شعار قسم ميدان

عبادة أم رياضة؟.. الصيام وجدل الجدوى الصحية

الصوم 1- ميدان
اضغط للاستماع


يأتي شهر رمضان كل عام مع مجموعة متكررة من حالات الجدل. مثلا، هناك الخلاف الشهير حول موعد صلاة الفجر، والأحاديث التي تملأ صفحات التواصل الاجتماعي عن الفجرين الكاذب والصادق، أضف إلى ذلك الجدل حول رؤية الهلال، البعض يلتزم بالرؤية الشرعية، والآخر بالحسابات الفلكية، والآخر يقول إن ارتفاع القمر عن الشمس، ولو بدرجة واحدة، يشير إلى أن الشهر قد بدأ، وبالطبع ينضم إلى ذلك كله جدل حول ما إن كان صيام رمضان مفيدا للجسم أم لا، خاصة أن رمضان خلال السنوات السابقة كان يقع ضمن شهور الصيف، ما يعني عدد ساعات طويلة من الانقطاع عن الطعام والشراب في طقس حار.

 

في الحقيقة، يمتد الصيام ضاربا في أعماق تاريخنا البشري. ففي اليونان القديمة، كان فيثاغورس1 من بين الكثيرين الذين أشادوا بفضائل الصيام وأهميته، بينما قال أبوقراط إن "الأكل بينما أنت مريض هو تغذية للمرض"، في حين وصف طبيب عصر النهضة "باراسيلسوس" الصيام بأنه "طبيب في جسمك"، من جهة أخرى اعتبرته بعض الثقافات البدائية ضرورة قبل الذهاب إلى الحرب، وضمن طقوس مرحلة الانتقال من الطفولة إلى البلوغ، كما استخدمه البعض أداة للاعتراض السياسي (غاندي)، وقد لعب الصيام دورا جوهريا في جميع الديانات الرئيسية في العالم (باستثناء الزرادشتية التي تحظره)، مع ارتباطه بالتقرب إلى الله عبر التوبة، والتحمل، وغير ذلك من أشكال ضبط النفس.

 

وقد وجد البشر عبر تاريخهم فوائد كثيرة للصيام، حيث اعتقد البعض أنه ينظم عمليات الجسد، وينظفه من بقايا الأكل، وأنه يعالج الكثير من الأمراض ويطرد الأرواح الشريرة، ولكن البحث العلمي حول فوائد الصيام بدأ من القرن التاسع عشر، تأمل مثلا كتاب الطبيب الأميركي الشهير إدوارد ديوي "العلم الحقيقي لأن تحيا" 2(The true science of living)، في عام 1894، والذي يقول فيه إن "كل مرض يصيب الإنسان قد تطور، بشكل أو بآخر، من عادة أكل الكثير من الطعام"، وانتشرت في القرن التاسع عشر حالات الصيام الطويل (30-40 يوما متتالية) وقام عدد من الأطباء بدراسة تأثيرها الفيسيولوجي، بينما تم تقديم الصيام كعلاج لحالات الوساوس القهرية في فرنسا سنة 1910، واستُخدم كذلك علاجا لحالات السكري قبل ابتكار الإنسولين، وفي العشرينيات اقترح راسل وايلدر من "مايو كلينيك" وجود علاقة بين حالات التجويع التي تطلق الأجسام الكيتونية في الجسم والتخفيف من نوبات الصرع*، لكن هل الصيام مفيد حقا؟

لعب الصيام دورا جوهريا في جميع الديانات الرئيسية في العالم مع ارتباطه بالتقرب إلى الله عبر التوبة، والتحمل، وغير ذلك من أشكال ضبط النفس
لعب الصيام دورا جوهريا في جميع الديانات الرئيسية في العالم مع ارتباطه بالتقرب إلى الله عبر التوبة، والتحمل، وغير ذلك من أشكال ضبط النفس
  
الفئران الصائمة!
للإجابة عن هذا السؤال، دعنا نبدأ مع دراسة جديدة3، صدرت فقط قبل عدة أشهر، لباحثين من جامعة هارفارد، تشير إلى أن عملية التلاعب في شبكات الميتوكوندريا الخاصة بالخلية، عن طريق الحميات الغذائية القاسية أو الصوم المتقطع، يمكن لها أن تساعد في تحسين الصحة وإطالة العمر، حيث تقوم الميتوكوندريا، بيت الطاقة في الجسم، بتغيير شكل تلك الشبكات ديناميكيا حسب طلب الطاقة في الجسم، لكننا نعرف الآن أن قدرتها على أداء تلك العملية تتناقص مع العمر.

 

وأقام باحثو هارفارد تجاربهم على نوع من الديدان الأسطوانية يبلغ متوسط عمره أسبوعين، وهو ما يمثل فترة جيدة جدا لدراسة تأثيرات الصوم المتقطع أو الحميات الغذائية عليها، وتبين أن هناك حالتين لميتوكوندريا خلايا تلك الديدان، إما ملتحمة وإما مفككة، هنا أكدت التجارب4 أن تلك الحميات لها دور في دفع الميتوكوندريا إلى الحالة الملتحمة، وهي حالة أكثر شبابا من الأخرى، والتي بدورها ترفع من عمر الديدان لأنها تدفع بالبيروكسيسومات، عضيات خلوية تسبح في السيتوبلازم الخلوي، إلى تعديل التمثيل الغذائي الخاص بالدهون.

 

في تلك النقطة دعنا نتعرف قليلا إلى ما يعنيه الصوم المتقطع5، وهو ببساطة، كما يبدو من الاصطلاح نفسه، عبارة عن دورة بين أوقات الصيام وأوقات الإفطار، وله العديد من البروتوكولات الشهيرة لكنها جميعا تقع ضمن مجموعتين، الأولى هي صيام اليوم الكامل، وتعني، في صورتها الأكثر التزاما، أن تصوم 24 ساعة كاملة وتفطر في الساعات الأربعة والعشرين التالية، والثانية هي التغذية المقيدة زمنيا، ولها عدة صور أشهرها هي الصورة (16 ساعة صيام: 8 ساعات إفطار)، كذلك هناك صورة أكثر تحررا تقول (12 ساعة صيام: 12 ساعة إفطار)، وهناك صورة أكثر تقييدا تقول بـ (وجبة واحدة فقط طوال اليوم)، ما يعني الصيام حتّى 23 ساعة، لكن في كل الأحوال، سواء كان هذا الصيام متقطعا أو مستمرا (أياما ممتدة)، يجب التشديد على توضيح أن هذا النمط من الصيام لا يتضمن الصيام عن الماء أيضا.

undefined

 

وكانت تجارب عديدة6 سابقة على الحيوانات، من الديدان وصولا إلى القردة، قد أشارت إلى فاعلية نظم الصيام -بنوعيه المتقطع أو المستمر لعدة أيّام- في إطالة العمر، وحتّى مع نظام صيام يتضمن تخفيضا قاسيا لاستهلاك الطاقة مدة 5 أيام فقط كل شهر، في إحدى الدراسات7، كانت النتائج جيدة، بينما أشارت الأخرى إلى أن تخفيض استهلاك الفئران للطاقة عبر الصيام المتقطع تسبب في جعلهم8 أكثر صحة، وأطول عمرا، وأقل عرضة للإصابة بمرض السكري بسبب ارتفاع حساسية الجسم لإفراز الإنسولين، وكانت التجارب على القردة هي التي فتحت الباب فيما بعد لتصور قابلية النماذج نفسها للتطبيق على البشر.

 

في مواجهة السرطان وأمراض الشيخوخة
من جهة أخرى فإن الصيام قد وجد طريقه إلى حالات السرطان، حيث وجدت دراسة على الفئران، نُشرت في الدورية الشهيرة "ساينس" (9 Science)، أن درجات تقلص الأورام كانت أفضل بفارق واضح في حال مُنع الطعام عن الفئران مدة قد تصل إلى اليومين قبل جلسات العلاج الكيميائي، مقارنة بالجلسات وحدها دون صيام، وكانت تلك الدراسة هي امتداد لأخرى سبقتها أشارت إلى أن إحدى وظائف الصيام المهمة هي الحفاظ على الخلايا السليمة من التأثيرات السامة للعلاج الكيميائي، خاصة في حالات الورم الدبقي، وسرطان الخلايا الصبغية، والورم الأرومي العصبي، وسرطانات المبايض والثدي، في كل تلك الحالات حقق الثنائي (علاج كيميائي مع صيام قبله) نتائج أفضل بنسبة 40%، بل وكانت نسبة 42% من الفئران التي خضعت لهذا العلاج الثنائي أطول عمرا من رفاقها.

 

ويُقترح أن السبب في قدرة الصيام على حماية الخلايا السليمة بدرجة أكبر ذو علاقة بقدرته على دفع الخلية إلى إعادة توجيه الطاقة من عمليات النمو والتكاثر إلى عملية الصيانة الداخلية، وهي آلية لا تمتلكها الخلايا السرطانية، يحيلنا ذلك إلى فائدة أصيلة لعمليات الصوم، وهي أنها تدفع الخلايا إلى آلية خاصة تسمى "الالتهام الذاتي" (10 Autophagy)، حيث في حال فقدان إمدادات الغذاء القادمة للخلية من خلال الطعام، وحاجاتها في المقابل إلى الطاقة من أجل الاستمرار على قيد الحياة، تبدأ في البحث عن بعض المكونات الخلوية التالفة أو التي لا تعمل وتقوم بتكسيرها إلى صورتها الأولية.

 

بعد ذلك يُعاد استخدام تلك الصور الأولية لبناء عضيات الخلية الأخرى، بالتالي تحافظ الخلية على نفسها من التلف وتَخزّن "القمامة" الخلوية بجوانبها، كذلك فإن منع أنسجة الجسم عن غذائها يدفعها إلى تكوين عدد أكبر من عضيات الميتوكوندريا للتكيف مع الوضع الجديد، مع إطلاق كميات أكبر من البروتينات التغذوية العصبية (Brain-derived neurotrophic factor)، ولهذه الأسباب يدخل الصيام، مع التمرينات الرياضية، ضمن إحدى الآليات11 التي تدفع بالدماغ إلى تكوين خلايا ووصلات عصبية جديدة وإصلاح الحمض النووي الخاص بها، فيساعد ذلك، ربما، مع حالات تدهور الخلايا العصبية والأمراض المرتبطة بها كألزهايمر أو مرض باركينسون، في الشيخوخة.

 

ورغم أن النشاط البحثي حول الآليات التي تشرح تأثير الصيام على فيسيولوجيا الجسم البشري ما زال قائما بدون تأكيدات نهائية، لكن هناك توجه قوي يقول إن الصيام مفيد للجسم في كل الأحوال، فهو يجعلنا أكثر صحة، وربما يطيل أعمارنا، وهو كذلك مفيد للدماغ بشكل خاص، لكن دعنا في تلك النقطة نتوقف قليلا ونعيد التذكير بنقطة مهمة، وهي أن كل حالات الصيام التي تحدثنا عنها، كانت في التجارب على الفئران والقردة أو حتى في الإنسان، لم تنقطع عن الماء طوال مدة الصيام، في الحقيقة يتسبب الامتناع عن الماء لفترات طويلة في بعض المشكلات.

 

مشكلات الصيام
أولى تلك المشكلات هي، بالطبع، حالات الجفاف12، والتي تتزايد إحصائيا بشكل واضح خلال شهر رمضان، وتظهر أعراضها في عدم انتظام دقات القلب، والإرهاق، والتوتر، مع حالات من الصداع والغثيان، وعادة ما يكون الأشخاص المصابون بالجفاف في نهار رمضان في منتصف العمر أو من كبار السن، وهم أكثر عرضة لآثار الجفاف بالطبع من غيرهم، لهذا السبب، مع أسباب أخرى، سوف تجد إشارة إلى أن حضور13 المسلمين خلال رمضان لمستشفيات الطوارئ يكون أكبر من المعتاد، خاصة حينما يكون العمل في نهار رمضان مقرونا ببذل الجهد في أماكن تتعرض للشمس.

 

حيث إن التعرض لبيئة عمل حارة14، في الصيف، مع ممارسة أعمال تستوجب بعض الجهد العضلي، يتسبب في زيادة درجة حرارة الجسم، هنا يستجيب جسمنا لذلك بالتعرق، فتبخر العرق يبرد الدم في الأوعية الدموية مما يساعد على تبريد الجسم كله، لكن في ظروف العمل القاسية يمكن للشخص البالغ أن يفقد نحو 1.5 لتر من العرق في الساعة، لذلك إذا لم يُستبدل هذا الماء المفقود يمكن أن ينخفض ​​الحجم الكلي لسوائل الجسم بسرعة شديدة ما قد يتسبب في أن ينخفض ​​حجم الدم، وإذا حدث ذلك فهناك مشكلتان قد تهددان حياة الإنسان، وهما توقف التعرق وارتفاع درجة حرارة الجسم، في المقابل من ذلك قد ينخفض ​​ضغط الدم بسبب انخفاض حجم الدم لعدم وجود سوائل، وهي الحالة التي قد تتطور سريعا لعواقب وخيمة قد تصل إلى الوفاة.

 

لكن أكبر المشكلات، في الحقيقة، لا تواجه الشخص الطبيعي في المتوسط، بل تضر بالفئات التي قد تتردد في استخدام رخصتها الطبية وتفطر في رمضان، كالحوامل، والأطفال، ومرضى السكري والضغط مثلا، ومرضى الكلى والأمرض القلبية الوعائية، ومرضى الصرع، في الوقت نفسه الذي قد يتجنب فيه بعض الأطباء إجبارهم على الإفطار بشكل مباشر عبر جملة شهيرة تقول: "إذا كنت ترى أنك يمكن أن تتحمل"، وهي ما يدفع هؤلاء إلى التشكك في حالاتهم واتخاذ قرار بالصوم، هناك كذلك مجموعة من الأضرار لا ترتبط بالصيام نفسه ولكن بالسلوك المجتمعي في أثناء الصيام، فمثلا تزداد درجات التوتر15 بين الناس في نهار رمضان بوضوح، كذلك يرتفع استهلاك الأطعمة في شهر رمضان، وهو ما قد يكون ضارا بالصحة العامة، كما ينعكس على انخفاض الإنتاجية في العمل على مستوى الدول الإسلامية بشكل لافت للنظر16،17.

undefined

 

لكن، في كل الأحوال، يمكن للمواطن العادي، قدر إمكانه، أن يتجنب بعض تلك المشكلات، فلا يحدث كل عام مثلا أن نرى آلاف الموتى بسبب الصيام، ولكن قد يحدث أن يتسبب الصيام في أثر مرضي مزمن عند البعض أو قد يتسبب في وفاة بعض الحالات بالفعل، خاصة المريضة منها والتي لم يُتعامل معها بشكل صحيح، أو قد يحدث أن ترتفع درجات التوتر العام والكسل عن تأدية المهام الوظيفية بسبب عدم التزام الكثيرين بالحفاظ على أجسامهم خلال الصيام. عندها يبرز سؤالنا الأهم والذي يتسبب في حالة جدل واسعة حول شهر رمضان: هل الصيام مفيد أم ضار لصحة الإنسان؟

 

الصيام، عبادة أم علاج؟
هنا نقول بوضوح إن الصيام عن الطعام هو، حسب الدليل العلمي المُرجّح حاليا، عملية مفيدة للجسم، لكنها -بصورة علاجية- تُمارس بقواعد مختلفة، أما الصيام الديني فهو عبادة للتقرب إلى الله، ولا يُفترض من الصائم خلالها أن يهتم بالتساؤل عن فوائدها الطبية لإثبات صحة معتقده، ولكن عليه فقط أن يهتم بممارسة ما أمره الله به مهما كانت طبيعته لأن ذلك هو -بشكل أو بآخر- جوهر ما يعنيه الإيمان، وقد أمره الله أيضا أن يحافظ على حياته من الهلاك، بالتالي عليه أن يتبع كل القواعد الطبية الممكنة لتجنب الضرر أثناء الصوم، أو تجنب الصوم نفسه إن كان سيتسبب في الإضرار بحياته، وهي رخصة وضعها النص القرآني بوضوح للمسلمين.

 

من جهة أخرى فإن الجدل حول موضوعات "مفيد أم ضار" لن ينتهي، فمثلا يود البعض أن يثبت أن هناك إعجازا ما متعلقا بالصوم، لكن في الجهة المقابلة سيرد أحدهم بأنه طالما كان هناك إعجاز في صومك، فإن هناك أيضا إعجازا في دعوة فيثاغورس للصوم، وفي أحاديث أبوقراط وأفلاطون ومارك توين، وفي صيام كل ديانات العالم تقريبا قبل وبعد الإسلام، بالتالي تُقام الحجة التي تقوم أنت بعرضها، كدليل لدحض فكرتك الأولى بالأساس، والأَولى هنا أن نفصل ما بين الدين والعلم.

undefined

 

وتعني الجملة الأخيرة أن نمنع النطاقين من التداخل رغم ما يبدو للوهلة الأولى من ضرورة وجود تصادم أو تقارب، فالصيام الطبي يختلف عن الصيام الديني، الأول قد يكون له غرض علاجي، والثاني له غرض تعبدي، لذلك فالأول أكثر تحديدا كآلية لها قواعد تملي على المريض أو غير المريض ما يجب أن يحدث في فترات الصوم، وفي فترات الإفطار كذلك، وتطلب منه ممارسة الجهد العضلي بنمط محدد، ولا تطلب منه أن يصوم عن الماء، وتمنعه من الصيام بالأساس حينما يكون مؤشر كتلة الجسم "BMI" الخاص به أقل من المتوسط، وعند محاولتك للمقارنة بين موضوعين، أحدهما ذو غرض طبي، والآخر روحي، فسوف يعني ذلك أن نضطر إلى تقييم كل منهما بأدوات الآخر، ما قد يتسبب في إدخالنا بحالة من الجدل والخلاف حول الدقة العلمية لنصوص دينية مقدسة، وهو ما ستكون نتائجه دائما ضارة للطرفين، وغير مجدية على أي حال، فلمَ نكلف أنفسنا عناء المحاولة؟!

 

لكن ما يمكن أن يدعونا للتأمل حقا حول موضوع الصوم هو الدور الذي يلعبه الطعام في حياتنا المعاصرة، والذي بدوره يدفعنا إلى التساؤل عن: "لماذا 3 وجبات في اليوم؟ أليس ذلك كثيرا بعض الشيء؟"، الطعام في كل مكان تقريبا، إعلانات الأطعمة الجاهزة والمشروبات الغازية تضرب وجوهنا مئات المرات يوميا في التلفاز، والشارع، وعلى الإنترنت، من جهة أخرى ارتفعت نسب السمنة18،19 إلى درجات مخيفة في كل العالم تقريبا، خاصة سمنة الأطفال، ونجد يوما بعد يوم دلائل تربط بين السمنة والعديد من الأمراض، بداية من الضغط والسكري وأمراض القلب، مرورا بالاضطرابات النفسية، وصولا إلى علاقة بين الأفراد الذين عاشوا فترات طويلة من حياتهم مصابون بالسمنة وأمراض الشيخوخة كالزهايمر.

 

لكن، ألا يضرب ذلك في أذهاننا جرسا؟ بمعنى آخر، هل أصبحت العودة إلى تراث البشر القديم هي العلاج؟ لا نتحدث هنا عن الصوم فقط، ولكن أيضا عن تمارين الاسترخاء كاليوغا، وتمارين التأمل التي تجد يوما بعد يوم مكانا في أرض البحث العلمي وإن كان تحركها بطيئا، وحمية "العصر الحجري" منخفضة الكربوهيدرات الشهيرة للحفاظ على الصحة، يفتح ذلك التساؤل بابا عما قدمته لنا الحياة المعاصرة، هل قرّبتنا من حقائق هذا العالم؟ هل جعلتنا أفضل حالا؟ أم أغرقتنا في اللذة والتوتر فأبعدتنا عن طبيعتنا وعن الطبيعة نفسها؟

 

__________________________
هامش

*هناك، في الحقيقة، تاريخ بحثي طويل وممتع متعلق بالبحث العلمي حول تأثيرات الصيام على فسيولوجيا الجسم، لكن بما أنه ليس موضوعنا سوف أحيلك، من أجل الفائدة، إلى الفصل الثالث من كتاب "Comparative Physiology of Fasting, Starvation, and Food Limitation" التابع لدار نشر سبرينجر والتي تفتح أبواب موقعها مجانا في دول كمصر.