تقييد التوريد بتونس يثير مخاوف انتعاش السوق السوداء

جانب من أحد الأسواق السوداء بالعاصمة تونس/سوق بومنديل/العاصمة تونس/نوفمبر/تشرين الثاني 2017
جانب من سوق بو منديل بتونس العاصمة (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

حذر خبراء تونسيون من احتمال أن يشهد نشاط ما يعرف باقتصاد الظل انتعاشا قويا عقب قرار البنك المركزي التونسي وقف إقراض الموردين التونسيين لتمويل واردات عدد من السلع الاستهلاكية بسبب تفاقم العجز التجاري وتدهور الدينار.

ووجه البنك المركزي مؤخرا وثيقة للمصارف المحلية لوقف تمويل واردات 220 سلعة استهلاكية، من ضمنها مواد غذائية وبذور القرع ومشروبات غازية وعطور ومكيفات وملابس جاهزة، والسماح للموردين بمواصلة نشاطهم على نفقاتهم الخاصة.

واعتبر محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أن تلك السلع "غير ضرورية" للسوق الداخلية، وأنها عمقت قيمة عجز الميزان التجاري البالغ خلال الأشهر التسعة الماضية نحو 4.6 مليارات دولار، مع العلم أن العجز بلغ العام الماضي 5 مليارات دولار.

‪‬ الرحوي: قرار البنك المركزي خطوة صائبة لكبح نزيف الواردات(الجزيرة)
‪‬ الرحوي: قرار البنك المركزي خطوة صائبة لكبح نزيف الواردات(الجزيرة)

وتعاني البلاد بعد الثورة من أزمة اقتصادية ومالية خانقة بسبب تراجع الصادرات والاستثمارات الأجنبية وتدني عائدات قطاع السياحة وتحويلات المغتربين، مما انعكس سلبا على مخزون العملة الصعبة الذي تراجع حاليا إلى 5 مليارات دولار.

ويكفي رصيد النقد الأجنبي، بحسب البنك المركزي، لتمويل ثلاثة أشهر فقط من الواردات، وهو من أدنى المستويات التي بلغها الاقتصاد التونسي، مما جعل البنك المركزي يدق ناقوس الخطر للضغط على الواردات والتحكم بالعجز التجاري التونسي.

خطوة إيجابية
رئيس لجنة المالية بالبرلمان منجي الرحوي وصف الإجراء الأخير للبنك المركزي التونسي بأنه "خطوة صائبة" من أجل كبح نزيف الواردات، ووقف إغراق السوق المحلية ببضائع استهلاكية أجنبية يمكن إنتاجها في الأسواق التونسية.

وقال للجزيرة نت إن من شأن قرار البنك المركزي أن يعزز رصيد البلاد من العملة الصعبة، التي شحت نتيجة تفاقم وتيرة التوريد العشوائي لمواد استهلاكية. واعتبر الرحوي أن أغلب تلك المواد يذهب للاستهلاك الفوري، ولا يعتمد كمواد أولية في الإنتاج الصناعي.

ورغم أن القرار لا يشجع مباشرة المستهلك التونسي على الإقبال على شراء المنتجات المحلية الصنع، يؤكد الرحوي أن الضغط على توريد السلع من شأنه أن يجعل المنتوج التونسي موجودا في العرض أكثر من المنتجات القادمة من وراء البحار.

ويوجه مراقبون نقدا للشراكة التجارية والتبادل الحر بين تونس وتركيا بدعوى أن تلك الشراكة سمحت لتركيا بإغراق السوق التونسية بسلعها الاستهلاكية، بالإضافة لانتقاداتهم لاكتساح السلع الصينية الرخيصة الثمن الأسواق المحلية.

تأثيرات سلبية
من جهته، يرى وزير المالية السابق سليم بسباس أن قرار البنك المركزي بالسماح للموردين، الذين يمتلكون أمولا نقدا لتمويل وارداتهم ومنع إقراض الموردين الذين يلجؤون للبنوك لتمويل عملياتهم، قد تكون له "آثار إيجابية" لتوفير العملة الصعبة.

ويقول بسباس للجزيرة نت إن هذا القرار قد يؤثر بشكل "سلبي" على قطاعات يرتكز نشاطها أساسا على التوريد مثل موردي العجلات المطاطية، الذين أعربوا عن قلقهم من تدهور نشاطهم عقب هذا الإجراء في مقابل انتعاش هذا القطاع بالسوق السوداء.

‪‬ سعيدان: قرار البنك المركزي متسرع وهناك خشية من ارتفاع نشاط المهربين(الجزيرة)
‪‬ سعيدان: قرار البنك المركزي متسرع وهناك خشية من ارتفاع نشاط المهربين(الجزيرة)

ويضيف بسباس أن منع المصارف من فتح اعتمادات للموردين التونسيين لتوريد السلع من قائمة طويلة حددها البنك المركزي التونسي، من شأنه أن يضر بقطاعات منظمة، ويفتح الباب أمام تنامي ظاهرة التهريب وازدهار نشاط اقتصاد الظل، وفق رأيه.

ولا يختلف الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان مع وزير المالية السابق في أن قرار البنك المركزي كان متسرعا ولم تتم دراسته بروية، موضحا أن هناك خشية حقيقية من ارتفاع نشاط المهربين وتجار السوق السوداء في ظل الضغط على الموردين.

ويقول سعيدان إن توجه البنك المركزي للضغط على عجز الميزان التجاري قد يخلق ضغطا آخر، لأنه سيجبر الموردين على الدفع بالحاضر لمزوديهم لأجل توريد السلع، و"في المقابل تعمل السوق السوداء دون أي ضغوط وهو ما سينمي تجارتها".

يذكر أنه لا توجد في تونس دراسة رسمية عن حجم اقتصاد الظل، الذي يتغذى من التهريب ولا ينفع خزينة الدولة بأي ضرائب. وتشير بعض تقديرات الخبراء إلى أن حجم اقتصاد الظل يبلغ 50% من حجم الاقتصاد التونسي المنظم.

المصدر : الجزيرة