شعار قسم ميدان

فورين أفيرز: كيف سيؤثر تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية على أميركا؟

ميدان - ترامب والسيسي والإخوان المسلمين

في أواخر أبريل/نيسان، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه سيسعى لجعل وزارة الخارجية تصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية (FTO). وجاء التوجيه إثر زيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى البيت الأبيض، وهو أحد الأوتوقراطيين المفضلين لدى ترمب وعدوٌ للإخوان المسلمين. كانت أول مرة قام فيها ترمب بتوجيه وزارة الخارجية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في عام 2017، لكنها قررت أن الجماعة لم تلاق الشروط القانونية لكي تكون منظمة إرهابية أجنبية، لأنها ليست منظمة أحادية المركز وليس لديها نمط ثابت من العنف.

 

لم تتغير جماعة الإخوان منذ ذلك الحين؛ تجتمع العديد من الجماعات المترابطة بشكل واسع تحت مظلتها، لكن لا قيادة مركزية تجمعهم، كما أنهم يتحركون تحت لواء مبادئ قليلة لا تتجاوز التفاني الكبير تجاه الإسلام. وتشمل الأجنحة الوطنية لجماعة الإخوان المسلمين منظمات متنوعة مثل حزب النهضة السياسي، أحد أعمدة المؤسسة المؤيدة للديمقراطية في تونس، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، التي صنفتها الولايات المتحدة بالفعل منظمة إرهابية.

 

بيد أن ما تغير هو البيت الأبيض؛ فمعظم أعضاء إدارة ترمب الذين اعترضوا على هذه الخطوة، بما في ذلك وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، غادروا وتم استبدال "رجال الموافقة" بهم، مما سمح لترمب بتجاهل المعايير القانونية والتاريخية لتصنيفات الـ "FTO".

   

  

نظرا لأن هذه الخطوة ستجري في النهاية كما تشتهي سفن السيسي، فقد ينتهي الأمر باستهداف ترمب لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، الفريق الأصلي والأكثر شهرة في المجموعة. مذ تأسست عام 1928 على يد حسن البنا، لعبت جماعة الإخوان المصرية دورا حاسما في المعارضة الفعلية لسلسلة من الحكام المصريين. رغم حظرها رسميا منذ عقود، ظل تأثيرها في المجتمع المصري واسع الانتشار، وفي السبعينيات، تخلت جماعة الإخوان المسلمين عن العنف، وحافظت على هذا الالتزام منذ ذلك الحين، ولم يظهر أي مُنتمٍ جاد للمجموعة خلاف ذلك. لهذا السبب وحده، من غير المرجح أن يصمد تصنيف "FTO" إذا ما تم الطعن عليه في المحكمة.

 

في النقاش بشأن اقتراح ترمب، تم التركيز على العواقب المحتملة لهذا القرار على المنظمات المرتبطة بالإخوان وأعضائها. فحتى لو صنّفت واشنطن جماعة الإخوان المصريين فقط، فإن هذه الخطوة ستصنّف مئات الآلاف من الناس على أنهم إرهابيون. ما يعني أن الولايات المتحدة ستمد حكومة السيسي بالغطاء اللازم لتوسيع نطاق الحملة الوحشية القائمة بالفعل. إن قيادات الإخوان في مصر إما في السجن وإما في المنفى، ويعيش العديد من أعضائها في خوف من الاعتقال على أيدي مخابرات السيسي. إن تصنيف جماعة الإخوان من شأنه أن يعزز استبعاد أعضائها من الساحة السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يحفز التطرف وانتشار الجماعات المنشقة العنيفة.

 

في الولايات المتحدة، قام اليمين السياسي منذ فترة طويلة بتشويه جماعة الإخوان المسلمين، حيث يمكنه استخدام تصنيف "FTO" لاستهداف إحدى الجماعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والتي تربطها صلات بالإخوان المسلمين، مثل مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية. ولا شك أن التصنيف سيؤكد نظريات المؤامرة المختلفة المثارة حول جماعة الإخوان، مثل تلك التي تصوّرها على أنها القلب النابض للتطرف الإسلامي، وبالتالي يرمي بمزيد من الحطب على نار الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة.

   

  

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يُحدث التصنيف أضرارا خطيرة على سياسة مكافحة الإرهاب الأميركية. منذ أن تم سنُّه في عام 1996، كان القانون الذي تقضي بموجبه الحكومة الفيدرالية تصنيف المنظمات الإرهابية أداة أساسية في مكافحة الجماعات الإرهابية. حيث يمنح حكومة الولايات المتحدة سلطة فرض عقوبات وتجميد الأصول الإرهابية في الولايات المتحدة والضغط على أن تحذو الدول الأخرى حذوها. كما أنه يوفر الأساس لمحاكمة الأشخاص لدعمهم الجماعات الإرهابية.

 

يمكن أن يكون تصنيف منظمة ما بأنها منظمة إرهابية أداة قوية؛ فالإرهاب لا يكلف الكثير من المال، لذا فإن تجميد 7 ملايين دولار من أموال تنظيم القاعدة في البنوك الأميركية، مثلا، كما فعلت الولايات المتحدة منذ عام 1999، يصيب الجماعة بانتكاسة كبيرة. وحاكمت الولايات المتحدة العشرات من الأشخاص بتهم الدعم المادي، بمن فيهم المقاتلون الأجانب المرجحون في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والذين مُنعوا من السفر إلى العراق وسوريا بسبب التشريع. ومن بين الحالات البارزة الإرهابي الليبي أحمد أبو خطالة، زعيم جماعة أنصار الشريعة في بنغازي، التي صنفتها وزارة الخارجية الأميركية بعد تورطها في مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين في بنغازي في عام 2012. ألقت القوات الخاصة الأميركية القبض على أبو خطالة في عام 2014، واتُّهم بمجموعة من الجرائم، بما في ذلك القتل. في نهاية المطاف، لم يتمكّن الادعاء من التمسك بمعظم التهم لأنه كان يفتقر إلى أدلة على وجود أبو خطالة أثناء الهجوم. لكنه أُدين بتهمة الدعم المادي ويقضي الآن عقوبة بالسجن لمدة 22 عاما.

   

  

علاوة على ذلك، تأتي سلطة نظام التصنيفات من قدرة الولايات المتحدة على حشد الدعم من الحكومات والمنظمات الدولية الأخرى. وعندما تحيك واشنطن قضية شاملة لتصنيف جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، على سبيل المثال، تتبع الأمم المتحدة دائما الدعوى وتضيف المجموعة إلى نظام لجنة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة. هذا النظام ملزم لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهذا يعني أنها مطالبة بتجميد أصول مجموعات أو أفراد معينين، ومنعهم من السفر، وضمان عدم تمكّنهم من الحصول على الأسلحة.

 

لقد أرسى النظام الأميركي الأسس لدول أخرى أصغر لإدارة التهديدات الإرهابية داخل حدودها؛ في عام 2008، صنفت وزارة الخارجية حركة راجا سليمان المتمركزة في الفلبين، وهي جماعة متمردة لها صلات بجبهة مورو الانفصالية للتحرير الإسلامي، التي تشن حملة مستمرة منذ عقود ضد حكومة مانيلا. كما نجحت في الضغط على الأمم المتحدة لإدراج المجموعة، ولولا أن الولايات المتحدة اتخذت هذه الخطوات، لما كان بوسع حكومة الفلبين أن تحوز الأساس لتنفيذ حملات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب التي أضعفت المجموعة وهزمتها في نهاية المطاف عام 2009.

 

كما يُصدر الاتحاد الأوروبي العديد من تصنيفاته الإرهابية بناء على ما تقرره الولايات المتحدة. ففي عام 2013، بعد جهود ضغط شديدة من الولايات المتحدة، اعتبر الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله منظمة إرهابية. ولم تكن هذه الخطوة سوى نجاح جزئي في نظر الولايات المتحدة، حيث صنفت المنظمة بأكملها وتأمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي بالأمر عينه، لكنه لا يزال إنجازا مهما لها يحد من قدرة حزب الله على جمع الأموال وشراء العتاد في أوروبا.

   

  

كما تُضفي قوة النظام الأميركي شرعية على تصنيفات الاتحاد الأوروبي؛ فعلى سبيل المثال، في عام 2018، خسرت "حماس" دعوى قضائية اعترضت فيها على تصنيفها في الاتحاد الأوروبي، وكان ذلك جزئيا، لأن محكمة العدل الأوروبية وجدت أن نظام الولايات المتحدة (الذي يدرج "حماس" أيضا) كان ذا مصداقية وقد وفّر المعايير والإجراءات اللازمة.

 

إذا سعت إدارة ترمب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين فإنها ستؤدي إلى تآكل القوة الإقناعية للتصنيفات الأميركية بلا شك. وقد ترى بلدان أخرى أن هذه الخطوة ظالمة، وقد تقوّض تصنيفات الاتحاد الأوروبي الحالية التي تعتمد على الجهود الأميركية. وسبق وأن تضررت القيادة الأميركية العالمية في مكافحة الإرهاب بقرار إدارة ترمب بتصنيف فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الشهر الماضي؛ لأنها المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق أداة قانونية مصممة للتعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية على جزء من دولة معادية. وهكذا أضعفت هذه الخطوة مصداقية الولايات المتحدة من خلال إظهار أن الإدارة مستعدة لتحريف القواعد من أجل تهديد أعدائها. إن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين من شأنه أن يسرع فقط من فقدان النفوذ الأميركي.

 

إن ركيزة نظام التصنيفات هي عقوباته. تعمل العقوبات بشكل أفضل عندما تكون مبنية على حجج قوية، وعادة ما تدعمها المخابرات الأميركية، يمكن أن تستخدمها الدول الأخرى لتبرير اتباع الولايات المتحدة. وتفقد العقوبات قيمتها عندما تبدو أشبه بمجاملات أو إثارة غيظ من الرئيس الأميركي لحكام آخرين. إن منهج "الحشو دون تمييز" الذي تتبعه إدارة ترمب تجاه إيران يضر بالفعل بشرعية العقوبات الأميركية ويخلق استياء بين شركاء الولايات المتحدة التقليديين. لذا فإن إضعاف نظام التصنيفات، وبالتالي زيادة احتمالية عدم دعم الدول الأخرى للعقوبات الأميركية، سيكون خطأ فادحا.

 

لقد غطت الهجمات التي تقوم بها حركات تعالي العِرق الأبيض على الإرهاب الجهادي إلى حدٍّ كبير في الأخبار مؤخرا، لكنه لا يزال يُمثّل تهديدا خطيرا. ومع ذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ناجحة بشكل ملحوظ، ويعود ذلك لنظام تصنيف ومعاقبة منظمات الإرهاب الخارجية. لذا فإن إفساد هذا النظام بتصنيف جماعة لا تنطبق عليها المعايير إرضاء للسيسي فكرة سيئة للولايات المتحدة.

—————————————————————–

ترجمة: سارة المصري.

هذا المقال مأخوذ عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة