تصعيد إدارة أوباما مع إسرائيل.. الدوافع والآفاق

U.S. President Barack Obama + combo+ Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu
العلاقات الأميركية الإسرائيلية شهدت توترا مستمرا خلال فترة أوباما (رويترز)
قال تقدير موقف صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إنه قبل انتهاء ولايتها الدستورية، اختارت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تعبّر بطريقة غير مألوفة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية عن إحباطها المتراكم من حكومة بنيامين نتنياهو بسبب سياساتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإفشال عملية التسوية مع الفلسطينيين.

ففي 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ما سمح بتمرير القرار 2334 الذي دان بناء إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعدّها غير شرعية، وهو ما أثار غضب إسرائيل وحلفائها في واشنطن، بمن فيهم الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وتخشى إسرائيل أن تذهب إدارة أوباما في أيامها الأخيرة إلى أبعد من ذلك ومحاولة فرض معايير أو محددات لصورة الحل النهائي عبر مجلس الأمن، ورغم أن إدارة أوباما أكدت عدم نيتها القيام بذلك، لم يتبدد القلق في إسرائيل، خصوصا أن هناك من يرى أن أوباما يحاول أن يقيد يدَي إدارة ترمب المقبلة التي أعلن رئيسها صراحة أنه سينحاز إلى دولة الاحتلال بالمطلق، بما في ذلك نشاطها الاستيطاني.

فما دوافع هذا التحرك المتأخر لإدارة أوباما؟ وما مدى تأثيره في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ وما قيمة القرار الأخير لمجلس الأمن وما جاء في خطاب كيري من محددات مقترحة للحل، وخاصة أن ترمب ونتنياهو أعلنا عدم التزام هذه المحددات أو التزام قرار مجلس الأمن؟

خطاب كيري زاد من قلق الإسرائيليين (رويترز)
خطاب كيري زاد من قلق الإسرائيليين (رويترز)

فبعد تمرير القرار، اتخذت إدارة أوباما خطوة أخرى تمثلت بالخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية جون كيري في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وحدد فيه خمسة "مبادئ"، ينبغي للمفاوضات النهائية أن تسترشد بها، وهي: ضمان حدود آمنة ومعترف بها بين إسرائيل ودولة فلسطينية تتوافر لها مقومات الحياة، وتحقيق هدف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 من قيام دولتين لشعبين، واحدة يهودية والثانية عربية.

والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين بمساعدة دولية، وأن تكون القدس عاصمة معترفا بها دوليا لدولتين، مع ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، وأخيرا ضمان الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، بما يضمن انتهاء الاحتلال بصورة كاملة في نهاية المطاف.

دوافع
ويمكن إجمال أهم دوافع إدارة أوباما ومبرراتها من وراء هذا التحرك المتأخر في جملة أسباب أبرزها حالة الإحباط الشديد جراء إفشال حكومة نتنياهو مساعي إدارة أوباما في التوصل إلى تسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واعتبار إدارة أوباما أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية كان السبب الرئيس في انهيار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

وكذلك خشية إدارة أوباما من أن توشك النافذة المتاحة لتحقيق حل الدولتين على الإغلاق، فإسرائيل تتجه نحو احتلال دائم، أو حل "دولة واحدة"، كما يرى البعض أن سماح الولايات المتحدة بصدور قرار مجلس الأمن 2334 هو تتويج للعلاقة الفاترة، إن لم تكن المتوترة، بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو التي وصلت إلى حد ازدراء المسؤولين الإسرائيليين أوباما وكيري.

‪مستوطنة رمات شلومو تتوسع لربطها بالقدس والكتل الاستيطانية بالضفة الغربية‬ (الجزيرة)
‪مستوطنة رمات شلومو تتوسع لربطها بالقدس والكتل الاستيطانية بالضفة الغربية‬ (الجزيرة)

أما الدافع الأخير فقد يكون محاولة من أوباما لتكبيل يدَي إدارة ترمب المقبلة في السياق الفلسطيني الإسرائيلي، فهناك قلق يساور إدارة أوباما من أن ينقض ترمب عقودا من المحددات السياسية الأميركية التي استقرت تحت إدارات ديمقراطية وجمهورية نحو الصراع العربي الإسرائيلي.

ردود الفعل
وتباينت ردود الفعل على موقف إدارة أوباما في مجلس الأمن وعلى خطاب كيري، ففي حين انتقدهما كل من إسرائيل، وترمب وأعضاء في الكونغرس، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أيدت موقف إدارة أوباما دول كفرنسا وألمانيا وكندا وتركيا وبعض الدول العربية، إضافة إلى بعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس.

وجاءت رد الفعل الإسرائيلي على ما جرى خارجا عن حدود اللياقة والدبلوماسية، إذ وصف المسؤولون الإسرائيليون امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن بـ "الخطوة المشينة" وبـ "الكمين الوقح"، ووصل الأمر إلى حد اتهام إدارة أوباما بأنها هي من تقف وراء صوغ القرار 2334 والدفع به عبر مجلس الأمن.

أما الرئيس المنتخب دونالد ترمب فلم يكتف بالتنديد بقرار مجلس الأمن وبخطاب كيري عبر تغريدات على تويتر، بل مارس دورا أساسيا في إفشال المحاولة الأولى للتصويت على مشروع القرار الدولي عندما ضغط على مصر التي قدمت المشروع باسم المجموعة العربية، لسحبه من التداول.

وفي كل الأحوال، يجب ألا تؤدي هذه القرارات إلى تغييب حقيقة أن إدارة أوباما قدمت أكبر مساعدات عسكرية وأمنية ومالية وسياسية لإسرائيل في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وهي التي رفعت في سبتمبر/أيلول المساعدات العسكرية لإسرائيل من 3.1 مليارات دولار إلى 3.8 مليارات دولار سنويا.

المصدر : الجزيرة