سناء عليان.. يوميات مرابطة في الخان الأحمر

فلسطين ضواحي القدس أكتوبر 2018 تساهم سناء عليان ومرابطات أخريات بتقديم الدعم النفسي لنساء الخان الأحمر وإطعام المرابطين في التجمع
سناء عليان ومرابطات أخريات يقدمن الدعم النفسي لنساء الخان الأحمر وخدمة المرابطين (الجزيرة)

 ميرفت صادق-الخان الأحمر

أصبحنا في اليوم السابع بعد المئة من القرار الإسرائيلي بهدم قرية الخان الأحمر البدوية شرق القدس المحتلة. توظب سناء عليان فراشها بحديقة خلفية من المدرسة المهددة بالهدم أيضا، وتنتقل لتناول الفطور بدعوة من ابنة القرية أم محمد أبو داهوك، ثم تستعد ليوم طويل من الرباط، كما فعلت طيلة الشهور الثلاثة الأخيرة.

سناء عليان (56 عاما) أم لأربعة أولاد وجدّة لأربعة أطفال، ناشطة سياسية من بلدة بيت صفافا جنوب القدس المحتلة، وكانت من أوائل الذين استجابوا لنداء الرباط في الخان الأحمر، بعد أن قررت إسرائيل هدم القرية وترحيل سكانها البالغ عددهم نحو 200 نسمة مطلع يوليو/تموز الماضي.

كانت سناء تأتي إلى القرية يوميا، وتعود إلى بلدتها التي تبعد أربعين دقيقة عن التجمع المهدد بالهدم، ثم قررت الرباط والنوم في التجمع، بعد أن اشتد التهديد باقتلاع الأهالي وانتهت مهلة إسرائيلية لهم بهدم مساكنهم بأيديهم.

تعتقد سناء بأن وجود كل فرد بالتجمع ضروري، وهي من ضمن فريق نسوي يساهم يوميا في تقديم وجبات الطعام لمئات المرابطين، وتستلهم هذه التجربة من نشاط الفلسطينيات في الانتفاضة الشعبية الأولى نهاية الثمانينيات، والذي شاركت فيه شخصيا، وقدمت نضالا مساندا للرجل ضد الاحتلال.

وترى سناء أن وجود مرابطات في تجمع بدوي يتعامل مع النساء بحساسية عالية أمر هام جدا، فهن وحدهن القادرات على دخول البيوت عند اقتحام الاحتلال للقرية، وتقديم الدعم والإرشاد النفسي وأي مساعدة مطلوبة.

ولدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التي تشرف على الرباط في الخان الأحمر خطة تدخل لمواجهة محاولة الاقتلاع والهدم، لكنها غير معلنة. وحتى ذلك الحين، يقدم المرابطون أشكالا من الدعم والإسناد للأهالي، سواء بالوجود معهم ليلا ونهارا أو بالتخفيف من التوتر والخوف الذي يخلفه التهديد بالترحيل على الأطفال والنساء خاصة.

 صامدون.. كتبت على مدخل قرية الخان الأحمر المهددة بالهدم الإسرائيلي وترحيل 200 فلسطيني يعيشون فيها منذ ستة عقود (الجزيرة)
 صامدون.. كتبت على مدخل قرية الخان الأحمر المهددة بالهدم الإسرائيلي وترحيل 200 فلسطيني يعيشون فيها منذ ستة عقود (الجزيرة)

في حالة الاقتحام، تساعد سناء والمرابطات في حمل الأطفال والتخفيف عن الأمهات، وقد ساهمن في رد اعتداءات جنود الاحتلال على رجال القرية في الهجوم الإسرائيلي الأول على الخان الأحمر بداية شهر يوليو/تموز الماضي.

وتراعي سناء عليان والنساء المرابطات من خارج التجمع وجودهن في مجتمع بدوي له خصوصيته من خلال النوم والوجود في أماكن مخصصة للنساء فقط وعدم التجول بين المساكن.

تقول سناء إن معظم النساء هنا لا يستطعن مواجهة جيش الاحتلال مباشرة، لكنهن جميعهن مصممات على البقاء في مساكنهن وعدم الخروج منها. ولذلك تعتقد أن هناك حاجة لعدد أكبر من النساء بين المرابطين لإسناد نساء القرية.

وتزور سناء عائلتها كل يومين للاطمئنان على أبنائها وشقيقها المريض، وتعود بعد ساعات لمواصلة نشاطها.

درست سناء العلاج البديل، واستفادت من تخصصها في إرشاد نساء التجمع بشأن أساليب الدفاع عن النفس عند تعرضهن للضرب والعنف الشديد.

مرابطون يوجدون بشكل دائم في الخان الأحمر لمقاومة هدم القرية وترحيل أهلها (الجزيرة)
مرابطون يوجدون بشكل دائم في الخان الأحمر لمقاومة هدم القرية وترحيل أهلها (الجزيرة)

ومع ساعات الظهر، تعود لزيارة نساء التجمع ومنهن أم محمد أبو داهوك التي أظهرت توترا واضحا وهي تجلس على فراش بسيط أمام مسكنها المقام من الصفيح والأخشاب، وحدّثت سناء عليان عن حيرتها، وكيف سيواجهن الشتاء هذا العام، وهل يبدأن بتغطية مساكنهن بالخشب والنيلون كما يفعلن كل عام، أم أن الترحيل سيسبق المطر.

وتعيش أم محمد مع عائلة من 14 فردا في بيت قريب من مدرسة القرية حيث يتجمع المرابطون، وتقول إنها أيقظت أطفالها فجرا بحالة من الخوف بعد أن حاصرت آليات عسكرية عدة التجمع، وظنت أن ساعة ترحيلهم قد حانت.

يسأل أطفالها يوميا كيف ستكون حياتهم خارج قريتهم، أين سنذهب؟ وماذا سنفعل بشأن دراستنا؟ لا إجابة لدى الأم إذ تقول "هذه حالة لا يعلم بها إلا الله".

يعمل زوجها وأبناؤها في قطف البلح بإحدى المناطق الزراعية القريبة، وتعتقد أن مصدر رزقهم سيكون مهددا إذ تم ترحيلهم خارج تجمعهم.

تقول أم محمد إن وجود المرابطات يرفع معنويات النساء في التجمع، لا سيما وأن برامج الدعم النفسي في الخان الأحمر والتجمعات البدوية لا تزال ضعيفة.

 منذر عميرة: وجود المرابطين في الخان الأحمر يمنع إسرائيل من هدمه (الجزيرة)
 منذر عميرة: وجود المرابطين في الخان الأحمر يمنع إسرائيل من هدمه (الجزيرة)

تواجه سناء عليان والمرابطون هنا، كما يقول الناشط في لجان المقاومة الشعبية منذر عميرة، جريمة حرب إسرائيلية، وفق تصنيف القانون الدولي، لوجود قرية كاملة مهددة بالهدم والتهجير.

ويختلف تصنيفهم بين نشطاء سياسيين أو مدافعين عن حقوق الإنسان أو ممثلين عن مؤسسات دولية أو أفراد بصفتهم الشخصية. وتصل أعدادهم في ليالي الجمعة والسبت خاصة إلى المئات، ويلجؤون إلى تقسيم الحراسة والرباط وفق نظام المناوبات ليلا. ويعتقد عميرة أن "وجودهم يمنع إسرائيل حتى الآن من هدم التجمع".

ويوجد عميرة منذ بداية الاعتصام في الخان الأحمر، لكنه يقول إن النضال لحماية التجمعات البدوية بدأ قبل سنوات من خلال نشطاء المقاومة الشعبية لمواجهة المخطط الإسرائيلي المسمى "إي1" (E1)، الذي يسعى لهدم التجمعات البدوية وفصل القدس عن الضفة الغربية شمالا وجنوبا وعزلها بغلاف من المستوطنات.

وقال إن وجود المعتصمين والمتضامنين في هذه المناطق لفت نظر السلطة الفلسطينية إليها، ودفعها للاهتمام بسكانها ودعمهم سياسيا وماديا للصمود في أراضيهم.

ويسعى المرابطون في الخان الأحمر، حسب عميرة، إلى زيادة أعدادهم يوميا، والعمل على كسر القرار الإسرائيلي بهدم القرية، وتكريس الخان الأحمر والتجمعات البدوية في محيط القدس جيوبا لمقاومة سياسة الاستيطان والتهجير.

المصدر : الجزيرة