تشييد مجموعة البريكس

An employee cleans a board during the preparations for the BRICS summit in Ufa, Russia, July 7, 2015. The BRICS emerging economies will launch a development bank at a summit this week which President Vladimir Putin hopes will help reduce Western dominance of world financial institutions and show Moscow is not isolated. REUTERS/BRICS Photohost/RIA Novosti ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. IT IS DISTRIBUTED, EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS.

يصادف هذا العام ذكرى مرور خمسة عشر عاما على إنشاء مجموعة "البريكس، وهو المصطلح الذي صغته شخصيا في الإشارة إلى الاقتصادات الناشئة الكبرى (البرازيل وروسيا والهند والصين، أضيفت دولة جنوب أفريقيا في عام 2010).

مؤخرا، انتهت فترة عملي القصيرة في الحكومة البريطانية، بعد الانتهاء من أعمال المراجعة المستقلة لمقاومة الميكروبات للأدوية والتي توليت رئاستها. والآن وأنا أتأمل في أمري وما أستطيع أن أقوم به بعد ذلك، لا أجد مفرا من العودة إلى موضوع هذه المناسبة السنوية. فهل نجحت هذه الاقتصادات الكبيرة الواعدة في تحقيق التوقعات؟

لعل الإجابة الأكثر بساطة على هذا السؤال تتعلق بعملي في مراجعة مقاومة الميكروبات للأدوية، والتي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون في عام 2014. ففي الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول حققنا انتصارا كبيرا: التوصل إلى اتفاقية عالية المستوى من قبل الأمم المتحدة بشأن هذا الموضوع.

بعد التوصل إلى الاتفاق، سألني على الهواء طاقم التلفزيون الألماني الذي كان من حين إلى آخر يتابع عملي أنا وفريقي في نشر الوعي بشأن مقاومة الميكروبات للأدوية ما إذا كانت النتيجة التي توصلنا إليها أكثر أهمية من مفهوم مجموعة البريك. وبدون انتظار لإجابتي، أعلن أفراد الطاقم الألماني أنها أكثر أهمية بوضوح. وكانوا محقين: فلا يوجد اقتصاد ناشئ أو غير ذلك قد يأمل في تحقيق النجاح إذا ابتلي بتهديد صحي على نفس القدر من خطورة مقاومة الميكروبات للأدوية.

 

ولكن القصة لا تنتهي هنا: فأهمية مجموعة البريكس (BRICS) في التصدي لمقاومة الميكروبات للأدوية ليست أقل من أهمية التصدي لمقاومة الميكروبات للأدوية في تمكين مجموعة البريكس من الازدهار. فكانت دولة جنوب أفريقيا على سبيل المثال داعما أساسيا للمملكة المتحدة في المناقشات التي تناولت قضية مقاومة الميكروبات للأدوية في إطار قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي استضافتها مدينة هانجتشو في الصين، وما كانت هذه القضية لتنتهي إلى بيان اجتماع القمة لولا دعم جنوب أفريقيا.

وهذا هو بيت القصيد. ذلك أن مجموعة البريكس اليوم، كحالها في عام 2001، قادرة على الاضطلاع بدور بالغ الأهمية في التصدي للتحديات الدولية الأكثر إلحاحا. والواقع أنني توصلت إلى فكرة هذا المختصر الذي يتألف من الأحرف الأولى لأسماء هذه الدول (BRICS) ليس فقط لأن الأحرف متوافقة، بل أيضا بسبب المعنى الحقيقي للكلمة في اللغة الإنجليزية (منطوقة): فقد زعمت في ورقتي البحثية في عام 2001 أن هذه الاقتصادات الناشئة لابد أن تكون أحجار البناء للأنظمة المالية وأنظمة الحوكمة العالمية المجددة حديثا.

ولكن مع ذلك، ونحن نقترب من اجتماعات الخريف هذا العام لصندوق النقد والبنك الدوليين، تظل مجموعة البريكس منقوصة التمثيل بشدة في هاتين المؤسستين الحساستين. وما لم يتغير هذا، مع تقدم الإصلاحات إلى مستويات أعلى مما كانت عليه حتى الآن، فسرعان ما يتبين لنا أن "الحوكمة العالمية" لم تَعُد عالمية على الإطلاق.

من المؤكد أن مجموعة البريكس كانت تمر مؤخرا بأوقات عصيبة. وكان الأداء الاقتصادي في البرازيل وروسيا بشكل خاص مخيبا للآمال للغاية منذ بداية هذا العقد، حتى إن كثيرين الآن يرون أن هذه الدول لا تستحق المكانة التي منحها إياها هذه الاختصار (البريكس).

ولكن من السذاجة أن نقترح ببساطة أن أهمية مجموعة البريكس كانت موضع مبالغة. ذلك أن حجم اقتصادات البريكس الأربع الأصلية، يتوافق في مجموعه تقريبا مع التوقعات التي صرحت بها قبل كل هذه السنوات.

إذ تشكل كل من روسيا والبرازيل الآن حصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مماثلة لتلك التي كانت تشكلها في عام 2001، وإن كانت روسيا وفقا لحساباتي البسيطة ربما أصبحت حاليا خارج أكبر عشرة اقتصادات في العالم. أما البرازيل، فرغم كل مشاكلها الكبيرة، فقد أصبح تصنيفها العالمي اليوم أعلى مما كنت أتصور في ذلك الوقت.

وتستمر الهند على نفس المسار الذي كانت عليه قبل خمسة عشر عاما تقريبا. ومع الإصلاحات البنيوية المناسبة فربما تتمكن من تحقيق فترة طويلة من النمو الاقتصادي الذي يتجاوز 10%، على الطريقة الصينية.

ولكن تظل الصين صاحبة أكبر قصة نجاح بين دول مجموعة البريكس، فقد فاقت التوقعات بأشواط برغم تباطؤها في الآونة الأخيرة. وإذا واصل اقتصادها النمو بمعدل سنوي نحو 6% على مدار السنوات المتبقية من هذا العقد، فسوف تحقق بذلك توقعاتي لها في عشرين عاما.

ولا يقلل هذا من التحديات التي تواجهها الصين. ولكن إذا تمكنت من معالجة التحدي الأكثر إلحاحا -الجانب السلبي للمخاطر الانكماشية- فسوف تصبح إدارة تحدي الديون الذي نوقش كثيرا أسهل كثيرا.
من حسن حظ الصين أن الدول الأخرى تريد لها -أو ينبغي أن تريد لها- تحقيق النجاح. ذلك أن الاقتصاد الصيني النشط يصب في مصلحة العديد من الدول الأخرى، وخاصة تلك القادرة على تصدير السلع والخدمات التي تحتاج إليها الصين الأكثر حداثة واعتمادا على المستهلك. والواقع أن صعود المستهلك الصيني ربما يكون المتغير الاقتصادي الأوحد الأكثر أهمية اليوم ــ بل وربما يكون حتى أكثر أهمية من المشاكل الاقتصادية التي تبتلي بها أوروبا واليابان أو التساؤلات حول استدامة الأهمية العالمية للهند.

الواقع أن الحواجز المحتملة التي تحول دون تحقيق النمو والتنمية في بلدان مجموعة البريكس كثيرة، بما في ذلك التهديدات الصحية مثل مقاومة الميكروبات للأدوية، والتحديات التعليمية، والتمثيل الناقص في هيئات الحوكمة العالمية، وعدد من المشاكل الدورية القصيرة الأمد. ويتعين على صناع السياسات في مختلف أنحاء العالم أن يُلزموا أنفسهم بتفكيك هذه الحواجز وتمكين مجموعة البريكس من تحقيق إمكاناتها الحقيقية أخيرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.