شعار قسم ميدان

قضاة منصات التواصل.. لماذا أصبحنا نطلق الأحكام على الجميع بلا توقف؟

ماذا تفعل إذا فوجئت بشخص لا تعرفه يقص أشياء أو أحداثا تعرف أنها تخصك، أو يُشارك صورتك دون علمك على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يكتفي باختراق خصوصيتك بهذه الطريقة، بل تحمل مشاركته حكما سلبيا عليك، بني على مشاهدته "المقتطعة" لك في مواقف معينة.

تداولت بعض صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قبل عدة أسابيع، منشورا مصورا لفتاة تصف مشاهدتها لممتلكات شخص قابلته "مصادفة" في طريقها، وقد أصدرت الفتاة خلال مشاركتها حكمها على هذا الشخص الذي لا تعرفه بأنه لا بد أن يكون لصا، فقط لأنه يمتلك مقتنيات ثمينة. وهو ما يقودنا إلى مناقشة الآلية المضطربة التي نحكم من خلالها على الأشخاص عبر مشاهد محدودة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الشعور الزائف بالأفضلية

False sense of superiority

عبر موقع "سايكولوجي توداي" (psychologytoday)، كتبت دانا هارون، وهي طبيبة نفسية في واشنطن العاصمة، تعمل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل أو الصدمات، أن الحكم على الآخرين لا علاقة له بحقيقة الأشخاص الذين نحكم عليهم، ولكنه فقط يتعلق برؤية الناس من خلال ترتيب هرمي. عندما يتقابل شخصان، فوفقا للترتيب الهرمي يكون أحدهما أفضل والآخر أسوأ. قد يُستَخدم أي مقياس لتحديد الأفضلية والسوء، قد يكون هذا المقياس هو الثروة، أو المكانة الاجتماعية، أو القدرة الاجتماعية، ستختار مقياسك وفقا للشيء الذي تُركِّز عليه في حياتك. مثلا رأت دانا أن الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الأكل سيكون مقياسهم في الأفضلية والسوء متعلقا بالحجم والوزن والاختيارات المتعلقة بالطعام والتمارين الرياضية.

بناء على الترتيب الهرمي، إذا لم تكن الأفضل، فاحترس، لأنك قد تكون الأسوأ. تبعا لهذا، يكون إصدار الأحكام على الآخرين هو وسيلة لتأمين سلامة الشخص وطمأنة ذاته بجعله "الأفضل" وفقا للمقياس الذي يُحدده، حتى وإن كان هذا المقياس غير حقيقي، مثل اتهام شخص ثري بالسرقة لمُجرد أنه ثري، هنا يتحول هذا الشخص الثري من كونه الأفضل إلى كونه الأسوأ، لأنه أصبح الأدنى في المقياس الأخلاقي. إذا كنت "الشخص الأفضل" في سيناريو معين، فلن يكون هناك داعٍ للقلق، لن تحمل ثقل المشاعر السلبية المحتملة التي قد تشعر بها إذا كنت "الأسوأ"، ومنها الشعور بالدونية، والعار، وتدني احترام الذات، وفقدان الثقة بالنفس.

ترى دانا أن الشخص الذي يجعل نفسه قاضيا ويُحاكم الآخرين يستطيع أن يحصد شعورا سريعا بالارتياح والأمن حين يفعل ذلك، لكنه على صعيد آخر، يدرك على مستوى ما أنه يُشارك في خدعة لتعزيز إحساسه بالقيمة، قد يُدرك هذا بشكل غير واعٍ، وقد ينفيه تماما إذا أدركه بشكل واعٍ، لكي يتمكَّن من الاستمرار في الشعور بالقيمة من خلال استمرار إصدار الأحكام على الآخرين. تقول دانا: "سيتعيَّن على هذا الشخص الحكم على شخص آخر، وآخر، وآخر، للحفاظ على استمرار هذه الحلقة. سيتعيَّن عليه العثور على مدمني المخدرات والمجرمين والأمهات السيئات لإبقاء رأسه فوق الماء بالعوامات بدلا من تعلُّم كيفية السباحة. سيعيش هذا الشخص في عالم مليء بالأحكام على الآخرين، وسينتهي به الأمر إلى الحكم على نفسه بالقسوة نفسها التي يحكم بها على الآخرين، وهو أمر مثير للسخرية بالنسبة لمحاولة تهدف في الأصل إلى إنقاذ احترامه لذاته".(1)

الأحكام تصف صاحبهاالأحكام تصف صاحبها أكثر مما تصف الشخص المحكوم عليه

هل تعلم أنه يمكنك برمجة عقلك للتفكير بطريقة معينة؟ على سبيل المثال، إذا قلت لنفسك كل يوم كم أنت قبيح، فستبدأ قريبا في رؤية نفسك قبيحا بالفعل حتى وإن لم تكن كذلك. الآن، إذا أخبرت نفسك كم أنت مدهش وكيف يمكنك فعل أي شيء تريده في الحياة، فسيصبح لديك مع الوقت ثقة كبيرة بالنفس وتتمكَّن من القيام بالعديد من الأشياء بالفعل. كثير من الناس يصدرون أحكاما على الآخرين لأن عقولهم مبرمجة لرؤية السلبية في الآخرين، تماما كما تبرمج نفسك لرؤية الأشياء السيئة في نفسك.

لنفترض أنك في إجازة عائلية، وأنت في المطار تنتظر رحلتك، ترى امرأة وطفلا صغيرا، والطفل غير منضبط ويُسبب ضجة كبيرة في المكان. أول ما يتبادر إلى ذهنك هو أن الأم لا تستطيع التحكم في طفلها وهي غير قادرة على تهذيبه. بعد ذلك، تلاحظ أن الطفل يرتدي ملابس صغيرة عليه جدا، فتتساءل: كيف ترتب هذه الأسرة أولوياتها؟! كان يمكنهم بدلا من تحمُّل تكلفة هذه الرحلة إنفاق هذه الأموال على شراء ملابس للصغير. أنت لا تعرف هذه المرأة أو قصتها، ومع ذلك، فقد قفزت إلى استنتاجات تستند فقط إلى ما رأيته في بضع ثوانٍ دون أن تتحرك من مكانك.

هناك مقولة شهيرة تحث الناس على "عدم الحكم على الكتاب من غلافه"، لكن الناس يميلون إلى فعل عكس هذه المقولة بالضبط، فهم يستمرون في تبني حكمهم على الكتاب من الغلاف حتى بعد قراءة فصل أو فصلين من الكتاب، هذه النتيجة  أكَّدتها أبحاث جامعة كورنيل. وجدت فيفيان زياس، أستاذة علم النفس في جامعة كورنيل والخبير في العمليات المعرفية والعاطفية التي تنظم العلاقات الوثيقة، وزملاؤها أن الناس يستمرون في التأثر بمظهر الآخرين حتى بعد التفاعل معهم وجها لوجه.

أجرى الباحثون تجارب نظروا خلالها في سلوكيات 55 مشاركا عرضوا عليهم صور أربع نساء. خلال التجربة، قيَّم المشاركون إمكانية أن يكونوا أصدقاء مع المرأة، مما يُشير إلى مدى إعجابهم بها، بعد كل صورة، وما إذا كانت شخصيتها مقبولة، ومستقرة عاطفيا، ومنفتحة على التجارب الجديدة أم لا.

بعد مرور ما بين شهر وستة أشهر، التقى المشاركون في الدراسة بإحدى النساء اللواتي تم تصويرهن، دون أن يتذكروا أنهم قد قيَّموا صورتها من قبل. لعبوا لعبة أسئلة لمدة 10 دقائق ثم طُلب منهم التعرف على بعضهم البعض قدر الإمكان لمدة 10 دقائق أخرى. بعد كل تفاعل، قيَّم المشاركون في الدراسة مرة أخرى قابلية الشخص للإعجاب وسِمات الشخصية. خلال رصد نتائج الدراسة وجد الباحثون اتساقا قويا بين كيفية تقييم المشاركين للشخص بناء على الصورة والتفاعل المباشر. فإذا اعتقد المشاركون في الدراسة أن الشخص الموجود في صورة هو شخص محبوب ولديه شخصية مقبولة ومستقرة عاطفيا، فإنهم يستمرون في تبني هذا الانطباع حتى بعد الاجتماع وجها لوجه مع الشخص. على العكس من ذلك، فإن المشاركين الذين اعتقدوا أن الشخص الموجود في الصورة غير مرغوب فيه ولديه شخصية كريهة وغير مستقرة عاطفيا ظلوا محتفظين بالحكم نفسه بعد اللقاء. قد تؤكد هذه التجارب أن أحكامنا على الآخرين مُعبِّرة عنّا أكثر من كونها مُعبِّرة عن الآخرين، لأنها تنشأ وفقا لصورتنا الذاتية التي نُشكِّلها عند رؤية شخص معين، حتى قبل أن نتعامل معه وتستمر معنا حتى بعد مُقابلته والتعامل معه.(2)

نحن نفترض الكثير من الأشياء عن الأشخاص بناءً على المرئي فقط، نُخضعه لصورنا النمطية التي كونها سابقًا من خبراتنا وتجاربنا في الحياة.

بطبيعتنا البشرية نحن نميل إلى أن نكون متيقظين ومنسجمين مع الأشياء من حولنا، هكذا بُنيت غرائزنا التي مَكَّنتنا من البقاء على قيد الحياة. تساعد هذه الغرائز في إبقائك على أهبة الاستعداد للدفاع عن نفسك في أي لحظة. من هذا المنطلق، فأنت تُحاكم الآخرين وتنتقدهم لأنك تستخدمهم أساسا لرؤيتك للعالم. نحن نرى العالم والآخرين من خلال عدستنا الشخصية، هذه العدسة مبرمجة فينا منذ الولادة، وهي جزء لا يتجزأ من أدمغتنا، من مُثُلنا العليا ونظرتنا للحياة التي تُشكِّل نسختنا التي ندركها من الواقع.(3) لهذا فإن الحكم على الآخرين، في النهاية ليس له علاقة بهم، والأمر كله يتعلق بصاحب الحكم لا بالشخص المحكوم عليه! هذا يجعل أحكامنا على الآخرين غير صحيحة أو حقيقية.

السبب الرئيسي لذلك أن معظم أحكامنا تصدر بناء على المظهر الخارجي، نحن نفترض الكثير من الأشياء عن الأشخاص بناء على المرئي فقط، نُخضعه لصورنا النمطية التي تكوَّنت من خبراتنا وتجاربنا في الحياة. مثلا، إذا رأيت شخصا لائقا بدنيا فإنك تميل إلى الحكم عليه بأنه يتمتع بصحة جيدة وأنه يتناول طعاما صحيا ويُمارس الرياضة، ورُبما يتمتع بمستوى مادي جيد يُمكِّنه من فعل كل هذا. أما إذا رأيت شخصا أكثر بدانة، فإنك تميل إلى الحكم عليه بأنه لا يتمتع بصحة جيدة، ورُبما بأنه ضعيف الإرادة ولا يستطيع التحكم في نفسه، وأن صحته مؤكد بها العديد من الاضطرابات. ببساطة، كل هذه الأحكام متعلقة بصورنا نحن النمطية وقد لا تمت بصلة لواقع الأشخاص الذين نراهم.(4)

أيضا يمكن اعتبار أن الأحكام التي نُصدرها على الآخرين تُعبِّر عن تعاستنا الشخصية وقلّة المقدار الذي نحصل عليه من السعادة والرضا عن حياتنا، فقد ذهبت دراسة نُشرت عام 2015 إلى أن الأشخاص الأكثر سعادة أقل حكما حتى على سلوكيات الآخرين فيما يتعلق بهم. قد يوضح هذا بالتبعية أن الأشخاص الأكثر حكما على كل ما يُحيط بهم، حتى ما لا يتعلق بهم أو يخصهم مُباشرة، قد يكونون في الواقع أقل سعادة.(5)

كذلك أوضحت دراسة أخرى نُشرت مؤخرا أن الأحكام الأخلاقية الأكثر حِدَّة وعنفا على الآخرين قد تكون مُعبِّرة عن مقدار القلق الشخصي لصاحب الحكم، وجد الباحثون الذين يدرسون كيفية إصدار الأحكام الأخلاقية أن الأشخاص الأكثر قلقا بشأن الإصابة بفيروس كورونا المُستجد، "كوفيد-19″، كانوا أكثر رفضا لأفعال الآخرين الخاطئة، وهو ما قد يعني أن الأحكام على الخطأ قد تأثرت بمقدار "القلق"، وهو ما قد يجعل هذه "الأحكام" تتصف بأنها ليست عقلانية تماما. لم تركز الدراسة، التي نُشرت في مجلة "Evolutionary Psychology"، على السلوكيات المتعلقة بالوباء نفسه مثل التباعد الاجتماعي، ولكنها اعتمدت على مجموعة واسعة من التجاوزات الأخلاقية.

خلال الدراسة، تم تقديم سلسلة من السيناريوهات لأكثر من 900 مشارك في الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية بين مارس/آذار ومايو/أيار 2020، وطُلب منهم تصنيف السيناريوهات المعروضة عليهم وفقا لمقياس يبدأ من "ليس خطأ على الإطلاق" إلى "خطأ للغاية". تتضمن أمثلة السيناريوهات أحد الأمثلة على الولاء: "ترى رجلا يغادر شركة عائلته ليذهب إلى العمل مع منافسهم الرئيسي"، ما تقييمك لهذا؟ اعتبر الأشخاص الذين كانوا قلقين أكثر بشأن الإصابة بـ "كوفيد-19" أن السلوك في هذا السيناريو أكثر خطأ من أولئك الذين كانوا أقل قلقا. يقول كبير مؤلفي الدراسة، سيمون شنال، من قسم علم النفس بجامعة كامبريدج: "لا يوجد سبب منطقي لأن تكون أكثر حكما على الآخرين لأنك تقلق بشأن الإصابة بالمرض أثناء الوباء، هذه التأثيرات على الأحكام تحدث خارج نطاق إدراكنا الواعي. إذا شعرنا أن رفاهيتنا وصحتنا مهددة من قِبَل فيروس كورونا، فمن المحتمل أيضا أن نشعر بتهديد أكبر من تصرفات الآخرين الخاطئة، إنه رابط عاطفي".(6)

قضاة مواقع التواصل الاجتماعي

عبد الرحمن الشهراني، أو كما اشتهر بـ"أسطورة العزيزية"، شاب يبلغ من العمر 27 عاما، وهو مدون سعودي يمتلك قناة على موقع مشاركة المقاطع المُصوّرة يوتيوب، يُقدِّم من خلالها مقاطع فيديو، تم تداول صورة للشهراني على مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت انتشارا واسعا، هذا الانتشار الذي جعل الشهراني يقرأ أحكام الآخرين السلبية عليه التي تحمل التنمر والسخرية منه فقط بسبب هيئته، الأمر الذي دفعه إلى محاولة الانتحار. خلال لقاء تلفزيوني كشف الشهراني عن إصابته السابقة بالسرطان، وهو الأمر الذي أثَّر على فمه ووجهه، مُضيفا أنه بدأ التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام موقع "تويتر" ثم "سناب شات" ثم "إنستغرام"؛ لبث فيديوهات له، قائلا إنه لم يتوقع كل ما تعرَّض له من التهكم والهجوم.(7) هذا التنمر الذي تعرَّض له الشهراني هو شكل قاسٍ ومتطرف من الأحكام التي قد يُصدرها البعض على الآخرين.

الكثير منّا يقضي وقتا طويلا في البحث عما ينشره أصدقاؤنا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، نُمضي وقتنا نتابع الأخبار التي تشاركها الصحف على صفحاتها على مواقع التواصل، نتابع مستجدات أخبار أحد الفنانين أو هذا التصريح الذي أطلقه مؤخرا، ثم ماذا نفعل؟ نُعبِّر عن رأينا، الذي في كثير من الأحيان يكون عبارة عن "حكم" على شخص ما، سواء قررنا أن نشارك وننشر هذا الرأي أو نحتفظ به لأنفسنا.

(شترستوك)

في هذا السياق، توصَّل بحث شمل 3 دراسات إلى أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد لا يُفضِّلون الأشخاص الذين يُشاركون دوما منشورات سلبية ويحكمون عليهم سلبيا، توقعت الدراسة التي نُشرت عام 2012 أن مواقع الشبكات الاجتماعية، على سبيل المثال فيسبوك، قد تُثري الحياة الشخصية للأشخاص الذين يكافحون من أجل تكوين روابط اجتماعية. بَنَت الدراسة هذا التوقع على افتراض أن الفرصة التي توفرها مثل هذه المواقع للإفصاح عن الذات، وهو عنصر ضروري في تنمية العلاقة الحميمة، يمكن أن تكون مفيدة خاصة للأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات، ويترددون عادة في الكشف عن أنفسهم ويجدون صعوبة في الحفاظ على علاقات مُرضية. خلال ثلاث تجارب فحص الباحثون ما إذا كان هؤلاء الأفراد يعتبرون فيسبوك وسيلة آمنة وجذابة للإفصاح عن الذات، وما إذا كانت منشوراتهم الفعلية على فيسبوك قد مكَّنتهم من جني ثمار اجتماعية أم لا. وجد الباحثون أنه على الرغم من أن الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات يعتبرون فيسبوك مكانا جذابا للإفصاح عن الذات، فإن الإيجابية المنخفضة والسلبية العالية لإفصاحاتهم أثارت ردودا غير مرغوب فيها من الأشخاص الآخرين.(9)

ليس من المستغرب أن الكثيرين قد لا يُفضِّلون الأشخاص الذين يُشاركون منشورات سلبية باستمرار، لكن حتى مُشاركتك للمنشورات الإيجابية يمكن أن تترك انطباعا وحكما سيئا عليك أيضا. على سبيل المثال، وجدت بعض الأبحاث أن الأشخاص الذين نشروا تعليقات إيجابية عن شركائهم الرومانسيين كان يُنظر إليهم على أنهم أكثر رضا عن علاقاتهم، لكنهم أيضا كان يحظون بإعجاب أقل من متابعيهم. سبب هذا أن المشاركات الإيجابية التي يُشاركها الشخص عن نفسه سواء في علاقته أو تطوراته المهنية قد يعدّها البعض تفاخرا.

هناك عامل آخر يُعقِّد الانطباعات التي تتشكَّل على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أننا نميل إلى اعتبار المعلومات التي نسمعها عن شخص ما بشكل غير مباشر هي أكثر موثوقية من المعلومات التي يُقدِّمها الشخص عن نفسه، لأننا نتوقع من الناس أن يُقدِّموا أنفسهم بطريقة إيجابية للغاية حتى وإن لم تكن حقيقية. وجدت دراسة نُشرت في "Cyberpsychology, Social Networking, and Behavior" أن من المرجَّح أن تجعلك المنشورات التي قد تبدو مفاخرة واثقا من نفسك، لكنها قد تجعلك أيضا تبدو مغرورا أو متباهيا.(10) هذا شكل واحد من أشكال "الأحكام" على منصات التواصل الاجتماعي، خلال هذا النوع كل ما يفعله الشخص أنه يُشارك الآخرين شيئا إيجابيا عن نفسه أو حدث معه.

يُشير أنتوني ديميلو، في كتابه "الطريق إلى الحب"، إلى أنه بمجرد أن تصنف أي شخص، سواء إيجابيا أو سلبيا، فأنت بهذا تكون قد فقدت جزءا كبيرا من وعيك. (مواقع التواصل الاجتماعي)

يُشير أنتوني ديميلو، في كتابه "الطريق إلى الحب"، إلى أنه بمجرد أن تصنف أي شخص، سواء إيجابيا أو سلبيا، فأنت بهذا تكون قد فقدت جزءا كبيرا من وعيك. لم يعد بإمكانك رؤية الشخص بشكل حقيقي. يثير تعليقك أو رأيك رد الفعل هذا فيك، ولا علاقة لرأيك أو حكمك بمَن هو الشخص الحقيقي.(11) لوقف الانسياق وراء الأحكام على الآخرين على منصات التواصل الاجتماعي، يمكن للشخص أن يتوقف فقط للحظات ويسأل نفسه: إلى أي مدى يعرف هذه الشخصيات جيدا؟ ما الذي يحدث في حياتهم؟ ما الأسباب التي جعلتهم يفعلون أو يقولون هذا الشيء الذي يُضايقه؟ قد يعمل التوقف والتساؤل ومحاولة الفهم لصالحك في المقام الأول، لأنه قد يكون من المستحيل تجربة الفرح حقا عندما تكون في حالة ذهنية قضائية.

إذا توقفت وقيَّمت رأيك أثناء الحكم على شخص ما، فقد تلاحظ أنك فقط تقوم بإسقاط الآراء نفسها، آرائك، على الآخرين. قد لا تستطيع إيقاف الأحكام على الآخرين بشكل كامل، قد يكون الأمر غريزيا، لأن الحكم كان دائما ضروريا لبقائنا والحفاظ على قدرتنا على تقييم السلامة مقابل الخطر، لكن عليك إدراك تأثير طبيعتك الحاكمة على جودة حياتك وعلاقاتك. الوعي هو الخيار الأكثر فاعلية حتى لا يؤثر إصدار الأحكام عليك أو على المحيطين بك سلبيا.

—————————————————————————————————————————-

المصادر

  1. 1Why Do We Judge Other People?
  2. When judging other people, first impressions last
  3. It Is Impossible Not to Be Judgmental
  4. Psychology Explains Why Humans Like Judging Other
  5. Are happier people less judgmental of other people’s selfish behaviors? Experimental survey evidence from trust and gift exchange games
  6. People more afraid of catching COVID-19 are more judgemental, study finds
  7. فيديو.. «الأسطورة الشهراني» يكشف محاولته الانتحار بعد التهكم عليه
  8. «شيل أهلى في عينيك».. عروس تفاجئ عريسها و«المعازيم» بقائمة شروط قبل «كتب الكتاب»
  9. When Social Networking Is Not Working: Individuals With Low Self-Esteem Recognize but Do Not Reap the Benefits of Self-Disclosure on Facebook
  10. Bragging on Facebook: The Interaction of Content Source and Focus in Online Impression Formation
  11. The Way to Love
المصدر : الجزيرة