شعار قسم ميدان

كيف تأثر فيلم "Lion King" بمسرحية "هاملت" لشكسبير؟

ميدان - الأسد الملك

يعيش جزء كبير من خيال طفولتنا في القلب من قصص الأطفال وأساطير وحكايا الشعوب القديمة، تلك التي كانت تتلوها علينا الأمهات والجدات في السرير قبل أن ننام، أو تلك التي كنا نهرب إليها بين دفتي كتاب، أو تلك التي تجسدت أمامنا فوق شاشة السينما أو الحاسوب أو التلفاز. ومن بين كل تلك الأشكال المتنوعة للقصص، فقد ظلت القصص المرئية التي تأتي إلينا في هيئة رسوم متحركة الأثيرةَ لدى معظمنا، وعلى رأسها تأتي أفلام ديزني.

  

لم تكن أفلام ديزني كغيرها من الأفلام، فتتمتع كلاسيكياتها الشهيرة بلمسة خاصة من السحر، يمتزج فيها جمال الرسوم بذكاء وخفة معالجة القصص، ليخلقا معا نكهة خاصة وقعت أجيال عديدة من الأطفال في حبها. ومن بين مئات الأفلام التي صنعتها ديزني، يظل فيلم بعينه يحمل مكانة خاصة عند جيل أطفال التسعينيات، ذلك الفيلم هو فيلم "الأسد الملك" (Lion King). كلنا نعرف قصة الفيلم الشهيرة ونحفظها عن ظهر قلب، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن قصة الفيلم تلك تأثرت بشكل كبير بقصة أخرى جاءت للوجود قبل الفيلم بنحو أربعمئة عام؛ تلك القصة تنتمي إلى مسرحية "هاملت" لويليام شكسبير. فلماذا تتشابه الكثير من القصص فيما بينها بشكل عام؟ وما أوجه الشبه بين فيلم "الأسد الملك" ومسرحية "هاملت" على وجه الخصوص؟ 

     undefined

  

لماذا تتشابه القصص؟

بالتأكيد جاءت لحظة معينة لاحظت عندها أن قصة فيلم ما حديث شاهدته مؤخرا تشبه بشكل كبير قصة فيلم آخر قديم شاهدته قبل عدّة سنوات. وقد تمتد تلك الملاحظة لتشمل عددا من الأفلام أو حتى روايات ومسرحيات تشعر أنها تتقاطع معا في الكثير من النقاط. في تلك الملاحظة نسبة كبيرة من الصحة، فكما يقول المثل القديم "لا جديد تحت الشمس"، فلا جديد أيضا تحت سماء الحكايات.

  

في كتابه "الحبكات السبع الأساسية"، يضع الكاتب كريستوفر بوكر كل القصص في إطار سبع حبكات رئيسية: تخطي الوحش، الارتقاء من الحضيض، رحلة السعي لشيء ثمين، رحلة الذهاب والعودة، الكوميديا، التراجيديا، إعادة البعث؛[1] ووفقا له، تنتمي أي قصة في الوجود لواحدة من تلك الفئات. وقبله بنحو خمسين عاما، وضع عالم الميثولوجيا جوزيف كامبل إطارا عاما تتحرك خلاله كل القصص والأساطير والحكايات يتكون من اثنتي عشرة مرحلة، ولا توجد قصة وفقا له لا يمر فيها البطل على معظمها. ولهذا السبب، وفقا لبوكر وكامبل، نجد خطوطا معينة تتكرر بكثرة عبر القصص والحكايات.[2]

  

ومن تلك الخطوط دائمة التكرار نجد الخط الأساسي لمسرحية "هاملت" وفيلم "الأسد الملك" على السواء؛ فقصة الأمير الذي يتم حرمانه من عرشه بعد موت أو مقتل والده الملك ثم يعود لينتقم، نجدها منذ الأساطير القديمة على غرار أسطورة إيزيس وأوزوريس وحورس، ونراها إلى الآن في إنتاجات السينما والتلفاز الحديثة مثل سلسلة "سيد الخواتم" أو مسلسل "صراع العروش". لكن التماثل بين فيلم "الأسد الملك" ومسرحية "هاملت" يتعدى التماثل البسيط بين أحد الخطوط، فيبدو لمن يقرأ المسرحية ويشاهد الفيلم أن "الأسد الملك" هو عبارة عن نسخة مناسبة للأطفال من مسرحية "هاملت". يُرجح هذه النظرية لجوء ديزني طوال تاريخها الطويل للقصص والحكايات الشعبية والأساطير القديمة، فتقوم بتغيير معالجتها وتنتزع منها أي شيء قد يكون مؤذيا بالنسبة للأطفال، وتقدمها في إطار مرِح مناسب لجميع أفراد العائلة.

    undefined

  

وقد قال روبرت مينكوف، أحد مخرجي "الأسد الملك"، عن هذا: "لأن قصة الفيلم كانت قصة أصلية غير مقتبسة من شيء، وجدنا أنفسنا دائما في حاجة إلى الاستناد إلى قصة أخرى معروفة. وعندما عرضنا الإطار العام للفيلم على مايكل أيزنر وجيفري كاتزنبرغ وبيتر شنايدر وتوم شاموار، قال أحدهم إن مسرحية "هاملت" كان بها الثيمات والعلاقات نفسها. لاقى كوننا نعمل على شيء مُتأثر بشكسبير استحسانا من الجميع، فظللنا نبحث عن طرق نبني عبرها الفيلم بالاستعانة بذلك العمل الكلاسيكي الخالد".[3]

  

ما بين "الأسد الملك" و"هاملت"

تروي مسرحية "هاملت" قصة أمير الدانمارك الشاب الذي يملؤه الثورة والغضب، فأمه قد تزوجت من عمه بعد مُضي أقل من شهرين على موت أبيه؛ ولا تلبث جذوة الغضب تلك أن تشتعل وتسيطر عليه عندما يظهر له شبح أبيه في إحدى الليالي ويخبره أن عمه كلاوديوس هو من قام بمقتله، ليستولي بعدها على عرشه وامرأته. يقسم هاملت على الانتقام، لكنه لا يفتأ يُرجئ ذلك الانتقام الذي لا تقوى عليه نفسه حتى اللحظة الأخيرة عندما يكون الأوان قد فات.

  

يظهر التشابه بين "الأسد الملك" و"هاملت" في الخط الأساسي لهما، وفي الكثير من التفاصيل الصغيرة أيضا. فهاملت وسيمبا كلاهما يجدان نفسيهما ضحية لأطماع عم شرير يقتل الأب ويستولي على الحُكم، وعند مرحلة ما يُنفى الاثنان عن مملكتيهما ويرحلان لأرضٍ بعيدة. وتأتي لحظة التنوير المفصلية، تلك التي يكتشف عندها هاملت ما حدث لأبيه وتلك التي يستعيد عندها سيمبا ذاته القديمة، عندما يتجسد شبح الأب، فيظهر لهاملت في منتصف الليل عند أبواب القلعة ويروي له وقائع مقتله على يد أخيه كلاوديوس، ويظهر لسيمبا في النجوم ويرجوه أن يظل يتذكره.

    undefined

  

كما نجد الشخصيات الثانوية متشابهة في الاثنين، وإن اختلفت أدوارها، فتأخذ في "هاملت" منحى أكثر قتامة. فيقابل الأم جيرترود في "هاملت" الأم سارابي في "الأسد الملك"، ويقابل الحبيبة أوفيليا في "هاملت" الحبيبة نالا في "الأسد الملك"، ويقابل العم كلاوديوس في "هاملت"، العم سكار في "الأسد الملك"، بينما يتوزع دور الصديق الناصح المخلص الذي يلعبه هوراشيو في "هاملت" على أكثر من شخصية في "الأسد الملك"، فيمكننا أن نراه في شخصيات تيمون وبومبا ورافيكي على السواء.

  

وبينما تتشابه الخطوط الأساسية والكثير من التفاصيل والشخصيات، يأتي الاختلاف الأكبر بين الفيلم والمسرحية عند النهاية، فتأخذ مسرحية شكسبير منحى مأساويا تموت عنده أغلب الشخصيات في مشهد دموي، بينما ينتصر الخير كالعادة في فيلم ديزني.

    undefined

  

بالإضافة إلى تأثر مؤلفي "الأسد الملك" المباشر بمسرحية شكسبير، ربما يأتي التشابه الكبير بين "هاملت" و"الأسد الملك" نتيجة لانتماء الاثنين، وفقا لتصنيف كريستوفر بوكر، لنوع التراجيديا -تنتمي مسرحية "هاملت" كاملة لذلك النوع، بينما يخلط فيلم "الأسد الملك" بين التراجيديا المتمثلة في موت موفاسا ونفي سيمبا، والكوميديا التي تضفيها المقاطع الغنائية المرحة وشخصيتا تيمون وبومبا الخفيفتان- والذي يقول بوكر في توصيفه: "في بداية أي تراجيديا، نجد أن الشخصية الأساسية تكون دائما جزءا من مجتمع ما، وتقع في القلب من شبكة علاقات ترتبط خلالها بغيرها من الأفراد عبر أواصر الصداقة أو الانتماء لعائلة واحدة أو الزواج. ويأتي العنصر التراجيدي غالبا عندما يحدث انفصال قصري بين البطل وبين تلك الدوائر، والذي يحدث بسبب الموت في معظم الأحيان".[4]

  

نجد ذلك العنصر التراجيدي مُتمثّلا في موت الأب في "هاملت" و"الأسد الملك" على السواء، لكن الانفصال عن المحيط يحدث لأسباب مختلفة، فانفصال هاملت عن عائلته يأتي نتيجة لشعوره بالاغتراب عنها بعد زواج أمه من عمه، بينما يحدث الانفصال بشكل مادي في "الأسد الملك" عندما يهرب سيمبا بعيدا عن مملكته ويقضي سنوات طويلة منفيا عنها.

    

  

مثّل فيلم "الأسد الملك" نقطة الذروة في مرحلة مهمة من مراحل ديزني. فبعد أكثر من عشرين عاما، ما بين 1966 تاريخ وفاة والت ديزني و1988 تاريخ إطلاق فيلم "عروس البحر الصغيرة" (The Little Mermaid)، عاشت الشركة في فترة أسماها النقاد "بعهد ديزني المظلم" (Disney’s Dark Age)، عجزت خلالها الشركة معظم الوقت عن إنتاج أفلام تلقى نجاحا نقديا وجماهيريا يماثل نجاح كلاسيكياتها السابقة التي أنتجتها في عصرها الذهبي. وقد وصل اليأس بمديري الشركة في تلك المرحلة لنقطة فكروا عندها جديا في إغلاق قسم الرسوم المتحركة تماما.[5]

  

لكن الفترة من أواخر الثمانينيات وحتى أوائل الألفية شهدت إنتاج ديزني لأفلام عديدة ناجحة أعادت للشركة ألقها السابق، حتى أطلق النقاد على تلك الفترة لقب "نهضة ديزني" (Disney Renaissance). وعلى رأس تلك الأفلام يأتي فيلم "الأسد الملك"، الذي يظل من أقرب أفلام الرسوم المتحركة لقلوب من شاهدوه، منذ كانوا في التسعينيات أطفالا حين أُطلق الفيلم، وإلى اليوم، بعد أكثر من عشرين عاما، وقد صاروا كبارا راشدين.

المصدر : الجزيرة