شعار قسم ميدان

الإعلام كلمة السر.. هكذا خدع "ديان" عبدالناصر وأربك جيشه

ديان - ميدان
إن كتابة التقارير حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تشكل التحدي الأكبر في الأخبار الدولية. انها تتطلب قوة تحمل وعدم التأثر بسهولة. لا تخضع كلمات الصحفيين لمثل هذا التدقيق في أي مجال آخر من مجالات الدبلوماسية الدولية. لا تقتصر متطلبات كتابة هذه التقارير على معرفة التاريخ فقط، بل الإلمام أيضاً بمختلف وجهات النظر الثقافية والدينية والجغرافية للقضية. في بعض الأحيان، يتطلب الأمر الاستعداد لمواجهة الخطر.

 

كل هذه العوامل ذات صلة بما يشهده العالم من مرور إحدى وخمسين سنة على حرب حزيران/يونيو 1967 (نكسة 1967، حرب الأيام الستة)، التي تستمر عواقبها في تشكيل معالم أي مناقشة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وكما قال جيريمي بوين -مراسل بي بي سي BBC- في كتابه عن الصراع بعنوان "ستة أيام": "لقد أصبح الاحتلال الذي بدأ في عام 1967 القوة الدافعة وراء العنف الذي يمارسه الإسرائيليون والفلسطينيون على بعضهم البعض".

 

أدى نجاح إسرائيل العسكري في حرب الأيام الستة إلى إعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط، كما وضع معياراً جديداً لدور الحكومة في زمن الحرب أو ما يمكن وصفه بـ "اللف والدوران/ التمويه". جنباً إلى جنب مع استعداداتها للحرب، شنت إسرائيل حملة اتصالات بارعة مصممة لإخفاء حملتها العسكرية. ويذكر الصحفي وينستون تشرشل -وهو حفيد رئيس وزراء بريطانيا في زمن الحرب وحامل اسمه- في روايته التي شارك في تأليفها مع والده راندولف: "لم تتلقَ مكاتب الصحف في إسرائيل فحسب صوراً للقوات الإسرائيلية في إجازة وهم يسترخون على الشواطئ، بل شتى مكاتب الصحف في جميع أنحاء العالم".

 

قام تشرشل -الذي كان يكتب تقاريره لصحيفة "نيوز أوف ذه ورلد" (News of the World)- بنفسه بدور غير مقصود في هذا التمويه. حيث قام بمقابلة مع وزير الدفاع الجديد آنذاك لمجلس الوزراء الإسرائيلي "موشيه دايان"، ذكر تشرشل:

 

أعلن الجنرال ديان: "نحن لا نريد أي شخص آخر يقاتل من أجلنا. أياً كان ما يمكن القيام به بطريقة دبلوماسية، فإنني أرحب به وأشجعه، لكن إذا وقع القتال في إسرائيل، فإنني لا أريد أن يُقتل الفتيان الأميركيون أو البريطانيون هنا ولا أعتقد أننا بحاجة إليهم."

 

كان دايان محنكاً ويدرك أهمية ما يفعله، كان رجلاً عسكرياً يقود جبهة حرب إعلامية. في سيرته الذاتية -التي نُشرت في السبعينيات- كتب عن اجتماعاته مع الصحفيين عشية الحرب، وعن آماله "في احتمال اكتساب انطباع بأننا [كإسرائيل] لم نكن على وشك الدخول في حرب، لكننا كنا عازمين على استنفاذ كل الإمكانيات الدبلوماسية".

 

كانت وسائل الإعلام جزءاً لا غنى عنه في خلق هذا الانطباع، بعد وقت قصير من احتلال القوات الإسرائيلية لحائط البراق (الحائط الغربي) في القدس، قام ديفيد روبنجر بتصوير ثلاثة جنود مظليين يقفون أمام الحجارة البيضاء للجدار. وقد أصبحت الصورة التي وزعها المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية إحدى أكثر الصور المعروفة في الصراع برمته. توفي روبنجر في وقت سابق من العام الماضي عن عمر يناهز 92 عاماً. قبل أربع سنوات، أجريت مقابلة معه [الكاتب جيمس رودجرز] في كتابي الخاص "عناوين من الأراضي المقدسة"؛ التقينا في منزله في القدس الغربية، والذي لا يزال يضم الغرفة المظلمة حيث طور تلك الصورة.

 

صورة الجنود أمام الحجارة البيضاء للجدار
صورة الجنود أمام الحجارة البيضاء للجدار

ذكر عن الحكومة الإسرائيلية: "لقد حاولوا القيام بخدعة. لقد أرسلوا الكثير من الناس في إجازة. تم إرسال الوحدات في إجازة يوم الجمعة والسبت بسبب السبت [وهو عطلة رسمية]، الذي كان من الواضح أنه حيلة دايان".

 

باستغلال التوقعات بأن القوات الدينية الإسرائيلية لن تقاتل في السبت، نجحت الحيلة نجاحاً كبيراً. يبدو أن العديد من المراسلين لم يتفهموا ما فعله الإسرائيليون حتى وقت متأخر، على الرغم من أن أحد العناوين الرئيسية لصحيفة "غارديان" (Guardian) كان: "الإسرائيليون يخفون أهدافهم"؛ حيث أشار العنوان إلى أن كل شيء لم يكن كما بدا.

 

الانخداع
بحلول الوقت الذي جاء فيه النصر، تغيرت إسرائيل ومعالم المنطقة. أُنشِئت الحدود التي توجد اليوم -ولو بدون اعتراف دولي- بقوة السلاح. كانت غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وما زالت حتى اليوم.

 

في هذه العملية، لمّع الجيش الإسرائيلي أيضاً صورته في العديد من الصحف البريطانية؛ لم تعد إسرائيل القوة "الإرهابية" من أواخر أيام الانتداب البريطاني، بل أصبحت فجأة قوة محترمة تواجه جيرانها العدوانيين. في نسخة الحادي عشر من يونيو/حزيران لصحيفة "نيوز أوف ذه ورلد" -والتي صادفت يوم الأحد بعد الحرب- كتب تشرشل عن "نصر لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم".

 

وينستون تشرشل، حفيد رئيس وزراء بريطانيا في زمن الحرب
وينستون تشرشل، حفيد رئيس وزراء بريطانيا في زمن الحرب

في هذه الأثناء، تعرضت الجيوش العربية للإذلال في المعركة، كما انهارت استراتيجيتها الإعلامية. كان دافيد هيرست -الذي كان آنذاك مراسلاً ومؤلفاً موثوقاً به- يعمل مراسلاً صحفياً في بيروت في وقت الحرب. في مقابلة عام 2014، أخبرني كيف أنه في بداية الحرب "كان يصدق العرب ما تقوله وسائل الإعلام المصرية. واعتقدوا أن النصر كان حليفهم". وتذكر بأن الهزيمة كانت بمثابة "صدمة هائلة".

 

إحدى أصعب المهام التي يواجهها المراسلون في أحداث العالم المتغيرة هي الحكم إلى أين ستؤدي معلوماتهم وما يصرّحون به. كما كتب سيدني غروسن في صحيفة نيويورك تايمز في 9 يونيو 1967:

 

"يبدو أن جميع الدبلوماسيين الغربيين والإسرائيليين يتفقون على أمر واحد: لقد تم إراقة الكثير من الدماء -ربما أكثر مما تم إدراكه بعد- في غمار الانتصار الكبير، لذا لا نتوقع أن تعيد إسرائيل الحدود إلى ما كانت عليه قبل بدء حرب 1967 في يوم الإثنين عن طيب خاطر."

 

لقد كان محقاً، لا تزال هذه الحدود قائمة كما هي منذ عام 1967. يمكن للجنود والدبلوماسيين دراسة حرب 1967 للاستفادة من هذه الإستراتيجية. يجب على الصحفيين العاملين في عصر الأخبار المزيفة أن يدرسوا ويعتبروا من أخطاء الصحافة جرّاء سياسة التمويه التي اتبعتها الحكومة الإسرائيلية في نشر الأخبار.

________________________
ترجمة: آلاء أبو رميلة
النص الأصلي