تعويم الجنيه يهدد قطاع الدواء في مصر

تعويم الجنيه يفاقم من يفاقم أزمة الدواء بمصر - الصورة أرشيفية خاصة للجزيرة نت سبق نشرها بالموقع
شركات توزيع الدواء قللت الحصص التي توردها للصيدليات (الجزيرة)
عبد الرحمن محمد-القاهرة

"هذه رابع صيدلية لا أجد فيها دواء الإنسولين الذي أحتاجه، رغم استعدادي لدفع ضعف الثمن إذا تطلب الأمر". في توتر وجزع، همهمت السيدة أم أحمد بهذه الكلمات أثناء خروجها من إحدى صيدليات الجيزة، وهي تحث الخطى على أمل أن تجد غرضها في صيدلية أخرى.

أم أحمد أبدت أسفا شديدا في حديثها للجزيرة نت لعدم أخذها تحذيرات أحد أبنائها منذ أيام من نقص محتمل في بعض الأدوية -ومنها دواؤها- على محمل الجد، حيث لم تتوقع أن تمر بهذه "التجربة الأليمة" بحسب وصفها، خلال بحثها عن الدواء.

تخفيض الحصص
مئات الآلاف من مرضى السكري في مصر مهددون بخوض مثل تجربة أم أحمد في سبيل الحصول على دواء الإنسولين، بسبب ما أقدمت عليه "الشركة المصرية لتجارة الأدوية" من تقليص حصة كل صيدلية من هذا الدواء إلى خمس علب فقط يوميا.

الشركة المصرية لتجارة الأدوية غيرت توزيعاتها عقب تعويم الجنيه
الشركة المصرية لتجارة الأدوية غيرت توزيعاتها عقب تعويم الجنيه

هذا القرار صحبه قرار آخر للشركة التي تعد من كبرى الشركات في قطاع استيراد وتوزيع الدواء في مصر، بخفض كميات الأدوية المستوردة المباعة للصيدليات على أثر قرار البنك المركزي تحرير سعر الجنيه، حيث قررت منح كل صيدلية عبوة واحدة فقط من كل صنف مستورد يوميا، بحسب تصريح للمتحدث باسمها كريم كرم.

ولحقت شركات توزيع أخرى بهذه الشركة في اتخاذ مثل هذه القرارات، وهو ما دفع العديد من المراقبين والصيادلة إلى إبداء تخوفات شديدة على حياة المرضى من استمرار هذا الوضع.

سلعة ضرورية
هذا التخوف عبَّر عنه الصيدلي حربي جابر بقوله إن "الدواء ليس سلعة ثانوية من الممكن الاستغناء عنها، بل هو سلعة تتعلق عليها حياة الملايين من المصريين الذين يعاني أغلبهم من أمراض مزمنة كالضغط والسكري والكبد وغيرها".

وتابع في حديثه للجزيرة نت "يجب على الدولة التدخل السريع لحل الأزمة، إما بإقامة مصانع قطاع عام تلبي احتياجات سوق الدواء أو دعم الشركات القائمة. فكل الدول المحترمة توفر الدواء لمواطنيها من خلال مظلة تأمين صحي ومستشفيات عامة ودعم للدواء".

وأبدى جابر أسفه لاستغلال عدد من أصحاب المخازن وموردي الدواء للأزمة، مشيرا إلى أن "كثيرا منهم علق بيع أصناف كثيرة وقلل هامش ربح الصيدلي. وهذا سيجعل الصيدلي بين خيارات ثلاثة: غلق صيدليته لحين استقرار السوق، أو بيع الدواء بسعر أغلى من سعره وهذا سيعرضه للمساءلة القانونية، أو تحمل الخسارة".

وفي هذا السياق، يرى أمين صندوق نقابة صيادلة مصر السابق أحمد رامي أن أزمة قطاع الدواء بدأت منذ أكثر من عام، وأخذت أشكالا مختلفة بدأت برفع أسعار عدد من أصنافها 30%، وتخللها نقص غير مسبوق في بعض الأصناف، وانتهت بالأزمة الحالية المترتبة على تحرير سعر العملة.

الاستيراد والتسعير
ولفت رامي إلى أن سبب ارتباط الشكل الأخير للأزمة بتعويم الجنيه، هو استيراد نسبة كبيرة من أصناف الأدوية من الخارج، وكون أكثر من 90% من مستلزمات إنتاج الأصناف المحلية مستوردا كذلك، في ظل تسعير ملزم من الدولة للدواء لم يتغير وهو ما يزيد من خطورة الأزمة، بحسب رأيه.

رامي يرى أن أزمة قطاع الدواء لها خلفيات اقتصادية سياسية 
رامي يرى أن أزمة قطاع الدواء لها خلفيات اقتصادية سياسية 

وتابع رامي أن "أزمة قطاع الدواء بمصر خلفيتها اقتصادية سياسية. فكلما ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه بسبب فقد مصادره الرئيسية نتيجة للأوضاع السياسية، ترتفع كلفة إنتاج الدواء وتتفاقم أزمته، ولن تستطيع شركات صناعة الدواء الإنتاج بذات الأسعار القديمة".

وقالت غرفة صناعة الأدوية في اتحاد الصناعات المصرية (مستقل وتشرف عليه وزارة التجارة والصناعة) أمس الثلاثاء، إن من المتوقع ارتفاع تكاليف صناعة الدواء في مصر بنحو 50% نتيجة تحرير سعر الصرف، حسبما نقلت وكالة الأناضول للأنباء.

ويقول أستاذ الصيدلة في جامعة الأزهر عادل محمود إن الأزمة "تستلزم تحركا سريعا قبل تفاقمها، وذلك بوضع خطة عاجلة تتم فيها دراسة إمكانية تصنيع المواد الخام محليا كما فعلت الهند والصين، حتى لا نظل تحت تهديد وضع اقتصادي يصعب التكهن بوقت انفراجه".

وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن "ما ثبت من امتناع شركات صناعة الدواء عن استيراد المواد الخام بسبب تعويم الجنيه، وامتناع بعض شركات التوزيع عن توريد الأدوية للصيدليات طمعا في زيادة الأسعار بنسبة 40%، ينذر بآثار خطيرة على وضع شريحة كبيرة من المرضى في مصر".

المصدر : الجزيرة