20 عاما حمل السر بداخله.. ضابط فرنسي سابق: نعم حمينا المجرمين في رواندا

اعتبر الضابط غيوم أنسيل أن تقرير دوكلير المقدم إلى الإليزيه ليس سوى خطوة واحدة لكنها مهمة

عامل يستخرج عظام بعض ضحايا المجازر الجماعية قرب العاصمة الرواندية (وكالة الأنباء الأوروبية)

كشف الضابط الفرنسي السابق غيوم أنسيل، تفاصيل جديدة عن الدعم والمساعدة التي قدمتها بلاده لمرتكبي جرائم الحرب في رواندا وحمايتها لهم.

ورفض أنسيل الصمت عن تلك الحقبة التي شارك فيها مع رفاقه ونشر عام 2018 كتابا حمل عنوان "رواندا.. نهاية الصمت"، يروي بين صفحاته عن تجربته في ذلك البلد الأفريقي ويندد بما يقول إنّها أكاذيب دولة.

وغداة نشر تقرير فنسان دوكلير الذي سلط الضوء على "المسؤوليات الجسيمة" لباريس في رواندا ولكن من دون أن يصل ذلك إلى اتهامها بالتورط في الإبادة الجماعية، يروي أنسيل قصته لوكالة فرانس برس. وللإشارة، فعندما وصل إلى كيغالي عام 1994 ضمن عملية "تركواز" المقدّمة رسميا في حينه على أنها مهمة إنسانية، كان ضابط مدفعية ملحقا بوحدة تتبع "الفيلق الأجنبي" لتوجيه الضربات الجوية.

ليست إنسانية

يقول أنسيل أنه ذهب ضمن مهمة هجومية تبتغي الوصول إلى كيغالي. أي أنه ذهب للمشاركة في حرب برواندا وليس في مهمة إنسانية، مشيرا إلى أنه لم يكن في الجانب الصحيح: عدونا هو الجبهة الوطنية الرواندية (بزعامة بول كاغامي)، وليس عدونا مرتكبي الإبادة الجماعية. تخيّلت القوات الفرنسية تنزل في بروفانس عام 1944 لتجد نفسها إلى جانب النازيين! استقبلَنا الجيش الحكومي كأصدقاء وكان يريد منا المساعدة في إنهاء ما بدؤوه. كانوا في ورطة دموية كبيرة ويتفاخرون!

هل هذه مزحة؟

يضيف الضابط السابق أن "فرنسا بعثت رسالة إلى الجيش الرواندي مفادها أننا لن نأتي ونقاتل معهم. لقد كانوا مقتنعين حقا بأن هذا هو ما جئنا للقيام به.. وعندما أنشأنا المنطقة الإنسانية الآمنة، شهدنا جميع وحدات القوات المسلحة الرواندية تلجأ إليها. هل هذه مزحة؟ هل نقدّم لهم ملاذا آمنا؟ شرح لي القائد أنه طُلب منه مرافقة أعضاء الحكومة ومرتكبي الإبادة الجماعية إلى حدود زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا). نحن نرغب في إيقافهم ولكن لدينا أوامر بمرافقتهم إلى الحدود. لقد كان أمرا مثيرا للغثيان، وبدأت المنظمات غير الحكومية تطرح علينا أسئلة. وفي تلك الأثناء تماما شهدت على عملية تسليم أسلحة. لقد طُلب مني تشتيت انتباه الصحفيين بينما تغادر قافلة الأسلحة".

هياكل ضحايا مذبجة نتاراما تحفظ ذكرى الحقبة السوداء بتاريخ رواندا
هياكل ضحايا مذبحة نتاراما تحفظ ذكرى الحقبة السوداء بتاريخ رواندا (الجزيرة)

لماذا ألّف الكتاب؟

كانت ثمة ندوة برئاسة بول كيلس، وكنت مشاركا فيها -والكلام للضابط السابق- وعندما سمع شهادتي، أوصاني بعدم التشويش على الصورة التي يحملها الفرنسيون عن تدخلنا في رواندا.

استغرقني الأمر 20 عاما لأدرك خطأ ما فعلناه وأنّ صنّاع القرار السياسي لم تكن لديهم نية لتحمّل المسؤولية. وبعد فترة وجيزة، تعرضت للتهديد بإبلاغي أنه سيكون من الأفضل ألا أفقد وظيفتي، لكنّي وجدت أنه من غير المقبول ألا يعرف الفرنسيون ما الذي تقرر نيابة عنهم، هكذا قررت كتابة شهادتي التي نشرت عام 2018.

سعي للسلام الداخلي

ويجيب أنسيل بالنفي عن سؤال في نهاية المقابلة في ما إذا كان يشعر بالسلام مع نفسه، ويضيف "لن أكون كذلك إلى أن نسمح للفرنسيين بأن يحكموا بأنفسهم على ما حدث. ويجب فتح الأرشيف أمام جميع الباحثين وليس للبعض منهم. تقرير دوكلير ليس سوى خطوة واحدة، ولكنها مهمة. تسمح للرئيس بالاعتراف علنا بإخفاق الإليزيه. لكن ما زال لزاما علينا تحليل الحقائق في شكل كامل، وشرح سبب حمايتنا لمرتكبي الإبادة الجماعية، ودور الجيش".

ويتابع "كما أنني أجد أنه من المحرج أننا لا نتحدث عن تواطؤ أخلاقي وسياسي في الإبادة الجماعية، حتى لو كان من الواضح أنه لم يكن هناك تواطؤ بالمعنى القانوني. على أي حال، يتوجب أن تستمر هذه الرغبة السياسية في البحث عن الحقيقة".

مسؤولية جسيمة

وبحسب بيان لقصر الإليزيه صدر أمس الجمعة، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فنسان دوكلير رئيس اللجنة الوطنية التي أنشئت للتحقيق في دور فرنسا في الإبادة الجماعية برواندا.

French President Emmanuel Macron holds a document with historian Vincent Duclert, who heads the Rwandan commission, at the Elysee Palace in Paris
ماكرون خلال استقباله فنسان دوكلير رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في دور فرنسا في الإبادة الجماعية برواندا (رويترز)

وخلص التقرير الرسمي إلى أن فرنسا تتحمل مسؤولية كبرى وجسيمة في جرائم الإبادة التي تعرضت لها أقلية التوتسي في رواندا عام 1994، وذلك من خلال تحالفها مع نظام الهوتو الحاكم في البلاد.

ووفق التقرير الذي قدمته لجنة من المؤرخين للرئيس إيمانويل ماكرون، فإن فرنسا تعمدت تقديم دعم عسكري كبير ومتواصل لرئيس رواندا آنذاك جوفينال هابياريمانا، رغم سياسته العنصرية التي شجعت على ارتكاب جرائم بحق هذه الأقلية.

وقال التقرير إن فرنسا -التي تدخلت بقوة في رواندا- تتحمل "مسؤولية كبرى وجسيمة" في الأحداث التي أدت إلى الإبادة الجماعية التي تعرضت لها أقلية التوتسي، وتحدثت استنتاجات التقرير عن "ثغرة فرنسا في رواندا"، مشيرة إلى أن "لا شيء يثبت تواطؤها" في الإبادة.

لكن التقرير اتهم السلطات الفرنسية بغض الطرف عن عمليات التحضير لارتكاب تلك الجرائم، التي أودت بحياة أكثر من 800 ألف شخص، وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة.

وأشارت اللجنة إلى الإخفاقات الفرنسية بين 1990 و1994 عندما كان الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا ميتران في السلطة، وقالت إن فرنسا "تكيفت" مع الحكومة في رواندا في ذلك الوقت ولم تغير موقفها إلا بعد فوات الأوان.

وفي تعليقه، قال الرئيس ماكرون إن التقرير يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام من أجل فهم وتحديد طبيعة الدور الذي لعبته فرنسا في هذا البلد، مؤكدا أنه يشجع على استمرار جهود البحث من أجل كشف الحقائق وحفظ الذاكرة بشأن الإبادة الجماعية في روندا.

المصدر : الجزيرة + وكالات