لوبوان أفريك تراجع أوضاع الديمقراطية بتونس في ذكرى الثورة

Ahead of Local Elections in Tunisia- - SFAX, TUNISIA - APRIL 28: Leader of the En-Nahda Movement Rached Ghannouchi delivers a speech during a meeting ahead of Local Elections, in Sfax, Tunisia on April 28, 2018.
باحث تونسي: دول في الخليج كالإمارات والسعودية لا ترتاح للإجماع التونسي الخافت الذي يشمل الإخوان المسلمين (الأناضول)

يقول الباحث ميشال عياري أثناء مقابلة أجرتها معه مجلة لوبوان أفريك الفرنسية، إن دولا في الخليج كالإمارات والسعودية لا ترتاح إلى الإجماع التونسي الخافت الذي يشمل الإخوان المسلمين.

ويلخص الباحث عياري -وهو محلل كبير في مجموعة الأزمات الدولية ولديه معرفة عميقة بالنظام التونسي- لمراسل المجلة بنوا دلماس، تطوّر الأوضاع في تونس منذ الثورة.

ويتحدث الباحث عن التحول الذي رافق "الربيع العربي"، مشيرا إلى أن تونس قبل الثورة كان لديها نظام استبدادي موروث من حركة التحرر الوطني، وإلى أنه كانت هناك بعض الأحزاب شبه السرية ومجتمع مدني ضعيف للغاية، باستثناء المجتمع المعتمد على النظام.

ويضيف أنه مع أن جميع المحللين كانوا يتساءلون عن مدى استمرارية النظام السلطوي، فإنهم كانوا أبعد ما يكونون عن تخيل هذا التحول، رغم وجود علامات تحذير تتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية وقضية الأمن.

تونس تبقى الناجي الوحيد من الربيع العربي (الأناضول)
تونس تبقى الناجي الوحيد من الربيع العربي (الأناضول)

صراع متزايد
ويشير الباحث إلى أنه كان هناك صراع متزايد بين حزب التجمع الدستوري الحاكم حينئذ والاتحاد العام التونسي للشغل، وإلى انفجار القضية الاجتماعية في محافظة قفصة عام 2008 في حوض التعدين، حتى فاضت الكأس بعد عامين من ذلك بموت محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 لتندلع الثورة.

ويوضح عياري طبيعة الثورة في تونس، فيقول إن ما حدث كان أمرا غير مسبوق، وبالتالي حاول كل طرف أن يفسره انطلاقا من أيديولوجيته الخاصة، فرأى البعض أنها ثورة حقيقية بطريقة رومانسية مع المظلومين أهل المناطق الداخلية في البلاد.

ويضيف أن بعض الإسلاميين رأوا فيها علامة إلهية على نهاية الاستبداد، وأن آخرين رأوا أنها ثورة شبه اشتراكية، بينما رآها البعض تطبيعا للنظام مع العولمة.

ويقول إنه عندما غادر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي البلاد كان هناك صراع لفرض تعريف لما حدث، إلا أن ما بقي في الأذهان هو أنها ثورة ديمقراطية مماثلة لسقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي.

مانح وعائق
ويشير عياري إلى أن تونس بدأت تتجه نحو نظام سياسي ديمقراطي مع نمو اقتصادي مدفوع بالليبرالية، وأن المانحين يرون أن تونس أصبحت جاهزة لهذا الأمر، وذلك لأن نظام بن علي كان هو العائق.

ويضيف أن مختصين رأوا أثناء الفترة الانتقالية أن تونس كانت جاهزة لهذا التحول، وأن لديها ما يكفي من خريجي التعليم العالي، وأنها قطعت شوطا كبيرا في مجال حقوق المرأة والتحول الديمقراطي، وبالتالي لم يكن ينقصها سوى رحيل بن علي لتبدأ الإصلاحات وليتحول حالها إلى ما يشبه حال كوريا الجنوبية.

غير أن الباحث يستدرك بأن هذا التصور هو ما جلب خيبات الأمل، لأن الأمور لم تحدث بهذه الطريقة.

ويضيف عياري أن تونس تبقى الناجي الوحيد من الربيع العربي، حيث تم تجنيب البلاد العنف السياسي الحقيقي، مشيرا إلى أنه كانت هناك لحظات توتر واغتيالات سياسية وتنام للحركة الجهادية المتطرفة، لكن لم تكن هناك حرب أهلية ولا تسوية للحسابات، على الرغم من الحرب في ليبيا.

نخب واتفاق
ويرى الباحث أن تمكن النخب السياسية من الوصول إلى اتفاق يعتبر أمرا إيجابيا، مشيرا إلى الحوار الوطني الذي جرى في 2013 الذي يعتبره تجربة أصلية منعت الصراعات في البلاد.

ويشير عياري إلى تعثر الحراك الديمقراطي في البلاد وبدء ما وصفه بالربيع الإماراتي، حيث لم تشهد البلاد نموا اقتصاديا ولا عدالة اجتماعية بعد الربيع العربي.

ويرى الباحث أن الناس في تونس أصبحوا يشعرون بعمق بأنهم لم يحصلوا على أي شيء من هذا التحول، ولذلك أصبحوا أكثر استعدادا للعودة إلى نظام أكثر صلابة، حتى لو كانوا أول الضحايا، آملين في دولة عدل ولو مع استمرار الفساد وإدارة موضوعية وعقلانية وتكافؤ في الفرص، مما قد يجعلهم يقبلون بنظام دكتاتوري.

ويضيف الباحث أن المشكلة تكمن في أنه لا توجد قوة سياسية لديها برنامج حقيقي أو إستراتيجية أو رؤية، ولا حتى الحكومة، موضحا أن ما ينقص تونس ليس الأفكار، بل القدرة على تحقيقها.

إنقاذ البلاد
ويرى عياري أن الديمقراطية أصبحت تعني كلمة "قذرة" بين النخب ولدى جزء من السكان، وأنه مع الدعوة "لإنقاذ البلاد" فقد عاد أعضاء النظام السابق الذين كانوا على القائمة السوداء للفساد حتى عام 2014.

ويرى عياري أن جميع التحديات منذ عام 2011 قد تراكمت على تونس، وأنه في كل مرة يتم حلها جزئيا، وبالتالي لا يكون حلا مطلقا، والنتيجة أن تتجمع كل الآثار السلبية في وقت واحد ليكون الانفجار. 

ويلخص الباحث العوائق التي تمنع إقامة المثل الجمهورية في أنها تعود إلى طبيعة الدولة والطريقة التي أنشئت بها، مشير إلى أنها تحاول دائما فرض نفسها بالقوة.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الفرنسية