شعار قسم ميدان

"2022 هو عام البيتكوين".. أفلام ووثائقيات ممتعة تكشف أسرار العملات الرقمية

"أنت لا تستطيع أن تمنع شيئا مثل العُملات المشفّرة، ستكون في كل مكان، والعالم سيكون عليه أن يعيد ضبط أوضاعه للتأقلم معها، حكومات العالم ستكون مجبرة أن تتأقلم معها"

(جون مكافي، مؤسس شركة مكافي لمكافحة الفيروسات)

مع اقتراب نهاية العام 2021، يناهز سعر عملة البيتكوين الرقمية 50 ألف دولار. بالتأكيد هذا الرقم يبدو خياليا مقارنة ببداياتها، عندما كانت قيمتها تتراوح بين عدة سنتات في العامين 2009 و2010، ثم اعتُبرت أنها حققت قفزة كبيرة في العام 2011 عندما وصلت قيمتها إلى دولار واحد. الآن، وبعد 10 سنوات، أصبحت العُملات الرقمية المشفّرة واقعا تعترف به الحكومات والدول والبنوك المركزية، وواحدة من أكبر مجالات الاستثمار حول العالم.

ومع ذلك، تظل واحدة من أكبر مشكلات العملات الرقمية المشفّرة هي أنها غير مفهومة بالنسبة إلى قطاعات واسعة من الناس، وهو ما جعلها بالضرورة محل تشكيك منهم، فالشيء الذي لا تفهمه، غالبا سوف تعاديه، أو تعتبره فقاعة في طريقها إلى الزوال سريعا، خصوصا إذا كان هذا الشيء تحيط به بالفعل علامات استفهام كبرى من حيث قصة نشأته وطريقة تعدينه وتداوله والقيمة التي يقدمها.

في هذا التقرير نستعرض أبسط وأسرع وسيلة لتعلّم أي شيء بشكل مسلٍّ، وهو مشاهدة الأفلام. لدينا هنا 8 أفلام تسلط الضوء بشكل كامل على عالم العملات المشفّرة عموما، وعملة البيتكوين خصوصا، بشكل يجمع بين الإثارة والتعليم؛ ما يجعلها مدخلا ممتازا لمعرفة أساسيات هذا العالم والإحاطة بأهم مبادئه.

صيرفة البيتكوين.. نظرة على البدايات

نبدأ القائمة بواحد من أشهر الأفلام الوثائقية التي سلّطت الضوء على عالم العملات الرقمية عموما، والبيتكوين على وجه الخصوص. فيلم "صيرفة البيتكوين (Banking Of Bitcoin)"، من إصدار عام 2016، وإخراج كريستوفر كانوكشياري، ومدته حوالي ساعة ونصف.

ميزة هذا الفيلم هو أن صنّاعه لم يركزوا فقط على نشأة البيتكوين وصعودها، وإنما عملوا على ربطها بمتغيرات مالية عالمية بدأت منذ العام 2008 وصولا إلى سنة إنتاج الفيلم، وهو العام الذي شهد وصول قيمة البيتكوين إلى سقف الـ900 دولار، وكان هذا رقما ضخما آنذاك أثار اهتمام العالم أجمع حول بزوغ نجم العملات الرقمية التي أصبحت حقيقة واقعية لا تقبل الجدال.

الفيلم الذي اكتسب شهرة كبيرة، خصوصا بعد عرضه لفترة عبر منصة نتفليكس العالمية، يتتبع مراحل صعود عملة البيتكوين، وأساسيات صناعتها وتعدينها، ومؤسسيها، وطرق استخداماتها، مع تسليط الضوء على مزايا العملة من جهة، وإبراز جوانبها الاحتيالية والإجرامية من جهة أخرى.

باختصار، إذا كنت تريد الوصول إلى مادة بصرية تعطيك نظرة عامة بخصوص رحلة تطور البيتكوين في الفترة ما بين 2008 إلى 2016، فهذا الفيلم يعتبر من أفضل المراجع التي ستفيدك بدون شك.

كريبتو.. العالم المظلم للعملات المشفرة

نحن هنا نتحدث عن فيلم إثارة "Thriller Movie" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. صدر فيلم "كريبتو (Crypto)" في عام 2019، ويعتبر من أكثر الأفلام الدرامية التي تتصل حبكتها بشكل أساسي بعالم العملات الرقمية، وهو ما جعل شهرته تتزايد بشكل متصاعد منذ إصداره، مع زيادة الاهتمام العالمي بتلك العملات. الفيلم من إخراج جون ستالبيرغ، وبطولة كوكبة من الممثلين أبرزهم بو ناب وأليكسيس بليديل ولوك هيمسوورث، مع حضور شرفي للممثل المخضرم كيرت راسل.

يحكي الفيلم قصة مارتن دوران، محلل في أحد البنوك الشهيرة الكبرى، دوره الأساسي الذي تقاضى عليه أجره هو كشف إجراءات غسل الأموال ومنعها. بعد استبعاده من المصرف الذي يعمل فيه ونقله إلى مصرف آخر، يجد الشاب نفسه في مواجهة عمليات احتيال مالية كبرى بملايين الدولارات تدبّرها عصابات إجرامية روسية بواسطة عمليات تعدين العملات الرقمية المشفّرة.

الفيلم تدور حبكته الرئيسية بشكل كامل حول الربط بين تعدين العملات المشفّرة واستخدامها بشكل واسع في عمليات غسيل الأموال داخل المصارف، في إطار بوليسي مثير. وعلى الرغم من أنه لم يحز تقييما نقديا إيجابيا بشكل واسع، فإن فيلم كريبتو اعتُبر واحدا من الأفلام الدرامية القليلة التي دقت ناقوس الخطر بخصوص الجوانب المظلمة لعالم العملات الرقمية المشفرة.

كريبتوبيا.. مستقبل العملات الرقمية

وثائقي شديد الشهرة، صدر في عام 2020، ويُعتبر من أفضل الأفلام الوثائقية التي تسلط الضوء على العملات الرقمية وعملية تعدينها، وتتوقع سيناريوهاتها المستقبلية. يحمل الفيلم عنوان "كريبتوبيا.. البيتكوين والبلوك تشين ومستقبل الإنترنت"، وينظر بنظرة عميقة في تقنيات البلوك تشين وكيفية تعدين العملات الرقمية.

الفيلم من صناعة "تورستين هوفمان" المعروف بإنتاج عدد من المشاريع الوثائقية الشبيهة في السنوات الماضية، وبالرغم من أنه يركز بشكل كامل على عالم العملات الرقمية المشفّرة وطرق تعدينها وتصوّرات مستقبلها بوصفها أداة تعامل مالي واستثماري، فإنه يحتوي أيضا على معلومات وبيانات وأرقام وأفكار يمكن استخدامها والاستفادة منها في جميع أنواع الاستثمارات الأخرى.

بخلاف أفلام أخرى في هذه القائمة تتناول الحديث عن البيتكوين وتعدين العملات المشفّرة من جميع جوانبها المضيئة والمظلمة معا، ستلاحظ أن فيلم "كريبتوبيا" يميل إلى إظهار الجانب الثوري في عالم البيتكوين، ويُظهر حماسا واضحا في تقديم العملات المشفّرة بوصفها محورا لفرص عديدة سيشهدها العالم في السنوات المقبلة. يمكن اعتباره -إذن- تسليطا للضوء على الجانب الإيجابي والمشرق من هذا العالم.

صعود وصعود البيتكوين.. لا مجال للهبوط

كل شيء في الحياة يصعد ويهبط، إلا البيتكوين من وجهة نظر صنّاع هذا الفيلم، فإنها تصعد وسوف تستمر في الصعود. نحن هنا نتحدث عن واحد من أكثر الأفلام المثيرة حول عالم البيتكوين، وهو فيلم "صعود وصعود البيتكوين (The Rise and Rise of Bitcoin)" الذي صدر عام 2014 في وقت كانت فيه العملة المشفرة لا تزال جديدة نسبيا وغير منتشرة بشكل واسع، ومع ذلك، وكما تلاحظ من عنوان الفيلم، من الواضح تماما أن صانعيه كانوا يرون أن نجاح البيتكوين حتمي ولا جدال فيه.

الفيلم يدور حول مبرمج الكمبيوتر الثلاثيني المخضرم "دانيال مروس" الذي يصاحبنا طوال ساعة ونصف لفهم جميع التفاصيل المهمة حول البيتكوين وتطوّرها من خلال مقابلاته المتعددة مع المبرمجين والمطوّرين المهووسين بتعدين العملة الرقمية، والذين كانوا يعتقدون أنهم بصدد إحداث ثورة ضخمة في مستقبل المال والأعمال والاستثمار. وبالتأكيد أثبتت الأيام صدق هوسهم هذا.

منذ اكتشافه البيتكوين في عام 2011 -التي كانت متواضعة القيمة للغاية آنذاك- قرر دانيال أن يصوّر فيلما وثائقيا لنفسه وهو يرصد نمو البيتكوين من خلال رحلته حول العالم ومقابلاته مع مهووسي العملات المشفرة والمتبنّين الأوائل لتقنية البلوكتشين؛ ما يجعل الوثائقي مزيجا من رحلة استكشافية ودورة تعليمية مركزة أيضا. رُشّح الفيلم لجائزة أفضل عمل وثائقي دولي في مهرجان زيوريخ لعام 2014.

بيتكوين .. نهاية المال الذي نعرفه

فيلم وثائقي أسترالي مستقل من إنتاج عام 2015، ومن كتابة وإخراج تورستين هوفمان، منتج فيلم "كريبتوبيا" السابق الإِشارة إليه. يتميز هذا الوثائقي عن الكثير من الأفلام المذكورة في هذه القائمة بأنه يدمج نظرته التحليلية للبيتكوين ضمن طوافٍ سريع على تاريخ المال، ومبدأ ظهور العملات المعدنية والورقية بالأساس، وتطور مفهوم المال في المجتمعات البشرية منذ العالم القديم حتى عالمنا الحديث، ثم يعرِّج على نشأة العملات الرقمية باعتبارها التطور الطبيعي الذي يحل محل النقود التقليدية.

الفيلم أتى بعنوان مقتضب ومباشر كأنه يقر حقيقة لا جدال فيها "البيتكوين.. نهاية المال الذي نعرفه (Bitcoin: The End of Money as We Know It)"، مسلطا الضوء على أنماط الابتكارات التقنية التي تحيط بنشأة البيتكوين وغيرها من العملات الافتراضية، ومقدما إجابات واضحة ومباشرة حول حتمية حلول البيتكوين محل العملات النقدية، ومعترفا في الوقت ذاته بوجود جوانب مظلمة لهذه العملة تتضمن استغلالها بشكل واسع في عمليات غسيل الأموال.

وبالطبع يجيب الفيلم عن السؤال الأبرز الذي كان دائرا وقت إنتاجه، عمّا إذا كانت البيتكوين والعملات الرقمية مجرد فقاعة أم حقيقة واقعية لا مفر منها وأنها تمثل مستقبل المال. الآن يعرف الجميع أن البيتكوين تجاوزت مرحلة التساؤل حول كونها فقاعة أم لا، وأصبحت حقيقة واقعية تعترف بها الدول والحكومات والشعوب، ولها منصات تداول مرخّصة من البنوك المركزية.

حصل الفيلم على ثلاث جوائز دولية في عام 2015، هي جائزة أفضل فيلم وثائقي عالمي في مهرجان أمستردام السينمائي، إضافة إلى جائزتين في مهرجان لاس فيجاس للعام نفسه.

الحياة على البيتكوين

إذا كانت كل الأفلام السابقة تتحدث عن صناعة العملات المشفرة وكيفية تعدينها ومستقبلها والمضاربة بأسعارها والمشكلات المتعلقة بها، فكل هذه الأمور لا تجيب عن أهم سؤال يقفز إلى ذهن الشخص العادي: هل يمكنني شراء شطيرة برجر أو التسوّق في أحد المولات أو السفر أو الحجز في أحد الفنادق من خلال عملة البيتكوين؟ هل يمكنني أن أستوقف سيارة أجرة ثم أدفع للسائق أجرته على شكل عملة رقمية؟

في عام 2014، ظهر الفيلم الوثائقي "الحياة على البيتكوين (Life on Bitcoin)"، من بطولة زوجين لم يمرّ على زواجهما سوى أسبوعين فقط، وقررا أن يسافرا لقضاء عطلة طويلة في إحدى المدن الأميركية، معتمدَين بشكل كامل على العملات الرقمية في جميع تعاملاتهما اليومية. امتنع الزوجان عن اصطحاب أموال نقدية أو استخدام بطاقات ائتمان لشراء أي شيء، واعتمدا بشكل كامل على التعامل عبر البيتكوين.

كان هذا في عام 2014، صحيح أن عملة البيتكوين كانت تحقق نموا جيدا، ولكنها -قطعا- لم تكن بالانتشار الحالي. لذلك، نرى في الفيلم تجربة اجتماعية ممتدة على مدار 100 يوم، مليئة بمحاولات الزوجين إقناع المتاجر بقبول العملة الرقمية، واضطرارهما أحيانا للذهاب إلى مسافات بعيدة للغاية لمجرد العثور على متجر أو مطعم أو مكان يقبل الدفع عبر البيتكوين لشراء الاحتياجات الأساسية.

بالتأكيد الوضع اختلف تماما الآن، وإذا أعاد الزوجان أوستن وبيكي إنتاج الفيلم نفسه في عام 2022، فآخر مشهد يمكن تصوّره هو أن تدفع بالعملة الرقمية التي يسعى الجميع لامتلاكها، خصوصا في الولايات المتحدة، وتواجه بالرفض!

أنا ساتوشي.. مَن بدأ كل هذا؟

ساتوشي ناكاموتو، يبدو اسما يابانيا خالصا لشخص ما، ولكنه في الواقع اسم مستعار لا يمتّ بصلة لأي شخص حقيقي. هذا الاسم أصبح مستخدما على نطاق واسع بين الأشخاص المجهولين الذين طوّروا النسخ الأولية للبيتكوين وأنشؤوا برامجها المرجعية الأصلية. ظهر اسم ساتوشي لأول مرة في ورقة بحثية عام 2008، ثم اختفى بحلول عام 2010، ويُعتقد أن ساتوشي ناكاموتو هذا -مجهول الهوية حتى الآن- يملك ما يقارب مليون بيتكوين، وهي ثروة هائلة بمعايير اليوم.

ومع غياب هذا الشخص، أصبحت هويته محل شك مع تساؤلات عمّا إذا كان هذا الاسم يرمز لذكر أم أنثى، أو يعود لعدة أشخاص أو شخص واحد. هذا الغياب جعل الكثيرين يخرجون إلى الإعلام قائلين إنهم ساتوشي، منهم رجل ياباني وخبير تقني أسترالي. بعض الصحفيين وجهوا اتهاما لرجل الأعمال إيلون ماسك أنه هو ساتوشي، ولكن ماسك نفى ذلك تماما في عام 2017، وتحول الأمر إلى دعابة عامة عندما نفى الرئيس الأميركي الأسبق ترامب أن يكون هو ساتوشي ناكاموتو في إحدى تغريداته الساخرة.

يحاول فيلم "أنا ساتوشي (I’m satoshi)" الوثائقي، والذي أُنتج عام 2014، تسليط الضوء على هوية الشخص أو الأشخاص الذين بدؤوا في إطلاق هذه العملة، وكيف تطوّرت من لا شيء لتتجاوز قيمتها ألف دولار في عام 2014، لتصل إلى حافة الخمسين ألف دولار في نهاية عام 2021. خلال ساعة كاملة، هي مدة الفيلم، يسلط الوثائقي الضوء على بعض المعلومات الأساسية عن ساتوشي وبداية البيتكوين، ويَعْقد الكثير من المقابلات مع المطوّرين الأوائل للعملة، محاولا الوصول إلى تصوّر ما بخصوص هوية هذا الشخص.

الأموال السحرية: ثورة البيتكوين

عندما صدر الوثائقي "الأموال السحرية: ثورة البيتكوين (Magic Money: The Bitcoin Revolution)" في عام 2017، انطلق من حقيقة تبدو مدهشة، وهي أنه -ولأول مرة في تاريخ البشر- لم تعد النقود تحت سيطرة البنوك المركزية والحكومات والدول، وإنما أصبحت تحت سيطرة الناس مباشرة. تغيرت قواعد اللعبة تماما، ولم يعد صكّ العملة وتحديد سعرها وقيمتها وطرق إرسالها واستقبالها أمرا حكوميا، بل أصبح أمرا متداولا في أيدي الناس، بناء على معايير تعدين رقمية مختلفة تماما عن تعدين الموارد الطبيعية.

الفيلم له نفس إيقاع معظم الأفلام في هذه القائمة، وثائقي قائم على إجراء المقابلات مع الخبراء ومطوّري العملة والمحللين والمستثمرين في أسواق الأسهم، ويطرح عليهم الأسئلة التي تريد أن تعرف إجاباتها من أفواههم: ما العملات المشفّرة؟ ومن أين جاءت؟ وكيف تعمل؟ وما مستقبلها؟ وهل هي حقيقة واقعية أم مجرد فقاعة رقمية ستزول يوما ما؟ يسلط الفيلم الضوء أيضا على بعض تفاصيل النشأة الغامضة لعملة البيتكوين، ثم يركز على مستقبل العملة، مُظهرا جوانبها الإيجابية، وما يمكن أن تغيره في المستقبل القريب والبعيد.

في النهاية، من المؤكد أن العملات الرقمية المشفّرة مثلها مثل أي شيء آخر، لها مزايا وعيوب. صحيح أنها تجاوزت مرحلة الفقّاعة، أو على الأقل لم تعد مثارا لشكوك الأسواق والحكومات كما كانت في السنوات الأولى من صعودها، إلا أن التعامل معها يجب أن يكون في إطار الوعي بمميزاتها وعيوبها بالوقت نفسه، وهو ما عبّر عنه رجل الأعمال والمبرمج الأميركي الراحل دان كامينسكي قائلا: "البيتكوين لها مشكلاتها بالطبع، ولكن مَن قال إنها تحاول أن تصل إلى الكمال؟!".

__________________________________________________

ملاحظة:

  • الأفلام المذكورة في القائمة ضمن مشاهدات الكاتب الشخصية، وكل المعلومات الواردة في التقرير مُستمَدَّة من وصف الأفلام ذاتها.
المصدر : الجزيرة