية والصهيونية الدينية خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، خلال تنصيب الحكومة الجديدة، أزمة القضايا الداخلية الحارقة التي تتفاعل وتهيمن على الساحة السياسية والحزبية، وعمق الشرخ بين الإسرائيليين.

ورغم الهجوم غير المسبوق على رئيس الوزراء الجديد خلال مراسم تنصيب الحكومة الجديدة التي حظيت بثقة 60 من أعضاء الكنيست ومعارضة 59، فإن بينيت بدا هادئا في خطابه الذي عكس عمق التناقضات داخل الائتلاف الحكومي الجديد، وما يواجهه من تحديات سياسية وفكرية بالقضايا الداخلية والخارجية، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل على أعتاب مرحلة سياسية جديدة.

ولتجاوز المشاهد التي وصفت من قبل بعض الإسرائيليين بـ"المخزية والمعيبة"، وسعيا منه لتخطي الشرخ الاجتماعي والسياسي الذي أحدثه نهج رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، الذي يحاكَم بملفات فساد، تعمّد بينيت التركيز في خطابه على القضايا الجامعة والملفات التوافقية للحكومة الإسرائيلية الـ34، وبث رسائل تدعو للتعاون والشراكة وإنهاء حقبة التفرد بالقرار.

الكنيست الإسرائيلي يمنح حكومة بينيت ولبيد الثقة (الجزيرة)

الخطوط العريضة

ولطمأنة المجتمع الإسرائيلي وبغية إظهار الحكومة الجديدة برئاسته وبالتناوب مع رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد مستقرة وقابلة للحياة والاستمرار حتى نهاية ولايتها، تطرّق رئيس الوزراء الجديد للقضايا التي تحظى بإجماع صهيوني وتتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.

واختار بينيت في خطابه الأول من على منبر الكنيست الـ24، التطرق للخطوط العريضة للحكومة الجديدة بشأن الملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية والمشروع الاستيطاني.

وشدد على مواقف حكومته الراسخة تجاه هذه الملفات، دون أن يعكس في خطابه نهج الصدام الذي اعتمده نتنياهو مع إدارة الرئيس الأميركي جو بادين.

وبعيدا عن الخطابات، فمن الصعب تقدير بوصلة العمل للحكومة الجديدة، وكم من الوقت ستستمر، وكيف ستواجه التحديات الأمنية والداخلية، وسط تعقيدات التسويات الشائكة بالملفات الداخلية التي أقرتها حكومة نتنياهو، إلى جانب التوتر المتواصل في مدينة القدس، ووقف إطلاق النار الهش على جبهة غزة، وملف صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، وتوتر العلاقات مع المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، وتوسع وانتشار البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية.

حقول ألغام

ويعتقد المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير أن مسيرة الحكومة الجديدة ستكون شائكة لاعتمادها على أغلبية 60 من أعضاء الكنيست، مما يعني أنها ستكون هشة وغير مستقرة وقابلة للانهيار في أي مرحلة.

وعليه، يقول كلير إن على رئيس الحكومة بالوكالة يائير لبيد، الاعتماد على احتياط من أصوات القائمة العربية المشتركة، تحسّبا لأي طارئ مستقبلي.

وأوضح كلير -في حديثه للجزيرة نت- أن قوة حكومة بينيت ولبيد تأتي من خلال قدرتها على إدارة تناقضاتها الفكرية والسياسية، وتوجيه بوصلتها لصالح عدم عودة نتنياهو بعد الإطاحة به إلى مقاعد المعارضة، وبعد أن تربع 12 عاما على كرسي رئاسة الوزراء دون منازع.

وردا على سؤال بشأن فرص استمرار الحكومة في ظل التناقض الفكري والسياسي، قال كلير: "رغم التناقضات وهشاشة الحكومة الجديدة وعدم التناغم بين مركباتها، فإنها مرشحة للاستمرار ما دام نتنياهو يتصدر المشهد السياسي بالمعارضة ويقود الليكود، فغيابه أو تنحيه يعني انهيار حكومة التغيير".

واستبعد المتحدث باسم كتلة "السلام الآن"، أن تحدث الحكومة الجديدة اختراقا في السياسات والنهج الذي ثبّته نتنياهو خلال ولاياته المتعاقبة. وقد تستغرق وقتا حتى تظهر بوادر التغيير، سواء في ملفات داخلية مهمة أو حتى في كل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد أن الحكومة الجديدة ستظهر للمجتمع الإسرائيلي أولا وللمجتمع الدولي ودول الإقليم، أنها ذات توجه مغاير لنهج نتنياهو.

دبلوماسية غير صدامية

وشكك كلير في إمكانية التحول الجوهري في السياسة الإسرائيلية تجاه المشروع الاستيطاني والقضية الفلسطينية، لكنه في المقابل رجَّح أن تعتمد الحكومة الجديدة دبلوماسية غير صدامية مع السلطة الفلسطينية، على غرار نهج إدارة الرئيس جو بايدن، دون التردد بانتداب مبعوثيها إلى "المقاطعة" برام الله للقاء رئيس السلطة محمود عباس. لكنه يعتقد أن هذا النهج لن يؤسس لتسوية الصراع ولن يفضي لحل الدولتين.

باعتقاد البعض فإن بينيت لن يتبنى سياسة صدامية مع السلطة الفلسطينية (الجزيرة)

وداخليا، يرى كلير أن الحكومة الجديدة تواجه الكثير من التحديات في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية والدينية. وستعمل على تقليص الفجوات بين مختلف الشرائح والقطاعات للتقليل من الشرخ الذي حدث بالأساس بسبب تغول الأحزاب الحريدية " المتدينون"، وسعيها لفرض أجندتها وتعاليمها التوراتية على مناحي الحياة المدنية.

ورجّح كلير أن تلجأ الحكومة الجديدة إلى معالجة القضايا الداخلية الحارقة بحذر، وتحديدا ملفات الدين والدولة، ويهودية الدولة. مع السعي للحفاظ على أسس الديمقراطية وعدم تقويضها، والتوصل لتفاهمات بكل ما يتعلق بتجنيد الحريديم، ومشروع الخدمة للعرب كبديل عن التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وإعادة النظر في التعامل مع العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.

الصراعات الداخلية

والطرح ذاته يتبناه الحاخام إلياهو كوفمان، الذي قال إن الناخب الإسرائيلي لم يتوقع أن تتشكل مثل هذه الحكومة بعد 4 جولات انتخابية، لكنه يعتقد أن الائتلاف الحكومي الجديد يعكس التناقضات والصراعات الداخلية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي على الأصعدة السياسية والدينية والمجتمعية.

ولذلك، يرى كوفمان أن استقرار واستمرار الحكومة منوط بمدى جاهزية الأحزاب الشريكة بالائتلاف لاستيعاب واحتواء التناقضات ومعالجتها دون الصدام أو الإقصاء لأي تيار.

وأوضح كوفمان -في حديثه للجزيرة نت- أن حكومة بينيت تؤسس لمرحلة جديدة في المشهد السياسي الإسرائيلي وبداية لاصطفافات غير مسبوقة. وهي -باعتقاده- مرحلة لإنهاء الهيمنة والتفرد الشخصي الذي ميز حقبة نتنياهو التي توغّلت فيها الأحزاب الحريدية، وهي تعتبر الخاسر الأكبر في هذا التحول وسط الانشقاق في تيار الصهيونية الدينية الذي انقسم على ذاته ما بين داعم لنتنياهو وبين مؤسس للحكومة الجديدة وترؤسها.

وباعتقاد الحاخام المحسوب على تيار الحريديم، فإن شبح نتنياهو ما زال يخيم على الحكومة الجديدة، وسيواصل مرافقتها خلال مسيرتها. لكنها ستسعى جاهدة لتفكيك الألغام أمامها، بغرض إحداث تغييرات في السياسة الداخلية الدارجة التي كرس نتنياهو فيها سلوك "فرّق تسد"، وأدت إلى تعميق الفجوات بين مختلف الفئات، بتوظيف فزاعة مخاطر الأمن القومي في سبيل البقاء على كرسي رئاسة الوزراء.

المصدر : الجزيرة