شعار قسم ميدان

داخل الملعب وخارجه.. أربع تقنيات مدهشة سيشهدها مونديال قطر 2022

Doha, Qatar- Ocotber 10,2022 :Stadium 974 is a football stadium in Ras Abu Aboud, Doha, Qatar. Opened 30 November 2021, it is a temporary venue made from 974 recycled shipping containers.

"كلما سألك أحدهم إن كان بمقدورك إنجاز عمل ما، أخبره أنك بالتأكيد تستطيع! ثم انشغل باكتشاف كيف يمكنك إنجازه".

(ثيودور روزفلت، الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة الأميركية)

نحن الآن في ملعب البيت بمدينة الخور القطرية، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، يتبقى أقل من 5 دقائق على انتهاء المباراة الافتتاحية لكأس العالم بين منتخبي قطر والإكوادور، وأمام 60 ألف متفرج، يمرر لاعب خط الوسط الإكوادوري مويسيس كايسيدو الكرة للمهاجم مايكل إسترادا، ليُحرز الهدف الثاني لبلاده، وهو هدف التعادل في المباراة، بعد تقدُّم القطريين بهدفين.

AL KHOR, QATAR - JUNE 19: (EDITORS NOTE: This photograph was taken using a drone) An aerial view of Al Bayt at sunrise on June 19, 2022 in Al Khor, Qatar. Al Bayt stadium will host the opening game of the FIFA World Cup Qatar 2022 starting in November. The stadium, designed by the studio Dar Al-Handasah, takes its name from bayt al sha'ar – tents historically used by nomadic people in Qatar and the Gulf region. (Photo by David Ramos/Getty Images)
ملعب البيت (Getty)

فجأة يُشير حكم المباراة إلى إلغاء الهدف بداعي التسلل، رغم أن الأمر لم يكن واضحا وكانت المسافة بين المهاجم وأقرب مدافع لا تكاد تُرى بالعين المجردة، ربما بضعة ملليمترات فقط. ورغم اعتراض لاعبي الإكوادور، فإن الحكم كان سريعا وحاسما في قراره، معتمدا على تقنية جديدة تكشف التسلل بدقة، لتنتهي المباراة بفوز المنتخب القطري بهدفين لهدف.

 

هذا السيناريو تخيُّلي بالطبع، فلا يمكننا توقع المستقبل، لكنه وارد الحدوث في كأس العالم قطر 2022، بعد أقل من أسبوعين من الآن، لأن تلك التقنية الجديدة، ضمن عدّة تقنيات متطورة، سنراها تُطبَّق في البطولة الأكبر عالميا. فعندما حازت قطر على شرف استضافة الحدث الرياضي الأهم والأكبر في كرة القدم العالمية، تعهَّدت بأن البطولة ستكون الأكثر تقدُّما وتطوُّرا في تاريخ بطولات كأس العالم. ولإنجاز تلك الوعود وتحويلها إلى واقع، بدأت الدولة في اتخاذ خطوات ضخمة في طريق الابتكار التكنولوجي، لا يبدو الهدف منها تحسين تجربة البطولة بالنسبة للفرق والجماهير فحسب، ولكنها ستملك تأثيرا ممتدا على مواطني قطر نفسها خلال السنوات القادمة.

 

الرحلة.. وحكم آلي!

في بداية شهر يوليو/تموز الماضي، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" اعتماد تقنية التسلل شبه الآلية (Semi-automated Offside) رسميا في منافسات كأس العالم قطر 2022. ظهرت التقنية لأول مرة في كأس العرب 2021، وكان هذا بمنزلة اختبار أولي ناجح، ثم ظهرت في كأس العالم للأندية 2021.

عرض لتقنية التسلل شبه الآلية (Semi-automated Offside)
عرض لتقنية التسلل شبه الآلية (Semi-automated Offside) (رويترز)

تُعَدُّ تقنية التسلل شبه الآلية نسخة أكثر تطوُّرا من نظام حكم الفيديو المساعد (VAR) الذي يُطبَّق حاليا في مختلف بطولات العالم منذ عدّة سنوات، لكن الأمر لا يتعلق بتقنية الفيديو فحسب، لأن كرة المونديال الجديدة، التي تأتي باسم "الرحلة"، تلعب دورا مهما.

 

الكرة الجديدة تأتي بأحدث نظام تعليق من أديداس، بمستشعر حركة بدقة 500 هرتز من وحدة قياس القصور الذاتي (IMU)، بمعنى أنه ينقل موقع الكرة بدقة على أرض الملعب 500 مرة في الثانية إلى غرفة حكم الفيديو، وكل هذا دون أن يشعر اللاعبون بأي تأثير على أداء الكرة نفسها. (1)

 

بالتزامن مع ذلك، سيُضاف إلى الملعب 12 كاميرا منفصلة، بخلاف كاميرات البث التلفزيوني، الهدف منها تتبُّع موقع الكرة بجانب تتبع 29 نقطة بيانات على جسم كل لاعب، بمعدل 50 مرة في الثانية. ويمكن لتلك الكاميرات تتبُّع أطراف اللاعبين، الذراعين والساقين وحتى موقع الركبة، وتُحدِّد بدقة مكان وجود كل لاعب في أي لحظة من لحظات المباراة.

 

مع جمع بيانات تحرك أطراف اللاعبين ومكان الكرة، يعالج الذكاء الاصطناعي كل هذه البيانات في الوقت الفعلي ويُحذِّر حكام الفيديو تلقائيا في حال وجود لاعب متسلل، ثم يُبلِّغون بدورهم حكم الساحة ليتمكَّن من اتخاذ القرار الصحيح سريعا، حتى إن لم يكن التسلسل واضحا أو بفارق ملليمترات، وهو ما يقلل من أخطاء احتساب التسلل، وتحدث كل هذه العملية في بضع ثوانٍ فحسب. ويؤكد الاتحاد الدولي "فيفا" أنه خلال مباريات كأس العالم للأندية وكأس العرب، ساعدت التقنية الجديدة حكام الفيديو على اتخاذ قرارات احتساب التسلل بدقة أكبر وفي فترة زمنية أقصر. (2)

 

بعد اتخاذ القرار واحتساب التسلل، تُستخدم البيانات نفسها لإنشاء رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد تُعرض على الشاشات، لتُوضِّح موقع اللاعب المتسلل أمام الجماهير في البيت وداخل الملعب.

 

ملاعب أكثر برودة!

وبالحديث عن الملاعب، من المنتظر أن يُقدِّم كأس العالم في قطر بعض أكثر الملاعب تقدُّما وتطوُّرا من الناحية التقنية. كان الهدف الأساسي من قرار إقامة البطولة بين شهرَيْ نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول هو التغلب على درجات الحرارة المرتفعة في فصل الصيف في قطر، ولكن هناك احتمال لا بأس به أن تكون درجات الحرارة في حدود 24 درجة مئوية، وهو أمر شاقّ على اللاعبين والجماهير القادمة من أوروبا وغيرها من دول العالم، التي تعودت على درجات الحرارة المنخفضة.

 

لذا، كان على قطر الوصول إلى حل لخفض درجات حرارة الملاعب إلى حدود 18 درجة مئوية تقريبا. هنا جاء الدكتور سعود عبد العزيز عبد الغني، الأستاذ في كلية الهندسة بجامعة قطر، بفكرته المبتكرة الجديدة لتبريد الملاعب القطرية، مُستلهِما الفكرة من أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في الجامعة حول تبريد الهواء في مقصورة سيارة "فورد مونديو".

 

تعتمد تقنية التبريد الجديدة على عزل الملعب عبر ما يُطلِق عليه دكتور سعود "النقاط المستهدفة"، وهو ما يعني أن عملية التبريد تقتصر على المناطق التي تجلس بها الجماهير في الملعب، على أن يكون هيكل الملعب بمنزلة جدار أو عازل يحيط بمنطقة مبرَّدة داخله. وتعتمد آلية العمل على مرور الهواء المبرَّد من مخارج خاصة تُوضع أسفل مقاعد الجماهير، وفوهات كبيرة لتبريد أرضية الملعب، كما تُستخدم كذلك تقنية توزيع الهواء، التي يُسحب فيها الهواء المبرَّد ويُعاد تبريده مرة أخرى ثم تنقيته قبل دخوله إلى الملعب من جديد.

 

ما يميز تلك التقنية أنها أكثر استدامة بنسبة 40% مقارنة بالتقنيات الأخرى المتوفرة للتبريد، لأنها تعتمد على تبريد الملعب لمدة ساعتين فقط قبل موعد المباراة، وهو ما يُقلِّل كثيرا من الطاقة التي يستهلكها الملعب مقارنة باستخدام الوسائل الأخرى المتاحة. كما أن طريقة عملها تتناسب مع تصميم الملاعب، ما يجعلها أكثر كفاءة في الأداء والمحافظة على البيئة، إذ تعتمد على الاحتفاظ بالهواء البارد داخل الملعب ودفع الهواء الساخن إلى خارجه.

 

التحدي الأكبر يحدث عندما تُفتح أسطح الملاعب، لأنه المكان الذي يدخل منه الهواء الساخن من الخارج، وهذا يختلف من ملعب إلى آخر اعتمادا على شكله وارتفاعه وعرضه. كان ملعب خليفة الدولي أول ملعب يحصل على التقنية الجديدة للتبريد، بعد التجديدات التي حصل عليها في 2017، ولكن نظرا لإنشاء الملاعب السبعة الأخرى، التي تستضيف البطولة، من الصفر، تمكَّن الدكتور سعود من تقديم حل مخصص لكل ملعب منها، عبر استخدام نماذج ثلاثية الأبعاد في مختبره لمعالجة حجم المكان وشكله وتصميمه، واختبار نموذج كل ملعب لمعرفة استجابته للرياح على سرعات مختلفة، واستخدم الكاميرات لمعرفة مكان دخول وخروج الهواء. (3)

 

لكن هذه التقنية للتبريد ليست التقنية الوحيدة المبتكرة في ملاعب قطر لكأس العالم 2022، فهناك تقنيات أخرى تهتم بالمشجعين وتُقدِّم تجربة مشاهدة مختلفة لكل فئات الجماهير.

تجربة شاملة!

غرف المساعدة الحسية (Sensory viewing room) لتوفير مساحات آمنة وهادئة للأطفال الذين يعانون من مرض التوحد أو غيرها من صعوبات الإدراك الحسي
غرف المساعدة الحسية (Sensory viewing room) لتوفير مساحات آمنة وهادئة للأطفال الذين يعانون من مرض التوحد أو غيرها من صعوبات الإدراك الحسي (مواقع التواصل)

لا يدرك أحدٌ معوقات الوصول والحركة كمَن يعانون منها في حياتهم اليومية، وهو ما دفع اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر إلى إقامة منتدى التمكين، بهدف الاستعانة بآراء واقتراحات الأشخاص ذوي الاحتياجات الحركية الخاصة، وأكثر من 30 منظمة تُمثِّلهم، بهدف ضمان أنهم سيتمتعون بتجربة البطولة مثل أي شخص آخر عبر التقنيات المبتكرة والمحتوى الرقمي. (4)

 

وأول تلك التقنيات ظهورا هو موقع البطولة على الإنترنت، وهو منصة موحَّدة تجمع كل المعلومات المتعلقة بكأس العالم، لذا كان من المهم أن يُتاح للجميع بسهولة، ولذلك يدعم الموقع استخدام مكبر النصوص، وقارئ الشاشة، ونظام ألوان أفضل، وبرمجيات قراءة النصوص، والتحكم بالمسافات بين الحروف، وغيرها من التقنيات المساعدة، بحيث يمكن لأي شخص يزور الموقع استخدامه بسهولة. (5)

 

بينما في داخل الملاعب، تتوفر غرف المساعدة الحسية (Sensory viewing room) لتوفير مساحات آمنة وهادئة للأطفال الذين يعانون من مرض التوحد أو غيرها من صعوبات الإدراك الحسي، لأن تصميمها مخصص لإشراك حواسهم مع العرض الضوئي التفاعلي، ودرجات الإضاءة التي يمكن التحكم فيها، وأماكن الجلوس المريحة، بالإضافة إلى مجموعة من الألعاب، وسماعات الرأس العازلة للضوضاء، لتُخفِّف من شعورهم بالاضطراب والقلق الذي قد ينتابهم أثناء المباريات، وتساعدهم على التركيز في بيئة تخضع للإشراف الدائم. (6)

 

وبالنسبة لضعاف البصر، هناك منصة "Bonocle" التي تُعَدُّ أول منصة للترفيه تعتمد على طريقة "برايل"، وتحتوي على كل الوسائل التقنية المساعدة لضعاف البصر لكي يستمتعوا بالمحتوى الرقمي. تُقدِّم المنصة جهازا صغيرا في اليد يعمل كوحدة تحكُّم للهاتف الذكي، صُمِّم بخلية برايل و3 أزرار وأماكن حسيّة مختلفة، ويساعد الجهاز ضعاف البصر على القراءة والكتابة وحتى اللعب. وسوف تُقدِّم الشركة إمكانية تحويل المحتوى الرقمي إلى طريقة برايل في أثناء كأس العالم القادم، لكي يستمتع ضعاف البصر بمتابعة أحداث البطولة. (7)

منصة "Bonocle" التي تُعَدُّ أول منصة للترفيه تعتمد على طريقة "برايل"
منصة "Bonocle" التي تُعَدُّ أول منصة للترفيه تعتمد على طريقة "برايل" (مواقع التواصل)

ملعب من قطع الليجو!

ربما سيكون ملعب لوسيل جوهرة كأس العالم قطر 2022، باعتباره الملعب الأكبر الذي يمكنه استيعاب 80 ألف متفرج، وسيستضيف أهم مباريات البطولة ومنها النهائي. لكن ملعب 974، بألوانه الزاهية الذي يستوعب 40 ألف متفرج ويحمل رقم الكود الدولي لقطر، ربما يستحق لقب أكثر الملاعب تقدُّما وابتكارا.

 

في المنطقة الصناعية راس أبو عبود على بُعد 10 كم من الدوحة، بنُي الملعب من 974 حاوية شحن بحري، كأنه مُكوَّن من قطع مكعبات لعبة الليجو (LEGO)، وهو أول ملعب كرة قدم مغطى قابل للفك بالكامل في تاريخ كأس العالم. (8)

 

صُمِّمت تلك الحاويات لتحمل المقاعد والحمامات وعناصر الملاعب الأخرى، ويمكن تفكيك المبنى بأكمله في غضون ساعات بعد انتهاء البطولة، ويمكن إعادة بنائه في أي مكان في العالم، أو إعادة تشكيله لإنشاء أماكن أصغر يستفيد منها مواطنو البلد. وهو ما تنوي قطر فعله عقب انتهاء البطولة، إذ سيُعاد استخدام الحاويات والهيكل وإنشاء مرافق عامة تعود بالنفع على المواطنين.

 

وبالعودة إلى ملعب لوسيل في مركز مدينة لوسيل الجديدة، من المقرر أن تتحول البنية التحتية للملعب إلى وجهة مجتمعية بعد انتهاء البطولة، تضم مدارس ومحلات تجارية ومقاهي ومرافق رياضية وعيادات صحية، تماشيا مع حرص قطر على التنمية المستدامة. (9)

 

تحاول قطر تحقيق أقصى استفادة من فرصة الابتكار التي جلبها هذا الحدث العالمي الضخم، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة ليس فقط من أجل تقديم تجربة غير مسبوقة للفرق المشاركة والجماهير خلال المونديال، ولكن أيضا من أجل تحسين بنيتها التحتية ورفاهية شعبها خلال سنوات تالية بعد نهاية البطولة.

——————————————————————–

المصادر:

(1) ADIDAS REVEALS THE FIRST FIFA WORLD CUP™ OFFICIAL MATCH BALL FEATURING CONNECTED BALL TECHNOLOGY

(2) Semi-automated offside technology to be used at FIFA World Cup 2022™

(3) Dr. Cool: The mastermind behind Qatar 2022’s air-cooled stadiums

(4) Accessibility Forum

(5) Accessibility

(6) Sensory viewing room allows children with sensory requirements to enjoy FIFA Arab Cup™ matches

(7) Fostering Innovation, the Qatar way

(8) استاد 974

(9) استاد لوسيل

المصدر : الجزيرة