الصهيونية.. رحلة إقامة دولة يهودية

Pro-Palestinian protesters hold boards reading: " Palestine, a state now" (R) and: "down with zionism" during a demonstration, which had been authorized by police, against violence in the Gaza strip, in Paris July 23, 2014. The demonstration, heavily policed, is organised by a consortium of groups, including established political parties (PCF, EELV), and with the CGT trade union members helping to maintain order. REUTERS/Benoit Tessier (FRANCE - Tags: CIVIL UNREST POLITICS CONFLICT)
مظاهرة مناهضة للصهيونية بباريس (رويترز)
حركة سياسية ظهرت أواخر القرن التاسع عشر الميلادي داخل التجمعات اليهودية في وسط وشرق أوروبا، وقامت على فكرة إيجاد كيانٍ سياسي (دولة) تنهي حالة التيه التي يعيشها اليهود منذ إخضاعهم من قبل المملكة الآشورية، وفق المعتقدات التلمودية، وتسمح بعودة الشعب اليهودي إلى الوطن أو الأرض الموعودة فلسطين.
 

الأسس الأيديولوجية
قامت الحركة الصهيونية على فكرة أن شتات اليهود عبر العالم نزع عنهم صفة الأمة وحرمهم من إقامة كيان أو كيانات سياسية تضمن لهم التميز من الناحية الاجتماعية وتبعد عنهم خطر الذوبان داخل المجتمعات الأوروبية التي كانوا يعيشون داخلها أقليات تعاني التهميش والاحتقار وتبقى على هامش الحياة السياسية والاقتصادية.

وترى الصهيونية أن العودة الموعودة لن تتم إلا بجهد يهودي صرف ليس له من ظهير إلا الدعم الإلهي، الذي لم تنكره الصهيونية في بداياتها رغم أنها ستنزع منزعا علمانيا في العقود اللاحقة خاصة بعد قيام إسرائيل.

وظهرت الصهيونية في سياق أوروبي تميز بنزعة قومية متعاظمة سادت أوروبا في القرن التاسع عشر نتيجة لقيام الدول الوطنية في القرنين السابع عشر والثامن عشر وما رافقها من حروب دموية كان الانتماء القومي الركن الركين للتعبئة من أجلها وقيام كيانات وطنية قومية الهدف السياسي الأساسي لها.

النشأة
ارتبطت نشأة الحركة الصهيونية في الأذهان بالكاتب والصحفي السويسري تيودور هرتزل. ورغم الدور المركزي لهرتزل في المشروع الصهيوني، فإن ابتكار كلمة صهيونية يعود للصحفي السويسري ناتان بيرنبون، زميل هرتزل حين ابتكر هذا المصطلح عام 1890. وكان بيرنبون يؤكد أنه يعني النهضة السياسية لليهود بعودتهم الجماعية إلى فلسطين، أو بمعنى آخر إعطاء مضمون سياسي وقومي لليهودية.

وقبلهما، تبنى مجموعة من الحاخامات القضية اليهودية منذ أواسط القرن التاسع عشر مدفوعين بموجة معاداة السامية التي اجتاحت أوروبا في تلك المرحلة وتواصلت إلى أواسط القرن العشرين.

ومع ذلك، فإن هيرتزل هو أبو الحركة الصهيونية وصاحب مشروع الدولة اليهودية التي تحدث عنها بإسهاب في كتاب أصدره عام 1896 وحمل عنوان "الدولة اليهودية" بسط فيه أفكارا عملية فعالة سيكون لها إسهامها الكبير في إنجاح المشروع لاحقا. وتمحورت هذه الأفكار حول تهجير اليهود إلى فلسطين، والتعبئة من أجل القضية اليهودية عبر العالم، ثم تجنيد الأوساط اليهودية خلف فكرة الدولة اليهودية التي لم تكن ذات أهمية لدى فئات واسعة من اليهود.

وتحسب أول خطوة عملية ذات شأن في المشروع الصهيوني لجمعية أسسها الطلبة اليهود بمدينة خاركيف الأوكرانية في 1882 وأطلق عليها جمعية "بيلو"، وحددت الجمعية لنفسها هدفا عمليا بسيط التنفيذ وذا فعالية كبيرة في إنجاز المشروع الصهيوني هو إقامة تجمعات فلاحية لليهود الشرقيين في فلسطين.

مؤتمر بال
واكتسبت الحركة الصهيونية اهتماما سياسيا وإعلاميا هاما في أوروبا والعالم مع انعقاد مؤتمرها الأول بين 29 و31 أغسطس/آب 1897 في مدينة بال السويسرية.

وتوج المؤتمر أعماله بإعلان قيام الحركة الصهيونية العالمية وانتخب لها لجنة تنفيذية اتخذت من فيينا مقرا لها. وتعززت هذه المؤسسات بذراع مالية هي الصندوق اليهودي الذي تأسس بناء على مقررات المؤتمر الخامس عام 1901.

وبالتزامن مع هذه الخطوة، تواترت موجات هجرات اليهود الشرقيين إلى فلسطين ولاسيما من روسيا بعد الثورة البلشفية الفاشلة عام 1905.

وبحثا عن سند بين القوى الكبرى يومها، لجأ هيرتزل إلى الدولة العثمانية وفاوضها (بين عامي 1896-1906) على إصدار ميثاق يمنح اليهود الحق في العودة إلى فلسطين، وعرض بالمقابل التدخل لدى القوى الأوروبية لخفض المديونية العثمانية الهائلة.

لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة، فقرر هيرتزل التوجه إلى بريطانيا واستطاع الحصول على فرصة عرض إشكال الهجرة (ومنها الهجرة اليهودية) أمام مجلس العموم، وأقام صلات وثيقة مع ساسة بريطانيين بينهم وزير المستعمرات جوزيف تشامبرلين الذي اقترح عليه إقامة تجمع لليهود في العريش أو أوغندا. ورغم فشل هذه المساعي، فإنها شكلت نصرا سياسيا هاما، فقد جسدت اعتراف بريطانيا بأن اليهود أمة لها الحق في السيادة على حيز ترابي خاص بها.

وكانت خطوات هيرتزل محط انتقاد شديد من الصهيوني الروسي شاييم ويزمان (رئيس إسرائيل بين 1949-1952) الذي رأى أن ما سماه الصهيونية الدبلوماسية غير مجدية، وآثر بدلا عنها ما سماه الطريق الملكي.

وهكذا، باشر ويزمان اتصالات مكثفة بالمحيط المباشر لملك بريطانيا وأثمر جهده "وعد بلفور" المشؤوم الصادر في الثاني نوفمبر/تشرين الثاني 1917، الذي مهد الطريق لقيام إسرائيل بعد ذلك بثلاثة عقود.

وبموازاة هذه المكاسب السياسية المتتالية، كانت المنظمات الصهيونية تُنظم الهجرة إلى فلسطين لتدارك التخلف الديمغرافي مقابل الفلسطينيين، لكن الحركة الصهيونية واجهت تحديا آخر هو الرفض داخل المجتمع اليهودي نفسه، إذ كانت فئات واسعة من هذا المجتمع غير مقتنعة بفكرة الدولة، ولم يحدث تحول ذو شأن في هذا المنحى إلا بعد إبادة اليهود على يد النازية في محرقة الحرب العالمية الثانية.

وعد ثم دولة
وباركت القوى الاستعمارية (خاصة بريطانيا وفرنسا) قيام وطن لليهود في فلسطين، لكن بريطانيا وهي الوصية على فلسطين كانت تريد أن لا تكون الدولة اليهودية مرادفا لنفي حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

واستطاعت العصابات الصهيونية إعداد نفسها لما بعد مرحلة الوجود البريطاني، ففي عام 1947 مثلا كانت عصابات الهاغانا تتوفر على أربعين ألف عنصر في قوات الجيش والأمن التابعة لسلطات الانتداب.

وشكل قيام إسرائيل انتصارا لفكرة الدولة اليهودية كما بشر بها هيرتزل، لكن الحركة الصهيونية بدأت تنزع بشكل مضطرد إلى مزيد من العلمانية، كما بدأت تنزع نزعة عنصرية متطرفة تطورت مع توالي السنين من مطلب جمع اليهود في فلسطين إلى إقامة دولة على أنقاض دولة فلسطين ثم طرد العرب منها وإقامة دولة يهودية خالصة.

فالحركة الصهيونية ومعها إسرائيل تصنف في كثير من أرجاء العالم، حركة ودولة عنصرية ليس لمواقفها من العرب وإنما لتمييزها بين اليهود أنفسهم، ومن أمثلة ذلك تهميش يهود الفلاشا الأحباش ويهود المشرق والمغرب الإسلامي.

المصدر : الجزيرة