شعار قسم ميدان

الدولة أم الأذرع.. من سيتولى في الحقيقة الانتقام لسليماني؟

ميدان - قاسم سليماني ترامب وروحاني
تقدمة المترجم

في ردها الأول على عملية اعتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني؛ قامت طهران بإطلاق دفعة صواريخ من طراز "فجر" مستهدفة بها قاعدة "عين الأسد" الأمريكية في العراق وقاعدة أمريكية أخرى في إربيل ضمن ما أسمته عملية "سليماني"، وهي العملية التي أتت ردًا على اغتيال "سليماني" منذ أيام قليلة، وقد حذر الإيرانيون حلفاءهم، من أنهم لن يترددوا في قصف أي قاعدة تصبح "منصة للأمريكيين" إن اتخذوا رد فعلٍ على قصف قواعدهم.

   

وبالنظر لإستراتيجية الردّ الإيراني، فقد تكون هذه هي البداية فقط، حيث توقع خبراء أن تصعّد إيران بإلغاء القيود على ملف تخصيب اليورانيوم، وهو ما حدث بالفعل، لتتخفف إيران، أخيرًا، من الحرج الذي حكَمَ علاقتها ببقية أطراف اتفاقية العمل الشاملة المشتركة من الأوروبيين ومن خلفهم الروس والصينيين، وألغوا الاتفاقية بشكل عملي.

   

في هذا السياق، تتنبأ المادة بعدد من ردود الأفعال الممكنة للإيرانيين، سواء تلك المتوسطة أو طويلة المدى، قياسا على العلاقات المتوترة التي حكمت علاقة طهران بواشنطن بدءً من الحرب الأفغانية ومرورًا بالملف السوري، ووصولًا إلى الملف العراقي الذي يقبع على رأس قائمة العداء الإيراني الأمريكي رفقة الملف النووي.

    

    

نص المادة

كان قاسم سليماني، القائد العام لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في الجمهورية الإسلامية وندًّا من نوع خاص للولايات المتحدة. حيث وقف على رأس جهود إيران في تسليح وتدريب الميليشيات الشيعية في العراق، ثم أصبح لاحقا أحد المصادر الرئيسية لتأثير إيران السياسي في بلاد الرافدين، بالأخص من خلال جهوده في قتال تنظيم الدولة الإسلامية. وامتدّ تأثيره إلى الأراضي السورية، بالإشراف على سياسات إيران في توفير السلاح والدعم اللازمين لإنقاذ  بشار الأسد، بما فيه نشر قرابة 50000 مقاتل من الميليشيات الشيعية في سوريا. وكان الشخصية الرئيسية في علاقة إيران بحزب الله اللبناني، من خلال مساعدة الحزب في التزود بالصواريخ والقذائف التي أرقّت إسرائيل طويلا. وكان على رأس استراتيجية إيران في تسليح الحوثيين باليمن. لأجل هذه الأسباب وأكثر، عُدَّ سليماني بطلا شعبيا في إيران والمنطقة. باختصار، فقد أقدمت الولايات المتحدة على خطوة تصعيدية ضخمة باغتيالها أحد أبرز وأقوى الشخصيات في الشرق الأوسط.

 

قبل عام واحد فقط

تقول إدارة ترمب بأنّ سليماني إرهابي، وأن اغتياله كان خطوة دفاع استباقية حالت دون وقوع هجوم وشيك. أيا كانت درجة المصداقية في هذا الادعاء، فلا بدّ أن الولايات المتحدة لم تكن لتقدم على خطوة من هذا النوع لولا السياسة المتهورة التي رافقت الرئاسة منذ اليوم الأول. في أيار/ مايو 2018، انسحب ترمب من اتفاقية العمل الشاملة المشتركة وتبنى سياسة "ضغوط قصوى" تُرجمت إلى عقوبات اقتصادية على إيران. لأكثر من سنة، توخت إيران الحذر في الرد على الولايات المتحدّة عبر جهود لعزل الأخيرة عن الساحة الدبلوماسية والظفر بإعفاءات اقتصادية من الأطراف الأخرى للاتفاق.

      

من المرجح أن تتفادى إيران حربا شاملة مع الولايات المتحدة. لكن الأحداث القليلة التي وقعت في الأيام الأخيرة تضع إمكانية للتهور الإيراني
من المرجح أن تتفادى إيران حربا شاملة مع الولايات المتحدة. لكن الأحداث القليلة التي وقعت في الأيام الأخيرة تضع إمكانية للتهور الإيراني
     

لكنّ هذا النهج الحذر لم يسفر عن نتائج ملموسة. بحلول أيار/ مايو 2019، كانت إيران قررت خرق الاتفاق وتصعيد التوتر. جاءت أولى درجات هذا التصعيد، في هجوم ملغّم ضد عدد من سفن الشحن الدولي في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران. ثم قامت إيران بإنزال طائرة مسيرة أمريكية، في تماس مع صراع مفتوح ضد الولايات المتحدة الأمريكية. في سبتمبر/ أيلول، قامت إيران بإطلاق الصواريخ باتجاه منشأة بقيق وهجرة خريص، وهي أهم نقاط البنية التحتية لمنشأة نفطية في العالم. ثم أقدمت الميليشيات الشيعية على شن هجمات صاروخية ضد قواعد أمريكية في العراق، مما أدى إلى مقتل متعهد أمريكي في الأسبوع الماضي. وأفضت الإجراءات العسكرية الانتقامية للولايات المتحدة في النهاية، إلى اغتيال سليماني.

  

أهم سؤال مطروح الآن هو: كيف سترد إيران؟. يشير سلوك الجمهورية الإسلامية على مدار الأشهر الماضية وبالنظر إلى تاريخها، إلى أنها قد لا تتسرع في الرد. وأنها ستحاول، عوض ذلك، اعتناق نهج تعتبره أكثر فعالية لها، بحذر وصبر، ومن المرجح أنها ستتفادى حربا شاملة مع الولايات المتحدة. لكن الأحداث القليلة التي وقعت في الأيام الأخيرة تضع إمكانية للتهور الإيراني. من الواضح أن سليماني لم يكن يعتقد بأن الولايات المتحدة ستصعد الأمور إلى هذا الحد وإلا لما كان تواجد بقوات حماية هشة، على مرمى حجر من القوات الأمريكية في العراق. كثيرا ما شدد ترمب على عدم رغبته ببدء حرب جديدة في الشرق الأوسط، لكن ها نحن ذا على جرف الهاوية.

   

طرق للرد والرد المضاد.. أهي الحرب؟
آثار الغارة الأميركية على مطار بغداد التي أدت لمقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (مواقع التواصل)
آثار الغارة الأميركية على مطار بغداد التي أدت لمقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (مواقع التواصل)

   

يجب على الولايات المتحدة الأمريكية، في أقل الاحتمالات سوءا، ألا تستبعد أن تجد نفسها في صراع مع الميليشيات الشيعية في العراق التي يمكن أن تستهدف القوات الأميركية والدبلوماسيين والمدنيين. فالعراق كان مسرحا للضربات الأمريكية وبالتالي فهو المكان الأكثر معقولية لكي ترد إيران بشكل فوري. علاوة على ذلك، فإن الميليشيات الشيعية قد بدأت بالتصعيد من أنشطتها سلفا على مدار الأشهر الست الفائتة. سيما وأنها من أكثر الأذرع الإيرانية تعاونا ولديها من الدافع الشيء الكثير، بالنظر إلى أن أبو مهدي المهندس، أحد أرفع قادة هذه الميليشيات، قضى نحبه في التفجير مع سليماني.

   

إن حماية الوجود الأميركي في العراق يظل سؤالا مفتوحا. لكن سؤال الأمن، الذي بات في الوقت الحالي مسألة معقدة، ليس المشكلة الوحيدة. فقد مثَّل الاغتيال انتهاكا كبيرا "للسيادة العراقية"، سيما وأنه نفذ بشكل أحادي، دون موافقة الحكومة، بحيث بات يشكل ضغطا سياسيا متزايدا على المسؤولين العراقيين لطرد القوات الأمريكية المتبقية. العديد من العراقيين لا يكترثون بالولايات المتحدة ولا بإيران، وكل ما يرغبون به هو استعادة وطنهم، وألا تضعهم الأحداث في وسط مواجهة بين إيران والولايات المتحدة. ثمة إمكانية لتفاقم الأمور سوءا بالنسبة للعراقيين. لكنّ الانسحاب غير المدروس للولايات المتحدة تحت النار يمكن أن يؤدي إلى أخطار حقيقية. إذ تظل مواجهة تنظيم الدولة تمثل مشكلة فعلية، وإن كانت الولايات المتحدة ستجبر على مغادرة العراق، فإن كل الجهود الماضية ستذهب أدراج الرياح. تنظيم الدولة يراقب الأحداث بهدوء الآن، لكنه قد يستفيد من فوضى الانسحاب الأميركي أو صراع أمريكي إيراني لتحسين وضعه في العراق.

       

حتى إن تظاهر ترامب بضبط النفس بالأسابيع القادمة، فإن الرغبة في الثأر داخل إيران، والزخم السياسي الذي بدأت تحشده هذه الرغبة، قد يؤديان بالولايات المتحدة وإيران إلى صراع شامل
حتى إن تظاهر ترامب بضبط النفس بالأسابيع القادمة، فإن الرغبة في الثأر داخل إيران، والزخم السياسي الذي بدأت تحشده هذه الرغبة، قد يؤديان بالولايات المتحدة وإيران إلى صراع شامل
   

قد لا تقتصر مضاعفات الاغتيال على العراق فحسب. فمن المرجح استجابة حزب الله اللبناني الذي يتمتع بعلاقة وثيقة بإيران للمطالب الإيرانية، ومهاجمة أهداف أميركية في لبنان. وإن قررت إيران بأن تتجنب تصعيدا ضخما في لبنان، فعملاء حزب الله منتشرون في أرجاء المنطقة ويمكن لهم مهاجمة الولايات المتحدة في أي مكان آخر. حيث يمكن أن يشن الحزب هجمات ضد أهداف اسرائيلية، وإن كان هذا الاحتمال ضعيفا. فحزب الله يرغب بأن يتجنب حربا شاملة مع اسرائيل تمتد إلى تدمير لبنان بأكمله، كما أن إدارة ترمب قد نالت ثناء دوليا بقتل سليماني، وهو ما يزيد احتمال أن تستهدف الأعمال الانتقامية الولايات المتحدة بشكل مباشر.

   

يمكن لإيران أن تشن هجمات ضد أهداف أميركية في السعودية أو الإمارات أو منشآت نفطية في الخليج. فقد فاجأت دقة ضربات الصواريخ الإيرانية على منشأة بقيق النفطية في سبتمبر/ أيلول الماضي الولايات المتحدة وبقية دول العالم على حين غرة، وإن كانت نفذت بهدف إبقاء الهجوم محدودا ورمزيا. في ظل المناخ الحالي، يمكن لإيران أن تصبح أكثر عدوانية، لاسيما بالنظر إلى أنها برهنت عن نجاح مبهر في ميدان الضربات الصاروخية، عبر تنفيذ هجمات فعالة وتفادي الأعمال الانتقامية على مدار الأشهر الستة الماضية.

     

  

لكن علينا أن نتوقع قيام إيران بتسريع برنامجها النووي. منذ أن انسحبت إدارة ترمب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018، كانت ردود إيران بالغة الحذر في اللجوء إلى الرد عبر الملف النووي. لكن بعد سنة من البقاء في الاتفاق، في مايو/ أيار عام 2018، بدأت إيران بانتهاك الاتفاقية على نحو متزايد باتخاذ خطوات صغيرة بوتيرة لا تتجاوز ردًا واحدا كل 60 يوما. وبقى أسبوع واحد فقط على اكتمال نصاب الـ 60 يومًا التالية، ومن الصعب تخيل ردّ حذر في أعقاب موت سليماني. لذا، وفي أفضل الأحوال، فإنّ إيران ستبدأ بتخصيب اليورانيوم ليصل إلى نسبة 19.75%، وهي خطوة هائلة باتجاه تصنيع سلاح نووي.

   

إيران هددت مؤخرا بالذهاب إلى ما هو أبعد من الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو طرد المفتشين. وهذه تحركّات خطيرة، بالأخص وأن أغلب المحللين كانوا يعتقدون حتى هذا الأسبوع، بأن من المستبعد لطهران القيام بها. لكنها ستكون من ضمن الخيارات مطروحة على الطاولة حاليا.

     

  

ربّما كان أكثر الأعمال التي يمكن أن تشنها إيران هو تنفيذ هجوم إرهابي على قوات "هوملاند" الأمنية الأميركية أو محاولة قتل مسؤول أميركي بنفس مكانة سليماني. قد يكون من الأصعب لإيران شن هجوم على منشآت أو شخصيات أميركية في الخارج لكنّها قد تعتبره الخيار الأنسب بالنسبة لها. المرة الأخيرة التي حاولت إيران فيها شن هجوم على الولايات المتحدة كانت عام 2011، عندما أحبطت القوات الاستخبارية والجنائية الأمريكية محاولة لاغتيال السفير السعودي في إيران، عادل الجبير، عبر تفجر مطعم كان يتناول الغداء فيه، في واشنطن. في ذلك الوقت، تم إحباط الهجوم مبكرا وبسهولة بسبب افتقار المنفذ الإيراني إلى الحرفية اللازمة. وكان هذا الفشل مؤشرا على أن إيران أضعف في تنفيذ عمليات خارجية مما هي عليه في الشرق الأوسط، وهو استنتاج يدعمه إحباط عدد من محاولات التفجير الإيرانية في الدنمارك وفرنسا هذا العام. لذا مع أن إيران قد تحاول تنفيذ هجوم داخل الولايات المتحدة، غير أنها ستكون بحاجة الكثير من الحظ لكي تنجح في الأمر.

   

لأننا جميعا نعرف ترمب

إن كانت إدارة ترمب ذكية بالفعل، فإنها ستفعل ما بوسعها لتقوية الأمن في المنشآت الأمريكية، وحماية مواطنيها بالتزامن مع امتصاص بعض الهجمات المحتومة القادمة. كما إن عليها التواصل مع إيران من خلال شركاء الولايات المتحدة الذين يمتلكون علاقات جيدة مع هذا البلد، مثل سلطنة عُمان، لتجنب التصعيد إلى جانب رسم خطوط حمراء مشتركة من تحت الطاولة لتفادي إساءة تقدير الإيرانيين.

  

أخيرا، لا بد أن ترامب يشعر بالرضا إزاء هذا النصر، وبإمكانه التباهي بأن له اليد العليا على الإيرانيين في قتل سليماني، عوض اتخاذ خطوات تصعيدية. لكن هذا النوع من الحذر يبدو وأنه يتعارض مع طبيعة ترمب. وحتى إن تظاهر بضبط النفس في الأسابيع القادمة، فإن الرغبة في الثأر داخل إيران، والزخم السياسي الذي بدأت تحشده هذه الرغبة، قد يؤديان بالولايات المتحدة وإيران إلى صراع شامل.  

——————————————————–

ترجمة: فرح عصام.

هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة