البروفيسور سليم الحاج يحيى.. الفلسطيني في بريستول

عاطف دغلس-نابلس

على لائحة الإنجاز الفلسطيني وفي سابقة هي الأولى، دُوِّن اسم الطبيب الفلسطيني البروفيسور سليم الحاج يحيى بعد تتويجه بدرجة "أستاذ متمرس" (Chair) في جامعة بريستول البريطانية، كأول فلسطيني وثاني عربي بمنصب هو الأرفع علميا وأكاديميا بتخصصه في جراحات القلب، لينضم بذلك إلى ثلاثة من الأطباء الأشهر عالميا في المنصب ذاته.

من رحم التعب والكد ولد سليم الحج يحيي (50 عاما) -وهو الرئيس التنفيذي لمستشفى النجاح الجامعي بمدينة نابلس بالضفة الغربية– في بلدة الطيبة داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فوالده الحاج محمد أستاذ علم الجريمة بجامعة تل أبيب الإسرائيلية، لم يكن ليعتقه أو أحدا أشقائه الثلاثة دون زيارة يومية للأرض.

لم يغب عن بال البروفيسور يحيى ولو لبرهة مشهد والده وهو عائد من وظيفته الجامعية بزيه الرسمي الذي يبدله في غضون دقائق بزي الفلاح البسيط، ليستمد منه حب العطاء لشعبه ودعمه بالثبات على أرضه.

ولعلّ شظف الحياة التي كان يعيشها الفلاح آنذاك صقل شخصية الأبناء وسهَّل على والدهم مهمته بتعليمهم النهوض بأنفسهم بالعلم، فما كان منه إلا أن أرسل نجله الأكبر سليم لإكمال دراسته الثانوية في مدرسة المطران بمدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلة، ليتخرج بتفوق كبير وبأعلى المعدلات.

وبعد عامين من دراسته القانون، تحوّل الحج يحيى لتعلم الطب في جامعات إسرائيل التي تفوَّق فيها على زملائه الطلبة عربا وإسرائيليين، وغدا أصغر طبيب يتخصص في جراحة القلب داخل إسرائيل، ويقول: "وجدت في الطب روحانية العمل وإنسانية العطاء".

‪البروفيسور يحيى يحمل بين يديه درعا قلده إياه أصدقاؤه وزملاء دراسته في الناصرة‬ (الجزيرة)
‪البروفيسور يحيى يحمل بين يديه درعا قلده إياه أصدقاؤه وزملاء دراسته في الناصرة‬ (الجزيرة)

طموح
لكن طموح الرجل تعدى "البحيرة الصغيرة" فأراد التجديف في "بحر العلم الكبير"، فكانت وجهته بريطانيا التي قدمت له منحة دراسية في أعرق جامعاتها، فواصل العمل والبحث معا ليحوز لقب البروفيسور الشاب فيها، ولا سيما في الجمعية الملكية للجراحين بإنجلترا وجامعة غلاسكو في أسكتلندا التي أجرى فيها أول عملية زراعة قلب صناعي عام 2011.

كما كان لانضمامه إلى المعهد الوطني لأبحاث القلب والرئة في بريطانيا وبناء علاقات وطيدة مع علماء القلب وأطبائه وإعداده عشرات الأبحاث المحكمة في مجالات الدورة الدموية والعناية الحثيثة وتطوير جراحات القلب؛ دور في تتويجه بدرجة البروفيسور بجامعة بريستول.

ويصل "البروف سليم" -كما صار معروفا بين زملائه- الليل بالنهار بالعمل في مشفى النجاح الذي بات مخدعه أيضا، فهو المتنقل بعمله بين الغرب والشرق وبالكاد يجد ثلاث ساعات قبيل الفجر يخلد فيها للنوم، حيث يوزع عمله صباحا لإدارة المشفى وما بعد الظهيرة يلج غرفة العمليات ولا يُغادرها قبل منتصف الليل ليمكث بضع ساعات للرد على المراسلات العالمية.

حتى العائلة التي تقطن في بريطانيا بعيدا عنه بالكاد تحظى برؤيته، ويقول: إن زوجته الفلسطينية تتفهم طبيعة عمله الإنساني وحاجته للعطاء الآن أكثر من أي وقت آخر.

وتجلى هذا العطاء بتأسيس الرجل جمعيات خيرية وإشرافه على أخرى منذ وقدومه لبريطانيا قبل عقد ونيِّف، استطاع عبرها دعم واستقطاب أطباء فلسطينيين لإكمال دراساتهم شريطة "العودة للوطن".

كان الوطن حاضرا داخل مكتبه في المشفى، فقد بدا مجسم لخارطة فلسطين التاريخية وصورة للمسجد للأقصى وهي تزاحم واجهته الرئيسية بين أوسمة عدة تقلدها الحج يحيى، كالتي أهديت له من زملاء الدراسة وتحمل صورة لمدينة الناصرة القديمة.

‪أول قلب صناعي زرعه البروفيسور يحيى لمريض فلسطيني في مشفى النجاح‬ (الجزيرة)
‪أول قلب صناعي زرعه البروفيسور يحيى لمريض فلسطيني في مشفى النجاح‬ (الجزيرة)

آلاف العمليات
ولا يحصي الطبيب آلاف العمليات التي أجراها بين أوروبا ودول الشرق الأوسط، ويقدر عمليات زراعة القلب والرئتين بالمئات، وكان أطولها زمنا تلك التي أجريت في أسكتلندا واستغرقت 36 ساعة، أما فلسطينيا فقد أجرى عمليتين حتى الآن لزراعة القلب الصناعي، بينما يجري شهريا أكثر من عشرين عملية في جراحات القلب المختلفة.

ويسعى البروفيسور يحيى لترجمة "إنجاز بريستول" واقعا بتوطيد وتطوير العلاقة الأكاديمية والبحثية بين جامعته والجامعات البريطانية، وابتعاث الأطباء الفلسطينيين للخارج وتحسين الخدمة الطبية الفلسطينية بالتأسيس لنظام طب العائلة، وتعزيز ثقافة الكشف المبكر "بعد أن غدت أمراض القلب القاتل الأول فلسطينيا وتقدر بـ30% من أسباب الوفيات".

ويعمل أيضا لاستقطاب أطباء فلسطينيين من الخارج بمختلف التخصصات، ويرى أن هذا مرهون بتذليل العقبات أمامهم، ولا سيما من مجلس الطب الفلسطيني وبأمن واستقرار وظيفي، ويرفض ربط مهنة الطب بالمادة، ويرى أن العلاقة بين المؤسسات الطبية الخاصة والحكومية "تكاملية"، وهو ما دفعهم "لتوطين" التحويلات الطبية.

المصدر : الجزيرة