قوانين عنصرية تستهدف المقدسيين

قوانين عنصرية تستهدف المقدسيين

صادق برلمان الاحتلال (الكنيست) يوم أمس الأربعاء بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون يخوّل وزير داخلية الاحتلال سحب هويات المقدسيين بحجة "خرق الأمانة لدولة إسرائيل".

ويأتي القانون كخطوة انتقامية من الفلسطينيين في القدس من جهة أولى، ويتناقض مع مبادئ القانون الدولي الذي يقرّ بأن الفلسطينيين في القدس هم أصحاب الأرض الأصليون ويمنع طردهم من وطنهم من جهة ثانية، وسحب هويات المقدسيين تطهير وتهجير صامت من جهة ثالثة.

فمنذ احتلالها مدينة القدس، أصدرت إسرائيل العديد من القوانين العنصرية من أبرزها إصدار قانون ضمّ القدس، وترسيم حدود المدينة ومصادرة أراضي الفلسطينيين لبناء مستوطنات عليها، ومن ثم هدم مئات المنازل، إلى جانب بناء جدار الفصل العنصري الذي صادر آلاف الدونمات، علاوة على عدم وضع مخططات بناء للفلسطينيين في القدس الشرقية بغية إجبارهم على ترك مدينتهم وصولاً لتحقيق المشروع الإسرائيلي الهادف إلى أن يبلغ عدد اليهود في القدس 70% من نسبة السكان مقابل 30% فقط من العرب.

تعمدت إسرائيل ومنذ اللحظة الأولى لاحتلالها مدينة القدس عام 1967م ممارسة العديد من السياسات العنصرية ضد المواطنين المقدسيين لتهجيرهم من منازلهم، وطردهم خارج مدينة القدس بالقوة، ومن أبرز هذه السياسات سياسة سحب الهويات، إذ تم من خلال هذه السياسة إلغاء حق الإقامة للأشخاص الذين يقطنون في ضواحي القدس الواقعة خارج حدود البلدية وفي المحافظات المجاورة، وكذلك الذين يقيمون خارج فلسطين.

جرى تطبيق أسلوب قهري مع الطلبة الذين يدرسون خارج القدس، إذ فرض عليهم القيام بتجديد بطاقات هوياتهم على نحو يعطل دراستهم

كما اعتمد الاحتيال في قضايا جمع الشمل، فالزوجات اللواتي يقمن بتقديم طلب جمع شمل لأزواجهن، تقبل طلباتهم بداية، ثم يجري إلغاء حقهن في الإقامة مع أطفالهن بحجة أن الزوج يقيم خارج القدس، وهكذا فإن الزوجة لا تفشل في جمع الشمل فقط، بل تفقد حقها في الإقامة أيضاً، إضافة لأسلوب الإبعاد الذي بدأت سلطات الاحتلال العمل به منذ مطلع السبعينيات، وعندما تقدمت عائلات المبعدين بطلب تصريح لزيارتهم جرى منح العائلة المتقدمة بالطلب تصريح خروج دون عودة، كما جرى تطبيق أسلوب قهري مع الطلبة الذين يدرسون خارج القدس، إذ فرض عليهم القيام بتجديد بطاقات هوياتهم على نحو يعطل دراستهم، ثم جرى إلغاء الحق في الإقامة لمن أمضى سبع سنوات خارج القدس بسبب التعليم.

بيّن الإحصاء السكاني الذي أجرته سلطات الاحتلال لسكان القدس المحتلة عام 1967م، أن هناك 66 ألف مواطن فلسطيني مقدسي ظلوا داخل حدود المدينة. آنذاك لم تقم السلطات بمنح هذا العدد الحق في المواطنة بموجب القانون الإسرائيلي، بل منحتهم "حق الإقامة"، والفرق واضح بين الحالين، إذ إن الأول يعني حقاً أبدياً لا يملك أحد إلغاءه (إلا ضمن ظروف معينة تتعلق بأمن الدولة)، أما الثاني فيعني أن وزير الداخلية الإسرائيلي يملك الصلاحيات في كل وقت لإعطاء تعليماتٍ يمكن بموجبها حرمان الشخص من الإقامة في المدينة، ويطبق موظفو الداخلية هذه التعليمات بصورةٍ آلية دون الرجوع إلى أي مرجع آخر.

وكان النص القانوني المعتمد في هذه الحالة ما ورد في "قانون الدخول لإسرائيل" (للعام 1952م)، الذي طبق على سكان القدس، واعتبروا بموجبه مقيمين موجودين بتصريح هوية تتيح لهم السكن والعمل، وذلك على غرار أي أجنبي مقيم في القدس ويحمل هذه الهوية.

وفي العام 1974م صدرت أنظمة تحكم مسألة الدخول إلى "إسرائيل"، وكانت المادة الحادية عشرة من هذه الأنظمة تنص على أنه يكون الشخص خارج "إسرائيل" إذا وجِد خارج حدود دولة "إسرائيل" مدة سبع سنوات أو أكثر، أو حصل على الإقامة الدائمة والجنسية في دولة أخرى، وفسرت الأجهزة الإسرائيلية هذه المادة بأن أي مقدسي يقيم خارج القدس، في الضفة الغربية أو خارجها، ينطبق عليه هذا التعريف، أي إمكان سحب هويته المقدسية.

وفي العام 1988، أضيف معيار جديد لسحب الهويات، يتمثل في ما سمي "مركز الحياة" الذي يكتنفه الكثير من الغموض في التعريف، حيث يقضي بسحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات.

خلال 2007 قامت وزارة الداخلية الإسرائيلية بإسقاط حق الإقامة عن 229 مواطنا مقدسياً، بينما سجل العام 2008 إسقاط حق الإقامة عن أصحابها الذين بلغوا 4672 مواطنا

وفي التطبيق، وفي أوائل العام 1996، أبلغت سلطات الاحتلال المئات من السكان المقدسيين أن عليهم ترك مدينة القدس وتسليم هوياتهم بحجة أن تصريح إقاماتهم الدائمة قد انتهى، ووجهت هذه الإجراءات على وجه الخصوص للمقدسيين المقيمين خارج حدود بلدية القدس. وطبقته بأثر رجعي، مما عرّض الآلاف منهم إلى خطر سحب الإقامة الدائمة، وشطب أسمائهم من سجلات السكان، بحجة أنهم نقلوا مركز حياتهم إلى خارج المدينة أو البلاد.

وخلال السنوات اللاحقة، قامت إسرائيل بتصعيد حملات مصادرة إقامة المقدسيين، فخلال العام 2007 قامت وزارة الداخلية الإسرائيلية بإسقاط حق الإقامة عن 229 مواطنا مقدسياً، بينما سجل العام 2008 أكبر نسبة لسحب البطاقات الشخصية وإسقاط حق الإقامة عن أصحابها وصلت إلى 4672 مواطنا.

بدأت وزارة الداخلية الإسرائيلية في 1993 بفحص من كان مقيماً في القدس من حاملي الهويات المقدسية ومن يقيم خارج حدودها، وقدر عدد المواطنين الذين انتقلوا للعيش خارج حدود المدينة ما بين 50 و80 ألفا، وقد تم إلغاء إقاماتهم من القدس، وعُرفت هذه المدة التي تم خلالها تنفيذ هذه القرارات بـ"التهجير الصامت".

وفي المدة بين 1987 و1999 قدر عدد من سحبت هوياتهم من المقدسيين بـ3300 مواطن. ومنذ أعقاب اتفاق أوسلو صعدت وزارة الداخلية الإسرائيلية من إجراءاتها بسحب الهويات المقدسية، وقد أظهرت مؤسسة "بتسيلم" في بيان إحصائي لها أنه منذ العام 1967 ولغاية العام 2004 تم تجريد 6396 فلسطينيا، معظمهم من القدس من مواطنتهم وهوياتهم. ومنذ العام 1967 ولغاية نهاية عام 2016 سحبت إسرائيل هويات 14595 هوية مقدسي.

ارتفع وبشكل ملحوظ عدد الفلسطينيين الذين تم سحب حق الإقامة الدائمة منهم في القدس، حيث فقد ما يقارب 20 ألف مقدسي هذا الحق

في إطار السياسة الإسرائيلية الرامية لتهويد مدينة القدس وتقليص الوجود العربي الفلسطيني إلى أقل نسبة ممكنة، ارتفع وبشكل ملحوظ عدد الفلسطينيين الذين تم سحب حق الإقامة الدائمة منهم في القدس، حيث فقد ما يقارب 20 ألف مقدسي حق الإقامة في المدينة بسبب اشتراط الحكومة الإسرائيلية إقامتهم داخل الحدود المصطنعة للمدينة، فسلطات الاحتلال الإسرائيلي واصلت من خلال وزارة الداخلية الإسرائيلية ومساندة مؤسسة التأمين الوطني سحب هويات المقدسيين، حيث تم إلغاء حق الإقامة لأكثر من 4577 مقدسيا خلال العام 2012.

إضافة لذلك تم وضع سلسلة من الشروط التعجيزية التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المقدسيين، وذلك إثر اشتراط المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1988 لاستمرارية الحق في الإقامة الدائمة بأن تكون إقامة فعلية داخل حدود الخط الأخضر أو بلدية القدس، مما يشكل عبئا عليهم لإثبات ذلك، وهو ما يتناقض بشكل صريح مع ما يفرضه القانون الدولي على سلطة الاحتلال المؤقت للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، حيث لا يجوز لسلطة الاحتلال طرد السكان المدنيين الأصليين من أماكن سكنهم.

سياسة التطهير العرقي التي تتبعها إسرائيل في المدينة المقدسة، تتطلب من الدول العربية لعب دور بارز عبر المنظمات الدولية لوقف المخططات التهويدية الإسرائيلية

فكل فلسطيني يحمل الهوية الإسرائيلية ليس مواطناً في الدولة الإسرائيلية، بل إن "إسرائيل" تستطيع في أي وقت سحب هويته ولو كان مواطنا مقيماً وعاملاً في المدينة، بناء على بند قانوني إسرائيلي يخوّل وزير الداخلية الإسرائيلي سحب البطاقة الدائمة لمن يرى أنه يشكل خطرا على الدولة وبرؤية خاصة، إضافة إلى إقدام إسرائيل على سحب البطاقة المقدسية من كل شخص يتبين أنه لم يولد في إسرائيل "سواء ولد في الضفة أو خارج البلاد"، حتى إنه ذهب إلى أن إسرائيل تطلب من عائلة كل طفل ولد في المدينة أن تثبت ذلك جينياً وقانونياً، موضحاً أن قرار لمّ الشمل في دولة إسرائيل للحصول على البطاقة الدائمة للإقامة يخضع لثلاث مراحل "إن ووفق عليه" تبدأ بحق المكوث ثم الإقامة المؤقتة وفي النهاية حق الإقامة الدائمة.

فسياسة التطهير العرقي التي تتبعها إسرائيل في المدينة المقدسة، تتطلب من الدول العربية لعب دور بارز عبر المنظمات الدولية لوقف المخططات التهويدية الإسرائيلية وتصفية الحقوق في المدينة المقدسة للشعب الفلسطيني، فالوضع الراهن في القدس بات يتطلب موقفاً حازماً لوقف إجراءات إسرائيل التهويدية ضد المقدسيين، وذلك من أجل الحد من مصادرة هويات أبناء مدينة القدس والعبث بالمقدسات.

ما سبق يتطلب من الدول العربية والاسلامية إعادة عرض هذه الانتهاكات والإجراءات على مجلس الأمن الدولي بغية استصدار قرارات لوقف النشاطات الاستيطانية والحد من تشييد الجدار والبناء والتوسع غير القانوني في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس وحولها، انطلاقاً من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحتم على إسرائيل الامتثال لهذه الاتفاقية التي ترفضها إسرائيل بإجراءاتها المستمرة في تدمير التواصل الجغرافي وسلامة الأراضي الفلسطينية والحفاظ على الطابع الديني للمدينة المقدسة.

المصدر : الجزيرة