ضحايا الصحافة بالعراق.. حين يكون ثمن الكلمة باهظا

مشاركون في تشييع الصحفية رنا العجيلي التي قتلت أثناء تغطيتها لتحرير مدينة القائم غربي العراق
مشاركون بتشييع الصحفية رنا العجيلي التي قتلت أثناء تغطيتها لتحرير مدينة القائم غربي العراق (الجزيرة نت)

مروان الجبوري-بغداد

منذ أن تعرض ابنه للاغتيال في الـ 12 من يناير/كانون الثاني 2016 يراجع الحاج طلال المجمعي دوائر الدولة في محافظته ديالى والعاصمة بغداد على مدار الأسبوع للحصول على حقوق ولده سيف الذي اغتالته مجموعة مسلحة حين كان يقوم بواجبه الصحفي.

يقول المجمعي إنه تقدم بمعاملة "ضحايا الإرهاب" منذ أكثر من عامين لكن التسويف ظل سيد الموقف، ورغم الوعود المتكررة إلا أنهم لم يحصلوا على شيء حتى اللحظة.

سيف -الذي كان يعمل مراسلا لقناة الشرقية- طالته رصاصات مجهولة أنهت حياته برفقة مصوره حسن العنبكي عندما كانا عائدين من جولة ميدانية مع قائد عمليات المحافظة، ليخلف وراءه زوجة وطفلين لم يشملهم الراتب التقاعدي الذي أقره مجلس النواب في قانون حماية الصحفيين عام 2011.

وتتقاضى عائلة الفقيد -التي تقيم في ناحية الغالبية بمحافظة ديالى- راتبا قدره 600 دولار من القناة التي كان يعمل فيها، ومنذ الحادث لم يقم أي مسؤول في المحافظة أو الحكومة بزيارتهم، كما يؤكد والده.

ولا تختلف حالة الحاج طلال عن معاناة مئات الأسر من ذوي ضحايا الصحافة الذين طالتهم المفخخات والاغتيالات والخطف والتغييب القسري منذ عام 2003. ورغم أن أوار استهدافهم قد خبا قليلا، إلا أن تقارير المنظمات الدولية ما زالت تشير إلى كون العراق أحد أخطر بلدان العالم على حياة الصحفيين.

وقد كشف تقرير -أصدرته جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق مؤخرا- أن 40 صحفيا قتلوا خلال السنوات الثلاث الماضية، بينما أصيب نحو 76 آخرون في حوادث متفرقة.

تهديد وابتزاز
وفي الموصل شمالي البلاد، تبدو الصورة أكثر قتامة، فالمدينة التي حررتها القوات العراقية بمعارك طاحنة استمرت نحو عشرة أشهر خلفت وراءها آلاف الضحايا، وما زالت جثث الكثيرين منهم تحت الأنقاض.

وكان من بين هؤلاء الضحايا صحفيون رافقوا القوات العراقية بمختلف صنوفها، فطالتهم قذائف ورصاصات أردت العشرات منهم بين قتيل وجريح.

ويقول الصحفي عماد الشمري إن العديد من الصحفيين والمدونين الموصليين عادوا إلى المدينة بعد تحريرها، ليعملوا بجو من الحرية "المقبولة" نوعا ما، لكن بعض القيود ما زالت تواجههم، وفي مقدمتها الخوف من تناول بعض الشخصيات السياسية والعشائرية التي باتت بمثابة خطوط حُمر، بحسب قوله.

ويضيف الشمري -الذي سبق أن تعرض لتهديدات بسبب ما ينشره على صفحته بموقع فيسبوك– أن انتقاد بعض المتهمين بالفساد اليوم قد يؤدي بصاحبه إلى تلقي تهديدات بالتصفية أو الاختطاف، وهو ما يدفع العديد منهم للإحجام عن الخوض في الشأن العام، أو تناول واقع المدينة "على استحياء".

أما في أطراف المدينة فما زال خطر التصفية المباشرة قائما، بسبب وجود خلايا لتنظيم الدولة تعمل بشكل سري، كما تشير التصريحات الحكومية.

لذا فضل العشرات منهم البقاء في إقليم كردستان وتركيا ودول أخرى، بعدما تعرض زملاء لهم إلى انتهاكات متنوعة من بينها القتل والخطف والابتزاز، وإغلاق المحطات التلفازية والمواقع الإخبارية.

‪صحفيو العراق يواجهون القتل والتهديد والتضييق‬ صحفيو العراق يواجهون القتل والتهديد والتضييق (الجزيرة)
‪صحفيو العراق يواجهون القتل والتهديد والتضييق‬ صحفيو العراق يواجهون القتل والتهديد والتضييق (الجزيرة)

انتهاكات مختلفة
ووفقا لناشطين من المدينة فقد بلغ عدد الذين قتلوا من صحفيي الموصل -منذ الغزو الأميركي للبلاد- حوالي خمسين شخصا، سقط بعضهم في معارك مع تنظيم الدولة، واغتيل آخرون في جرائم قيدت ضد مجهولين، فضلا عن الذين اختطفهم التنظيم إبان فترة حكمه للمدينة وما زال مصيرهم غير معروف.

وكغيرهم من صحفيي العراق، لم تحصل معظم أسر هؤلاء الضحايا على أية حقوق، لأن أغلبهم كانوا هواة وعاملين في قنوات وصحف محلية، ولم يحملوا هويات نقابة الصحفيين، كما يؤكد الشمري.

ويرى عضو المركز العراقي لدعم حرية التعبير زيد شبر أن الانتهاكات ضد الصحفيين والمدونين وأصحاب الرأي في العراق تنقسم إلى نوعين، الأول ما ترتكبها جهات حكومية أو عاملون فيها، وأما النوع الثاني فهي الانتهاكات المجتمعية عبر أقارب المسؤولين، الذين يقومون بمقاضاة الصحفي وتوريطه بمشاكل عشائرية ومنعه من مزاولة عمله.

وقد زادت في الآونة الأخيرة ظاهرة الدعاوى القضائية وتثبيت قيود جنائية ضد الصحفيين بتهم ملفقة و"مفبركة" في أحيان كثيرة، مثل الاعتداء على رجال أمن أثناء تأدية عملهم وغير ذلك، على حد قوله.

لكنه يعتقد أن العنف قل نسبيا تجاه الصحفيين في السنوات الأخيرة، رغم أن بعض المخاطر ما زالت موجودة، ومن أبرزها محاولة زجهم في السجون ومنعهم من ممارسة عملهم، كما حصل مع العديد من الصحفيين الذي قاموا بتغطية مظاهرات البصرة الأخيرة وتم احتجازهم لساعات، قبل أن يطلق سراحهم.

ويؤكد شبر -في حديثه للجزيرة نت– أن المسؤولين ورجال الأمن في العراق بحاجة إلى ثقافة قانونية لحماية حرية التعبير وتقبل اختلاف الرأي، وهذا غير متوفر حاليا.

ووفقا لإحصاءات المركز العراقي فإن أكثر من 420 صحفيا عراقيا قتلوا في ظروف مختلفة منذ عام 2003، ورغم أن قانون حماية الصحفيين ينص على منح أسرهم رواتب تقاعدية أسوة بموظفي الدولة فإن القانون يواجه عراقيل في التنفيذ بسبب الوضع المالي للحكومة العراقية، كما يقول المسؤولون.

المصدر : الجزيرة