بن سلمان ورصاصة خاشقجي.. نظرة على التفكير الإستراتيجي السعودي

blogs بن سلمان
بن سلمان هدد قبل نحو عام بتصفية خاشفجي برصاصة إذا رفض العودة إلى المملكة وفقا للتسريبات الجديدة (رويترز)

من المحتمل ألا تقتصر التسريبات الأميركية والتركية المستمرة وذات النسق البطيء على إلقاء نظرة عميقة على ملابسات عملية قتل الصحفي السعودي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

في الواقع، تكشف هذه التسريبات أيضا عن الفكر الإستراتيجي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فضلا عن إحكام سيطرته على وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية.

وفي تقريره الذي نشره موقع "مودرن دبلوماسي" الأميركي، قال الباحث في الشرق الأوسط بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة جيمس إم دورسي إنه في أحد أحدث تلك التسريبات أفادت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصادر استخبارية أميركية مجهولة بأن الأمير بن سلمان كان قد هدد قبل سنة من حادثة القتل التي وقعت في القنصلية السعودية في إسطنبول بتصفية خاشقجي "برصاصة" إذا رفض هذا الأخير العودة إلى المملكة أو استمر في انتقاد السياسات السعودية علنا.

ومن المثير للاهتمام أن تلك المكالمة المسربة كانت تجمع بين ولي العهد السعودي وتركي الدخيل، وهو كاتب عمود سعودي بارز ومدير سابق لقناة العربية (عين مؤخرا سفيرا لبلاده في دولة الإمارات).

ويُعتقد أن بن سلمان حصل على أغلبية الأسهم في محطة مركز تلفزيون الشرق الأوسط، وهي الشركة الأم لقناة العربية عندما احتجز العشرات من أفراد الأسرة الحاكمة في المملكة وكبار المسؤولين الحاليين والسابقين ورجال الأعمال البارزين خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وقد أراد بن سلمان من خلال هذه الخطوة انتزاع سلطة من احتجزهم، فضلا عن ثرواتهم.

ابتزاز بيزوس
على صعيد آخر، تشير المعلومات التي كشفت عنها كل من صحيفة وول ستريت جورنال وجيف بيزوس مالك صحيفة واشنطن بوست ومؤسس شركة أمازون خلال هذا الأسبوع، فضلا عن اتفاقيات تعاون سابقة تجمع السعودية بكل من وكالة الأنباء بلومبيرغ وصحيفة الإندبندنت البريطانية الرقمية إلى أن طموحات الأمير بن سلمان في مجال الإعلام عالمية وليست مقتصرة على المملكة العربية السعودية.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الأمير بن سلمان كان قد دعا خلال أغسطس/آب الماضي الرئيس التنفيذي لشركة "فایس ميديا" شين سميث إلى يخته قبالة ساحل البحر الأحمر لمناقشة مسألة التعاون.

وقد تعاقدت شركة "فايس ميديا" مع الأمير لإنتاج مقاطع فيديو تتطرق إلى الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي حققها ولي العهد السعودي.

ومن خلال أحد منشوراته زعم بيزوس أن شركة "أميركان ميديا" المالكة لمجلة "ناشيونال إنكوايرر" حاولت ابتزازه وربما التواطؤ مع السعودية لإلحاق الضرر بسمعته، علما أن هذه المجلة نشرت خلال السنة الماضية عددا خصصت غلافه لمحمد بن سلمان، في حين كرست نحو مئة صفحة للتحدث عن جهود الإصلاح التي تبذلها المملكة.

رد على العقوبات
وأشار جيمس إم دورسي إلى أن تركي الدخيل قدم بعد أسبوعين من مقتل خاشقجي لائحة طويلة بردود الفعل السعودية المحتملة في حال قررت الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات على المملكة أو ولي العهد السعودي بسبب هذه الحادثة.

وقد شملت اللائحة السماح بارتفاع أسعار النفط إلى حدود مئتي دولار للبرميل الواحد، وهو ما من شأنه أن يؤدي -حسب رأي الدخيل- إلى شل الاقتصاد الأميركي، بالإضافة إلى تسعير النفط باليوان الصيني بدلا من الدولار، وإتمام عملية تشارك المعلومات الاستخباراتية وتحالف السعودية مع روسيا، بما يشمل بناء قاعدة عسكرية روسية على أراضي المملكة.

كما تطرق الدخيل إلى حقيقة أن انعدام اليقين بشأن مصداقية الرئيس الأميركي دونالد ترامب كحليف علاوة على تزايد المشاعر المعادية للسعودية في الكونغرس الأميركي دفعت الأمير بن سلمان إلى حماية نفسه من خلال إقامة علاقات أوثق مع روسيا على الرغم من تحالفها مع إيران والرئيس السوري بشار الأسد.

يشار إلى أن زيارات بن سلمان إلى روسيا تعددت، بعد أن زارها للمرة الأولى خلال مارس/آذار 2017 برفقة والده الملك سلمان الذي يعد أول ملك سعودي يزور روسيا، وقد تصدرت مسائل النفط والأسلحة جدول أعمال الأمير السعودي.

دفاع جوي
وأشار دورسي إلى أن السعودية تجري محادثات متقدمة لشراء نظام دفاع جوي "إس-400" من روسيا، كما تسعى الرياض إلى الحصول على عرض روسي لبناء 16 مفاعلا نوويا بقيمة ثمانين مليار دولار مع قيود أقل بكثير على تخصيب اليورانيوم وإعادة تدوير الوقود النووي المستهلك مقارنة بما كانت ستفرضه واشنطن.

من جانبه، يناقش صندوق الثروة السيادية الروسي -الذي يعرف باسم صندوق الاستثمار الروسي المباشر- مع السعودية صفقات بقيمة مليارات الدولارات في مجال تكرير النفط والبتروكيميائيات وخدمات حقول النفط.

من جهتها، تعهدت المملكة العربية السعودية باستثمار ما يصل إلى عشرة مليارات دولار في الاقتصاد الروسي مع اهتمام الشركات السعودية بالاستثمار في قطاعات البنية التحتية والزراعة والتكنولوجيا الفائقة والطاقة ومجالات التعدين، بما في ذلك خمسة مليارات دولار في مشروع للغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي الروسي.

وأفاد دورسي بأن الإستراتيجية المتبعة من قبل روسيا -التي يطلق عليها باحث الأمن القومي الروسي ستيفن بلانك "إستراتيجية الإنكار" والتي تحرم الولايات المتحدة من دور القوة المهيمنة الوحيدة في الشرق الأوسط- تخدم رغبة بن سلمان في حماية رهاناته، حيث يود أن تعتقد إدارة ترامب أن هذه الإستراتيجية الروسية قد تكلل بالنجاح.

المصدر : الصحافة الأميركية