شعار قسم ميدان

هل اقتربت البشرية من "سياحة الفضاء" أم أنها محض خرافة؟

midan - رئيسية سياحة الفضاء

منذ القدم، ومن قبل اكتشاف الجاذبية الأرضية والإنسان منشغل بالتحرر منها، تسيطر عليه فكرة الطيران والابتعاد عن الأرض، يتأمل السماء وتحرّكه رغبة غامضة في السفر عبر السماء الغامضة متنقلا عبر فضاءات وأفلاك مجهولة. في ملحمة الرامايانا الهندية والتي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد ظهرت آلات الطيران القادرة على السفر إلى الفضاء، أما كتاب "تاريخ حقيقي" والذي كتبه مؤلفه السيرياني لوقيان السميساطي (Lucian of Samosata) في القرن الثاني الميلادي فإنه يعد أقدم كتاب يتناول السفر إلى الفضاء والحياة على الكواكب الأخرى، ويعد أقدم نص معروف ينتمي إلى أدب الخيال العلمي.

 

وفي النصف الأول من القرن السابع عشر ظهر تأثير الاكتشافات العلمية على الأدب، وظهرت أعمال أدبية تحمل أفكارا طموحة حول الفضاء وقد كتبها مؤلفوها في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة، من بينها على سبيل المثال "Somnium" (وهي مفردة لاتينية تعني حلما) والتي كتبها عالم الفلك الألماني الشهير يوهانس كيبلر ويصف بين صفحاتها رحلة إلى القمر، وكيف تبدو الأرض من الفضاء، وتلاها بعدة سنوات في عام 1638 "الرجل في القمر" (The Man in the Moone) لفرانسيس جودوين والذي كتب عن رحلة إلى القمر عبر عربة تحملها بجعات برية ضخمة!

 
أما القرن التاسع عشر فقد شهد عددا من الأعمال الأدبية الرائدة في أدب الخيال العلمي ربما يكون أشهرها "من الأرض إلى القمر" لجول فيرن، والتي تعد أهم الأعمال الأدبية في هذا السياق حيث وصف فيها فيرن مدفع فضاء يطلق ما يشبه القذيفة إلى الفضاء والتي تحمل ما يحتاجون إليه من الماء والطعام والأكسجين وبقية الاحتياجات الأساسية. كما تضمّنت الرواية حسابات أساسية لهذه العملية، والمدهش أن حساباته كانت دقيقة بشكل مذهل. كما أن المركبة التي صورها في روايته تشبه مكوك الفضاء إلى حد بعيد (1)

   

"من الأرض إلى القمر" لجول فيرن (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

الحلم يصبح حقيقة

في عام 1961 رأى الإنسان أحلامه وخيالاته تتحقق أخيرا عندما أرسل الاتحاد السوفيتي رائد الفضاء يوري جاجارين للدوران حول الكرة الأرضية على متن المركبة الفضائية فوستوك.(1) وفي عام 1968، أي بعد رحلة يوري جاجارين بثماني[1]  سنوات، خطا الإنسان خطوته الأولى على سطح القمر حين أرسلت الولايات المتحدة الأميركية رائد الفضاء نيل أرمسترونج ليخطو خطوات الإنسان الأولى على سطح القمر، ومع تحقق هذه الأحلام بات حلم السفر للفضاء للسياحة يداعب خيال الكثيرين، وظهر هذا الطموح في عدد كبير من الأعمال الأدبية والسينمائية بما لا مجال لحصره.(2)

 

بدايات السياحة في الفضاء

في الثمانينيات كانت "ناسا" حريصة على إثبات قدراتها لأعضاء الكونغرس الداعمين، فأرسلت بعض ممثلي الكونغرس على متن مكوكاتها في منتصف الثمانينيات. وفي عام 1985 أعلنت وكالة "ناسا" عن حاجتها إلى مواطنين للسفر إلى الفضاء من غير المتخصصين، تقدم لهذا الإعلان نحو 11500 مواطن أميركي، وقد اختيرت من بينهم كريستا مكوليف المعلمة الأميركية من أصل لبناني، والتي تلقّت تدريبا مكثفا لتنطلق على متن المكوك الفضائي تشالنجر في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 1986 والذي انفجر في الفضاء ومات جميع أفراد طاقمه، مما أدى إلى إلغاء المشروع الذي كان يطمح ﻹرسال عدة رحلات مشابهة.(3)

   

أول ياباني في الفضاء.. "Nihonjin Hatsu! Uchuu e"!

في نهاية الثمانينيات عانت أعمال الفضاء في روسيا من عدم توافر المصادر المالية، خاصة مع تبعات قوانين برنامج البيرسترويكا أو إعادة الهيكلة التي أطلقها الرئيس الروسي جورباتشوف، ومع الازدهار الياباني في المقابل، كانت الإذاعة اليابانية (TBS) تبحث عن طريقة غير تقليدية للاحتفال بالذكرى الأربعين لافتتاحها، وهو ما جعلها تعرض دفع مبلغ مليون ونصف ين ياباني في مقابل إرسال مراسلها توهيرو إكياما إلى المحطة الفضائية مير عام 1990 لنقل بث تلفزيوني من الفضاء بعنوان "Nihonjin Hatsu! Uchuu e" أو "أول ياباني في الفضاء".(4) كان توهيرو إكياما أول مواطن ياباني وأول مراسل تليفزيوني يسافر إلى الفضاء، ورغم أن رحلته كانت مدفوعة الأجر فإنها كانت رحلة عمل لا سياحة.

   

undefined

   

دينيس تيتو.. الأثرياء في الفضاء

أما ما يمكن اعتباره أول رحلة سياحة فعلية في الفضاء فهي رحلة المليونير الأميركي دينيس تيتو والتي قام بها عام 2001 في مقابل 20 مليون دولار أميركي.(5) ففي نهاية تسعينيات القرن الماضي بدأت شركة "ميركورب" (MirCorp) المسؤولة عن تشغيل محطة الفضاء الروسية مير في البحث عن مرشحين للسياحة في الفضاء مقابل تكلفة مالية لتعويض بعض تكاليف الصيانة، وكان رجل الأعمال دينيس تيتو من أوائل المرشحين، حيث قضى أسبوعا على متن محطة الفضاء الدولية وذلك عبر الاتفاق بين كل من "ميركورب" وشركة "سبيس أدفانشرز".

   

تبع هذه الرحلة المليونير الجنوب أفريقي مارك شاتلورت عام 2002، ثم الأميركي جريجوري أولسن عام 2005، ثم الإيرانية أنوشه الأنصاري عام 2006 والتي قالت في حوار حول رحلتها: "أتمنى أن أُلهم كل إنسان، وخاصة الشباب، والنساء في جميع أنحاء العالم، وفي دول الشرق الأوسط والتي لا تتوافر للنساء فيها فرص أقرانهن نفسها من الرجال، ألّا يتخلّين عن أحلامهن وأن يواصلن الجهد".

   

كذلك الأميركي تشارلز سيموني في عامي 2007 و2009، وريتشارد جاريوت عام 2008، وجاي لايبرتيه في عام 2009. وتراوحت تكاليف سفرهم بين 20 إلى 40 مليون دولار لكل رحلة على حدة (6)(7)، وتوقفت هذه الرحلات وأُلغي البرنامج في عام 2010 نظرا لزيادة عدد رواد الفضاء في المحطة الفضائية.(8)

 

ظهور سياحة الفضاء التجارية

منذ توقف هذه الرحلات تزايدت التوقعات حول عدد كبير من الرحلات الفضائية، لكن الخطوات الفعلية على أرض الواقع تراجعت، وعلى الرغم من ظهور عدة شركات بعضها بدأ بالفعل في تلقي طلبات السفر ودفعات مالية مقدمة من الراغبين في السفر للفضاء، فإن هذه الرحلات تأجلت مرة بعد أخرى، وبعض هذه الشركات خرجت مبكرا من السباق، بينما تحول البعض الآخر للتركيز على الأقمار الصناعية والحمولات العلمية بدلا من رحلات الفضاء المأهولة، كما تعرضت إحدى الشركات لتدمير إحدى رحلاتها التجريبية ومقتل أحد طياريها، وكلها أمور أدّت إلى تأجيل رحلات الفضاء السياحية.

   

      

في الوقت الحالي تُعد شركات "فيرجن غالاكتيك" (Virgin Galactic) و"بلو أوريجن" (Blue Origin) أهم اللاعبين في مجال الرحلات شبه المدارية، والتي تهدف إلى نقل المسافرين على ارتفاع أكثر من 100 كيلومتر فوق سطح الأرض ليتمتعوا بشعور انعدام الوزن ومشاهدة الكرة الأرضية من وسط الفضاء. حيث تحمل الطائرة طائرة أخرى إلى ارتفاع يبلغ 15 ألف متر، ثم تنفصل عنها وتستخدم محركها الصاروخي لتزيد سرعتها وتنطلق نحو الفضاء، وقد استطاعت هذه الرحلة أن تصل إلى ارتفاع بلغ 82.7 كم. يوضح الفيديو التالي الأمر:

   

كما استطاعت "بلو أوريجن" إطلاق عدة رحلات تجريبية ناجحة بدون طاقم، وتهدف إلى إطلاق رحلة تجريبية مع طاقم خلال هذا العام، لكن ليس واضحا بعد متى ستبدأ في إطلاق الرحلات الفعلية المدفوعة. أما فيما يخص الرحلات المدارية فإن شركتي "بوينغ" (Boeing) و"سبيس إكس" (SpaceX) تعملان حاليا على تطوير سفن فضاء ستكون قادرة على نقل السائحين إلى المحطة الفضائية، وتهدف الشركتان إلى إجراء رحلات اختبار بلا ركاب خلال هذا العام.(9) كما أن شركة "سبيس إكس" قد أعلنت عن شراء البليونير الياباني يوساكو مايزاوا لأول رحلة حول القمر منذ عام 1972 ومن المخطط أن تتم في عام 2023. (10)

   

ولا يتوقع أن تكون أسعار رحلات السياحة في الفضاء رخيصة على الأقل في البداية، من المتوقع أن تبلغ أسعار رحلات شركتي "بلو أوريجن" (Blue Origin) و"فيرجن غالاكتيك" (Virgin Galactic) نحو 250 ألف دولار، أما الرحلات المدارية والرحلات إلى المحطة الفضائية الدولية فمن المتوقع أن تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات. لكن يأمل الخبراء أن يصبح الأمر في المتناول بمرور الوقت.(11)