هدم المساكن الفلسطينية في القدس

غلاف كتاب- هدم المساكن الفلسطينية سياسة تهجيرية
عرض:عوض الرجوب
أصدر مركز أبحاث الأراضي بالقدس كتابا إحصائيا حول هدم المساكن الفلسطينية على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة وحتى نهاية عام 2017، وتضمن إحصائيات حول عمليات الهدم والتشريد التي مارستها سلطات الاحتلال، ودوافع ونتائج هذه السياسة.

وتضمن الإصدار جداول مفصلة ورسومات بيانية حول أعمال الهدم والمناطق المستهدفة من القدس وأعداد المشردين، فضلا عن تأثير الجدار العازل، وقيود البناء.

ومن أبرز المعطيات التي تضمنها الإصدار -الذي نشر هذا الأسبوع- أن الاحتلال هدم نحو خمسة آلاف مسكن فلسطيني منذ عام 1967، وشرد أكثر من 120 ألف مقدسي، ومنعهم من العودة. مشيرا إلى هدم 1706 مساكن بها، وتشريد 9422 فردا، بينهم 5163 طفلا، بين عامي 2000 و2017. 

‪اسم الكتاب: هدم المساكن الفلسطينية سياسة تهجيرية‬ المؤلف: مركز أبحاث الأراضيالناشر: مركز أبحاث الأراضي-فلسطينالطبعة: الأولى/ 2018
‪اسم الكتاب: هدم المساكن الفلسطينية سياسة تهجيرية‬ المؤلف: مركز أبحاث الأراضيالناشر: مركز أبحاث الأراضي-فلسطينالطبعة: الأولى/ 2018

جريمة معقدة
وفي تقديمه للإصدار، يقول مدير مركز أبحاث الأراضي جمال طلب العملة إن
 هدم المساكن ليس مجرد أرقام وإحصائيات أو خسائر مادية؛ "فجريمة هدم المسكن جريمة مركبة معقدة تمس الروح والعقل والكرامة الإنسانية، وتمس فلسفة الوجود الإنساني برمته".

ويصف مشهد الألم بأنه "عندما يقف الأب -رمز الحماية لأبنائه- عاجزا باكيا بضعف المقهور أمام أطفاله وأنياب جرافات الاحتلال التي تهدم مسكنهم وعش أحلامهم ومأوى آلامهم وأفراحهم… والأنكى من ذلك عندما يضطر الأب لهدم مسكنه أو جزء منه بيده من خلال سياسة الهدم الذاتي".

وعن تاريخ الاستيطان في القدس، يوضح الإصدار أن المهاجرين اليهود القادمين لأرض فلسطين منذ النصف الثاني من القرن 19 وحتى نهاية عهد الانتداب البريطاني بنوا عدة مستعمرات يهودية غربي مدينة القدس وخارج حدودها كمستوطنات زراعية صغيرة، ثم قاموا بضمها لغربي القدس بعد احتلال عام 1948 ليثبتوا أن لليهود وجودا بالقدس.

وذكر أنه بعد احتلال1967 لباقي فلسطين التاريخية، بما فيها شرقي القدس، قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بضم المناطق الأقل كثافة سكانية عربيا من شرقي المدينة؛ سعياً ليكون لليهود أغلبية عظمى بالقدس، ليعلنوا بعد ذلك القدس الموحدة عاصمة لدولتهم المصطنعة، وذلك عام 1980.

معطيات حول هدم المساكن في القدس بين 2000 ونهاية 2017 (الجزيرة)
معطيات حول هدم المساكن في القدس بين 2000 ونهاية 2017 (الجزيرة)

ملاحقة منذ النكبة
ويوضح الكتاب أن سياسة الهدم في القدس قديمة جديدة، بدأت منذ حرب 1948 (النكبة) وما لا زالت سياسة هدم وملاحقة المساكن التي يبنيها الفلسطينيون على أرضهم مستمرة، حيث هدم الاحتلال خلال النكبة  39 قرية تابعة للقدس، وهجّر نحو 198 ألف مقدسي منها
.

وإبان حرب عام 1967 هدم المحتلون قرى اللطرون وبيت نوبا ويالو وعمواس بالكامل، وهجروا أهلها وأزالوا آثارهم، وأنشؤوا مكانها حديقة كندا لإخفاء جريمتهم.

وخلال حرب 1967 هدم الاحتلال حي الشرف وحارة المغاربة بالبلدة القديمة من القدس؛ تلك المباني التي تعتبر تراثاً إنسانياً فريداً في العالم، كما تم هدم أكثر من خمسة آلاف مسكن أخرى بحجة عدم الترخيص منذ ذلك العام وحتى اليوم.

وفي استعراضه لنتائج سياسة هدم المنازل، يبين الكتاب أنه إبان حرب 1948 تم تهجير نحو 67 ألفا وخمسمئة مقدسي قبيل الحرب، ونحو ثلاثين ألف مقدسي بعد الحرب، وخلال الفترة من سبتمبر/أيلول 1948 وأغسطس/آب 1949 تم إسكان نحو 16 ألف يهودي جديد في البيوت والمساكن العربية التي تم ترحيل أصحابها منها عنوة وبالقتل والتهديم والمجازر.

أما خلال حرب سنة ،1967 فقد تم ترحيل نحو سبعين ألف مقدسي خلال الحرب، سواء ممن كانوا خارج القدس ومنعوا من العودة إليها واعتبرتهم سلطات الاحتلال نازحين ولا حق لهم في المواطنة، أو ممن تم ترحيلهم عنوة أثناء الحرب، وتم ترحيل نحو خمسن ألف مقدسي بعد الحرب إلى خارج القدس بسبب هدم المنازل وجدار الفصل العنصري وسياسة سحب الهويات.

ويشير الكتاب إلى أن هدم المساكن شرقي القدس "بات سياسة ثابتة للاحتلال تنبع من إستراتيجية صهيونية استعمارية استيطانية، هدفها واضح وهو تفريغ القدس من سكانها العرب الأصليين وإحلال مستعمرين إسرائيليين".

ويذكر الإصدار أن بلدية الاحتلال تقوم بهدم المنازل الفلسطينية في القدس تحت شتى الذرائع؛ أبرزها عدم الترخيص، و/أو مبنية على مناطق غير منظمة، و/أو قربها من الجدار العنصري… إلخ. مؤكدا أن عدم ترخيص الأبنية من قبل الفلسطينيين في القدس هو نتيجة حتمية للتعقيدات التعجيزية لشروط الترخيص التي يفرضها قسم التنظيم في بلدية الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين، في حين أن تراخيص الأبنية بل الأحياء الاستيطانية تتم بسهولة ويسر عندما يتعلق الأمر بالمستوطنين اليهود.

الرسوم البيانية لهدم المساكن في شرقي القدس(الجزيرة)
الرسوم البيانية لهدم المساكن في شرقي القدس(الجزيرة)

هدم فوري
يبين إصدار مركز أبحاث الأراضي أن الهدم ينفذ فوراً ضد الفلسطينيين حتى لأقل مخالفة صغيرة عن المخطط المرخص، بينما لم يهدم أي بناء إسرائيلي غير مرخص أو مخالف، وهي كثيرة.

ووثق مركز أبحاث الأراضي بين عامي 2000 و2017 هدم 1706 مساكن في القدس، بها 5443 غرفة بمساحة إجمالية نحو 170935 مترا مربعا، وهو ما كانت نتيجته تشريد 9422 فردا، بينهم 5163 طفلا.

وعلى خلفية جدار العزل، وثق التقرير منع بلدية الاحتلال في القدس المواطنين من إقامة مئات البيوت وهدم العشرات، فضلا عن إضرار الجدار بشكل عام بالبيئة، وبشكل خاص بمئات المساكن في القدس التي حرمها من حقها في الشمس والهواء والفضاء.

واستعرض توثيق مركز أبحاث الأراضي سياسة سلطات الاحتلال في الحد من البناء الفلسطيني في القدس؛ فعلى صعيد تراخيص البناء الفلسطيني تحدث عن حصر فرص البناء الفلسطيني بوضع سلسلة إجراءات تجعل البناء الفلسطيني المرخص في القدس أشبه بالمستحيل.

وأوضح أن منع الترخيص يتم بحجج متعددة، بينها: أن الأراضي مصنفة خضراء للمنفعة العامة، وغير مصنفة بيضاء، والابتعاد 150 مترا عن طرفي الشوارع الرئيسية كارتدادات على الجانبين، والابتعاد عن الجدار بعمق مئة متر، والأراضي الحكومية ومواقع مقترحة للشوارع أو أماكن عامة أو مصنفة عسكرية، والأراضي التي تحمل طابعا تاريخيا وأثريا ودينيا، الأراضي المخصصة للغابات والمحميات الطبيعية التابعة لسلطة الطبيعة الإسرائيلية.

استخدام قانون أملاك الغائبين للسيطرة على أملاك الفلسطينيين المهجرين عن أرضهم عنوة؛ أرضاً كانت أو عقارات، وتأجيرها للمستوطنين اليهود

ومن ضمن سياسات الحد من البناء أيضا:
– انحسار الأراضي المتاحة للبناء الفلسطيني، سواء القابلة للترخيص أو غير القابلة.

– ارتفاع تكاليف الترخيص حتى ثلاثين ألف دولار للمسكن الواحد.

– ندرة التراخيص وعدم كفايتها.

– ارتفاع تكاليف وعبء الغرامات المالية التي تفرضها بلدية الاحتلال على المقدسيين.

– إهمال تنظيم بلدية الاحتلال للأراضي وتخصيصها للبناء السكني الفلسطيني.

وعلى صعيد السيطرة على الأراضي، تحدث التقرير عن عدة وسائل، بينها:
– استخدم مفهوم الأراضي العثماني بالتعديل الذي أحدثه الانتداب البريطاني، وتحويل معظم الأراضي غير المسجلة (المطوبة) إلى أراضي دولة.

– استخدام قانون أملاك الغائبين للسيطرة على أملاك الفلسطينيين المهجرين عن أرضهم عنوة؛ أرضاً كانت أو عقارات وتأجيرها للمستوطنين اليهود أو استخدامها لأغراض الاحتلال.

عطل الاحتلال الإسرائيلي قانون تسوية الأراضي الأردني المستند إلى قانون الأراضي والمياه الأردني، ووضع اليد على جداول الادعاءات والحقوق، وقام بإجراء تعديلات وتزوير ووثائق بيع وهمية قلبت كل موازين الملكية في القدس.

برنامج التهجير الاحتلالي يهدف إلى تقطيع أوصال القدس وخنق التجمعات والأحياء السكنية الفلسطينية في القدس

– استخدمت بلدية الاحتلال في القدس التخطيط الهيكلي من أجل قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المقدسية، بتصنيفها مناطق خضراء أو مصادرتها للمنفعة العامة، كحدائق عامة ومناطق أثرية ولشق الطرق.

– إنشاء جدار الفصل والتوسع العنصري حول القدس بطول إجمالي 181 كيلومترا على مساحة تبلغ نحو سبعة آلاف دونم، وأدى ذلك إلى منع البناء لأسباب أمنية في محيط الجدار بعمق مئة متر، أي بمساحة إجمالية تقد بنحو 18 ألف دونم يمنع البناء عليها. 

أوامر جاهزة
تستنتج الدراسة أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع أرض فلسطين -خاصة القدس- تتم وفق أوامر هدم جاهزة للمنازل، وآليات تنفيذ حاضرة، تبدأ في جنح الظلام أو في ظل الأحداث الجسام، "وهي بلا شك جرائم إنسانية وأعمال تطهير عرقي يرفضها القانون والمعاهدات الدولية -حتى أثناء الحروب- وتوجب العقاب على دولة إسرائيل كدولة إجرام منظم وإرهاب دولة".

ولاحظ باحثو المركز تصاعد جرائم هدم المنازل، وكيف يسير برنامج التهجير الاحتلالي لتقطيع أوصال القدس وخنق التجمعات والأحياء السكنية الفلسطينية في القدس، من أجل فرض أمر واقع، ودفع المقدسيين لليأس والهجرة، وجعل حقائق الاستيطان والتهويد سداً منيعاً أمام أي تسوية حول مسألة القدس مستقبلاً.

وبينوا أن مناطق بيت حنينا والطور وعناتا والعيسوية سلوان وصور باهر والمكبر وشعفاط أكثر استهدافاً؛ وذلك لتنفيذ الأنشطة الاستيطانية الإحلالية في محيطها، كما أن البلدة القديمة -التي تعد إزالة حجر من حجارتها خرقا للقانون الدولي، لأنها تراث حضاري معماري إنساني يحظر المس به؛ أيضا في بؤرة الاستهداف بهدم نحو 43 مسكناً داخلها خلال فترة الدراسة.

وفي إجابته عن سؤال: لماذا يبني الفلسطيني بدون ترخيص؟ يجيب التقرير بأن الاحتلال قيد البناء على الفلسطينيين ومنعهم من استخدام 88% من أراضيهم، ولم يبق لهم سوى 12% للتنمية العمرانية 7%.

وفي حين تبلغ حاجة الفلسطينيين في القدس السنوية لنحو ألفي وحدة سكنية جديدة، يؤكد تقرير مركز أبحاث الأراضي أنه في واقع الأمر أكثر من نصف عدد المقدسيين البالغ نحو 380 ألف نسمة يعيشون في مساكن غير مرخصة بسبب القيود الإسرائيلية.

التقرير أوصى باستمرار تمسك المقدسي بأرضه ومسكنه وعدم تركه والرحيل عنه أو بيعه لأيّ كان، ومواصلة البناء بالترخيص وبدونه

مواجهة الواقع
وذكر الإصدار أن معظم الأراضي الفلسطينية داخل مخطط هيكلي لبلدية الاحتلال غير مصنفة أو منظمة، ويمنع البناء عليها، بينما تقوم الأقسام الهندسية في البلدية بتنظيم أي قطعة أرض يستولي عليها المستوطنون اليهود وعلى نفقة البلدية، وتصبح صالحة للبناء والسكن.

وعما يمكن عمله لمواجهة هذا الواقع، أوصى التقرير باستمرار تمسك المقدسي بأرضه وبمسكنه وعدم تركه والرحيل عنه أو بيعه لأي كان، ومواصلة البناء بالترخيص عندما يكون ذلك ممكنا، وبدون ترخيص إذا رفض الاحتلال الترخيص.

وعلى صعيد المؤسسات المحلية، أوصى باستمرار البحث عن تمويل لاستخدامه في مساعدة المقدسيين لتنظيم الأراضي غير المنظمة، والدفاع عن المساكن المهددة ومساندة المتضررين المقدسيين في الغرامات والضرائب التي تفرض عليهم حتى لا يضطرهم ذلك للهرب من المعيشة بالقدس.

كما دعا إلى المساعدة في تنظيم عمل المهندسين والمحامين مع أصحاب الأراضي والمساكن لتجنب الأخطاء والوصول لأفضل النتائج، ومواصلة وتطوير وسائل التوعية وتكرارها للمقدسيين بخصوص حقوقهم في الأرض والسكن.

وعلى صعيد المؤسسات الدولية، طالب بالعمل على تخصيص تمويل سخي من أجل دعم: التنظيم، والترخيص، والدفاع القانوني، ودفع الغرامات والضرائب، والتعامل مع هذه القضايا من خلال شريك من المؤسسات الفلسطينية المختصة وذات الخبرة والتجربة.

المصدر : الجزيرة